نجاة عبد الصمد روائية سورية قرأت لها: لا ماء يرويها وبلاد المنافي و غورنيكات سورية. تنتمي لثورة الشعب السوري ضد الاستبداد والظلم، وتنتصر لحق السوريين بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والحياة الأفضل.
مروياتها في حنان الحرب هي عبارة لوحات تعبيرية تتناول واقع حدث الثورة السورية، حراك الشعب، ورد النظام الوحشي وتطورات الوضع من قتل وتدمير وتهجير و تدخلات خارجية متنوعة…ومنعكس ذلك على الناس في سوريا، مقاطع على لسان أطفال ونساء ورجال، من كل الفئات والأعمار والمهن، كلهم كان لهم في الموريات منصة يطلقون عبرها صوتهم ومعاناتهم. عاشوا ما عاشوا، وتنفسوا وجعهم. وذلك في السنوات الاولى للثورة حيث ينتهي السرد في المرويات في أواسط عام ٢٠١٤م.
صحيح أن الثورة السورية وتطوراتها من منظور التحليل والدراسة والقوى الفاعلة ممكنة التحديد موضوعيا. لكن المرويات ارادت ان تقول ان حدث الثورة بعظمته ورد النظام ووحشيته. والنتائج الكارثية لوحشية النظام على الناس، جعل الحالة المعاشة عند السوريين متميزة ومختلفة عند كل انسان سوري عاش ما عاشه في سنوات الثورة الأولى.
الطفل: كل طفل عاش الحدث -الذي سمي حربا على الشعب السوري بعد ذلك- الطفل الذي يسمع دوي الطائرات وانفجار الصواريخ وسقوط البراميل المتفجرة، موته او موت احد من عائلته، تشرده، إصابته، وحتى إعاقته، هل بقي توازنه النفسي على حاله أم عاش اضطرابا عاطفيا ونفسيا وعقليا سيستمر معه مدى الحياة. الطفل الذي فقد بيته ولعبه وتعليمه وامه او اخته او اخاه او اباه، الذي غرق بالبحر او استطاع عبور الحدود بمعجزة هاربا مع اهله الى مخيمات اللجوء… ملايين الحكايا هو واقع حربنا ومنعكسه على الاطفال ابنائنا…
المرأة: ليست حكاية المرأة السورية هي نفسها في كل الأحوال، لكنها تشترك بالكثير، الفتاة التي نضجت في الحرب، ووجدت ان حبيبها على الجبهات مع النظام او مع الثوار، أو قاده حظه ليكون مع القوى الظلامية مثل داعش والقاعدة، اصبح قائدا متوحشا، او زف لها شهيدا او قتيلا او معتقلا او مصابا او معاقا… الأم السورية التي تدير شؤون أسرتها بالبركة والحصافة وحُسن التصرف، ضاع صوابها، البيت لم يعد بيتا، تدمر تحت القصف، والاب لم يعد يجد عملا والطعام اصبح قليلا شحيحا. وإن كانت في مناطق الحصار فهي تعرف أنها قد تحتاج أن تطهو لأولادها حجارة، وإن كانت من مناطق النظام فإنها تعرف انها تصرف دون خوف فالمال كثير يبيع زوجها العسكري او ابنها الشبيح مايسرقه من البلدات المستباحة والمدمرة ويبيع ما يحصل عليه في سوق السنّة. كيف أصبحت الأمهات أعداء؟ !. في الاولاد عنجهية وتسلط، لكن الأمهات كيف اضعنّ وعيهم وضمائرهم؟!. يبدو أن ما حصل أكبر من قدرتهنّ على المواجهة وحتى التساؤل. أمهات يحملن بعض البسة وبعض أولاد وينتقلون من بلدة تحت القصف والدمار لبلدة اقل بلوى… امهات يغادرن البلاد كلها إلى بلاد اللجوء، لقد لفظت البلاد اناسها…
ماذا عن الآباء لكل اب حكاية خاصة مختلفة في حرب النظام على الشعب. لقد متنا ألف موتة حتى صنعنا الأُسر، وانجبنا الأولاد، “كل شبر بنذر”، وعندما كبروا، اخذهم الوطن “الغولة” ليقتلوا شعبهم ويُقتلوا من شعبهم، ما هذا الوطن الذي يحيا عبر قتل شعبه، والحقيقة أن النظام يريد الحكم ولو قتل كل الشعب، من معه ومن ضده، لو دمّر البلاد ولو هجّر العباد، وهكذا حدث… لكل اب حكاية. الاب المنتصر والاب المهزوم. من يرتع في خيرات البلد المنهوبة، ومن غادر البلاد بما تبقى له من عائلته ووطنه المزروع في وجدانه، كالشاهر سيفه على رقبته.
هكذا تأخذنا المرويات في رحلة تتقمّص حياة كثير من نساء ورجال وأطفال سورية، يهمسون وجعهم ويحكون فاجعتهم. الواقع المؤلم والمخزي، دون تزيين أو تشويه. الواقع أقسى من التصورات… شعب ثار وطالب بحقوقه، ونظام واجه الشعب بكل ادوات القتل، وصمت دولي مع دعم للحرب والقتل، المدن دُمرت والبلدات هُجرت والناس تحولوا بالملايين الى لاجئين داخل سوريا وخارجها. لكل إنسان من الملايين السوريين حكايته الخاصة وآلامه الخاصة ومصيره الخاص المتميز. البعض قتل تحت ركام بيته من القصف، والبعض هرب واستقر في خيام البؤس على الحدود مع دول الجوار، بعض دول الجوار التي لفظتهم وتاجرت بهم. انتقلوا من كرم تعبهم وخيرات بلادهم وأرضهم وأعمالهم، ليصيروا عالة على العالم الذي يسكت على الجريمة وينفق على الضحايا ما لا يسد الجوع او يستر العري. البعض يهرب بعيدا، يغادر الوطن الذي ذبح الأهل والأصدقاء والأبناء. يهرب، سماسرة الموت يلتقطونهم، ينهبون أموالهم ومن ثم يتركونهم لقدرهم في بحار تبتلعهم. ومن يصل الى بلاد الغربة يجد أنه مطالب أن يبدأ من الصفر ليعرّف نفسه وحقوقه ويفكر كيف يزرع ذاته في بلاد جديدة ولغة وعادات واعراف وقوانين جديدة، وقد يكون ضحية قتل مجاني أو تمييز عنصري. ليس أمام انساننا السوري الا ان يخوض تجربة الهروب للبحث عن بديل يحافظ عنده على حياته اولا، وبعد ذلك يفكر كيف يعيش الحياة التي كسبها بهروبه من بلده.
كذلك تغوص المرويات في واقع المجتمع السوري، حيث حصلت الثورة في مدن وبلدات بأغلبية مجتمعية مظلومة، قاومها النظام واتّهمها بأنها تفكر طائفيا وتحارب النظام على أنه علوي وليس ظالما. مع العلم ان النظام طرح نفسه حاميا للعلويين يدفعهم وقودا لحربه عبر هدر دمائهم ليستمر حكمه، وحتى يرد الشعب طائفيا ويتغير توصيف الثورة السورية، ليصبح حربا اهلية، ويندفع العالم يساعد النظام في حربه على الإرهاب؟!!، كما ادّعى وكما حصل، وكذلك ادعائه انه يحمي بقية مكونات الشعب، حتى أصبحت بقية المكونات متهمة انها مع النظام، والنظام يدعي أنه يحميهم. يحاول تحييد مناطقهم، المسيحيين والدروز وحتى الأكراد عندما سلم مناطق تواجدهم لحزب العمال الكردستاني حلفائه. وتورط بعض ابناء هذه المكونات بالالتحاق بالجيش أو بمجموعات الدفاع الوطني “الشبيحة” وتوريطهم بدم بقية الشعب السوري. الأغلبية الشعبية من المكونات المجتمعية مغلوب على امرها. ومنها من ساند الثورة ومطالبها، واحتضنوا النازحين وقدموا المساعدات العينية وفتحوا بيوتهم. لم ينجح النظام بزرع الفتنة بين مكونات المجتمع السوري، وظهر صوت الوطنية السورية بين هؤلاء بكل وضوح.
كذلك تُظهر المرويات كيف انحرف بعض مدعي الثورة عن أهدافها، سواء بالأطروحات الفكرية المتطرفة والتي أنجبت القاعدة وداعش، والبعض تحول الى النهب والسرقة مثل جيش النظام وشبيحته ومرتزقته الطائفيين القادمين من الخارج…
تنتهي المرويات ولسان حال الكثيرين من أهل سوريا يقولون علينا أن نغادر بلادنا، وعزّنا، وتراب أسلافنا، و مرتع طفولتنا، وموطن ذاكرتنا وذكرياتنا الى بلاد اخرى تحترم انسانيتنا ولا تهدر ارواحنا وتحترم امكانياتنا وتساعدنا على البدء من جديد…
ملايين السوريين اصبحوا الآن في بلاد اللجوء وأصبحوا حكايا أخرى مختلفة ووجود جديد يحتاج لتدوين ومرويات جديدة.
المصدر: آفاق حرة