هل كان الرئيس اللبناني “هدفاً” لمُسيرات “حزب الله” المتجهة إلى “كاريش”؟

تسفي برئيل

“تم استكمال المهمة المطلوبة وأرسلت الرسالة”، قال رئيس “حزب الله”، حسن نصر الله، بعد إطلاق المُسيرات الثلاث نحو حقل الغاز “كاريش” السبت الماضي. ولأن موقع منصة الغاز التي تشغلها شركة “انيرجي باور” في حقل “كاريش” غير سري، ولا يحتاج الأمر إلى إرسال مسيرات تقوم بالدورية، يبدو أن هدف نصر الله بإرسال الرسالة هو المهمة بحد ذاتها.

لهذه الرسالة عناوين كثيرة. فإسرائيل تفهم منها بأن “حزب الله” لا يخشى من المواجهة العنيفة، وحتى أنه على استعداد للمبادرة إليها إذا اعتقد بأن إسرائيل تمس بسيادة لبنان وتنقب عن الغاز في الحقل الذي يدعي لبنان السيادة عليه. ولكن إذا كان هذا هو القصد، فإنه يناقض تصريحاته التي أصدرها قبل بضعة أشهر، التي بحسبها سيؤيد أي قرار لحكومة لبنان في مسألة ترسيم الحدود الإقليمية بينه وبين إسرائيل، وسيوافق بصمت على إجراء المفاوضات بين إسرائيل ولبنان.

هدد نصر الله مؤخراً بأنه “سيقطع اليد التي ستحاول المس بسيادة لبنان”. ولكنه تهديد غير موجه لإسرائيل فقط، حسب رأيه، بل لأي حكومة لبنانية أو رئيس حكومة لبناني يتنازلان لإسرائيل.

في اليوم الذي تم فيه إطلاق المسيرات، هبط وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بدمشق ليناقش مع الأسد إمكانية ترميم العلاقات بين تركيا وسوريا، هذا بعد أن زار الاثنين الماضي تركيا لإجراء لقاء تنسيقي في نية تركيا غزو سوريا، واعتذر عن تشغيل خلايا إرهابية إيرانية في الأراضي التركية ضد مواطنين إسرائيليين. وجود عبد اللهيان في سوريا إلى جانب الفرضية المعتادة التي سيكون “حزب الله” ملزماً بالتنسيق المسبق مع إيران قبل أي عملية في المجال الدولي، مثل إطلاق المسيرات أو إطلاق النار على إسرائيل، سيقود إلى استنتاج بأن إيران تقف من وراء العملية. ولكن كانت هناك حالات عمل فيها “حزب الله” ضد إسرائيل بدون تنسيق مسبق مع إيران، مثلما في حادثة اختطاف الجنود في 2006 التي أدت إلى حرب لبنان الثانية.

يمكن التساؤل: إذا كان حزب الله نسق إطلاق المسيرات مع إيران لتنفيذ عملية انتقام على العمليات المنسوبة لإسرائيل في إيران وسوريا، فلماذا لم يتم إطلاق مسيرات متفجرة؟ في المقابل، إذا لم يكن قد نسق العملية مع إيران، وسارع إلى تحمل المسؤولية عن العملية، فيبدو أن نصر الله قد أراد نقل رسالة علنية ومدوية إلى الساحة اللبنانية الداخلية. رغم أنه هو وإيران يعرفان أن تحليل إسرائيل سيسارع في إلصاق المسؤولية بإيران. هذه هي الفرضية التي يجب أن توجه إسرائيل، وهي تلزمها بأن تدرس ردها بعناية كبيرة، خصوصاً أن نشاطات “حزب الله” تستند إلى توقع رد إسرائيلي تلقائي واستعراض عسكري سيجر إسرائيل إلى الساحة السياسية اللبنانية بصورة ستخدم “حزب الله”، وتعطيه أداة تأثير سياسية يمكنه بواسطتها فرض أو منع خطوات اقتصادية وسياسية حيوية لإنقاذ لبنان.

الخلاف بين إسرائيل ولبنان على ترسيم الحدود الإقليمية البحرية بينهما ينتظر، حسب ادعاء لبنان، رداً إسرائيلياً على الاقتراح الجديد كما عرضه المبعوث الأمريكي الخاص، عاموس هوكشتاين. حسب هذا العرض، يتنازل لبنان عن طلب مرور الحدود في الخط 29، وهو مجال الحد الأعلى الذي طلبه في بداية المفاوضات، ويكتفي بالخط 23 الذي يقع إلى شماله، حيث تبلغ المساحة بين الخطين نحو 1500 كم مربع. ولكن للبنان شرطاً آخر الذي بحسبه ينتقل حقل الغاز “قانا”، الموجود في المنطقة بين الخطين، بالكامل لسيادة لبنان. تفسير هذا الشرط يعني ترسيم حدود معوجة تتجاوز حقل “قانا” وتدخله إلى الأراضي اللبنانية. رفضت إسرائيل حتى الآن هذا الشرط بذريعة أن “قانا”، الذي يوجد جزء منه في أراضيها والجزء الآخر في أراضي لبنان، يجب تقسيمه بين الدولتين. ومن أجل التغلب على هذه العقبة، تم طرح اقتراح بحسبه بيع الحقل لإسرائيل، وكبديل عن هذا الاقتراح فإن الشركة أو الشركات التي ستستخرج الغاز في المستقبل من الحقل ستدفع لإسرائيل أتاوات جزئية. حسب معرفتنا، لم ترد إسرائيل بعد على أي اقتراح من الاقتراحين.

النقاش الدائر حول حقل “قانا” نظري؛ لأنه لم يتم في هذا الحقل حتى الآن تنفيذ مسح جيولوجي مفصل، ومن غير المعروف إذا كان يحوي غازاً. ولكن بدون ترسيم الحدود، لن تبدأ أي شركة دولية في التنقيب عن الغاز أو استخراجه في كل المنطقة التابعة للبنان. من يهتمون بحقل الغاز اللبناني، إضافة لحكومة لبنان، هي شركة “توتال” الفرنسية وشركة “آني” الإيطالية و”نوباتك” الروسية، التي أنشأت كونسيرتوم لاستخراج الغاز اللبناني، بل وقامت بمسح جيولوجي في أجزاء أخرى في المياه اللبنانية. رئيس الحكومة، يئير لبيد، الذي يتوقع أن يلتقي في الغد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيطلب منه المساعدة في استكمال المفاوضات، فماكرون يعتبر نفسه قيماً عاماً على ترميم اقتصاد لبنان، ومصالح شركة “توتال” غير بعيدة عن اهتمامه.

المشكلة أن الوقت يضغط، ويزداد معه التهديد بالمواجهة، وإذا توصل الطرفان إلى اتفاق حول ترسيم الحدود فسيكون مطلوباً من لبنان المصادقة من خلال قانون على خط الحدود المتفق عليه وعرضه على مجلس الأمن كخط جديد لحدوده. بدون هذه العملية الإجرائية، التي تضمن على الأقل اعترافاً دولي قانونياً بخط الحدود، لن تستثمر أي شركة في التنقيب عن الغاز.

الأمر الذي يصادق على الخط 23، الشمالي، كحدود للبنان، هو أمر قائم وموضوع على طاولة الرئيس اللبناني للتوقيع عليه، ولكنه لا يشمل حتى الآن المطالبة بالملكية على حقل “قانا”. هنا يكمن مجال عمل لـ”حزب الله”، الذي أوضح بعملية يوم السبت أنه إذا قرر لبنان التنازل عن حقل “قانا” فسيواجه برد من حزب الله، رد قد يحطم المفاوضات واحتمالية التوقيع على أي اتفاق. وسيحقق حزب الله بذلك هدفين: سيوسع نطاق ميزان الردع أمام إسرائيل داخل مجال الاقتصاد، ولم يعد يكتفي بالمعادلة الأمنية التي ميزته حتى الآن. وهو يذكر القوى السياسية في لبنان، لا سيما الرئيس اللبناني، بأنه من الأفضل عدم تجاهل طلباته في النقاشات التي تجري في هذه الأثناء حول تشكيل الحكومة في لبنان، التي يبدو أنها ساهمت أيضاً في توقيت إطلاق الطائرات المسيرة.

المصدر: هآرتس /القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى