تنقل وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الأسبوع الماضي، على خط أنقرة-دمشق، مبديا نية بلاده لعب دور “الوساطة” بين تركيا والنظام السوري، في خطوة لم يسبق أن تم الإعلان عنها في السابق، فيما تتزامن مع تأكيد المسؤولين الأتراك على نية الجيش التركي تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا.
ويثير الموقف الإيراني تساؤلات عن الهدف الذي تسعى إليه طهران من لعب هذا الدور، الذي لطالما ارتبط بموسكو خلال السنوات الماضية، كونها تشترك بعلاقات “طيبة” مع أنقرة من جهة، وتعتبر أحد أبرز حلفاء الأسد من جهة أخرى.
وحتى الآن، لا يزال هناك مشهدٌ ضبابي يحيط بالعملية التي تهدد بها أنقرة، وخاصة من زاوية التوقيت، الذي يرى مراقبون أنه مرتبط بشكل أساسي بمواقف الدول الأخرى المنخرطة بالملف السوري، مثل الولايات المتحدة الأميركية وروسيا.
وصرّح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، الاثنين، أن تركيا “أعربت مرارا عن خيبة أملنا من المساعدة الأميركية لوحدات حماية الشعب”، مضيفا: “عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي، لا يهم من يقول وماذا – تقوم تركيا بما هو ضروري في إطار القانون الدولي”.
ومن جانب آخر تابع جاويش أوغلو: “لا يحق لروسيا والولايات المتحدة قول أي شيء لتركيا. نحن غير راضون عن الخطوات التي تتخذها روسيا، ونتحلى بالشفافية حيال ذلك”.
ولم يتطرق الوزير التركي إلى تصريحات عبد اللهيان، التي أطلقها أثناء زيارته إلى دمشق، حيث قال، حسب ما نقلت وسائل إعلام إيرانية إن “طهران تعمل على إيجاد حل سياسي لإثناء تركيا عن شن عملية عسكرية جديدة شمال سوريا”، معتبراً أن أي عمل عسكري “سيزعزع أمن المنطقة”.
وذلك ما كان قد أشار إليه في أثناء وصوله إلى أنقرة، قبل أن يطرح دور “الوساطة”، مشيرا إلى أن بلاده “تتفهم الحاجة التركية لعملية جديدة ضد حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب”، وأنه يجب “تبديد المخاوف الأمنية لأسرع وقت وبشكل دائم”.
ماذا تريد طهران؟
على خلاف باقي العمليات العسكرية التي أطلقها الجيش التركي في شمال سوريا، منذ عام 2016 يرى مراقبون أن العملية الحالية، والمحتملة، لها “وقع خاص” على الجانب الإيراني. وذلك ما يرتبط بالمناطق التي ستستهدفها، لاسيما تل رفعت.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان قد حدد تل رفعت في ريف حلب كهدف أساسي للعملية. وهي المنطقة التي تحاذي بلدتي نبل والزهراء، اللتان توصفان بأنهما “قاعدتا الميليشيات الإيرانية” في الشمال السوري.
وبالتالي، فإن المنطقة التي تدور حولها تكهنات العملية تعتبر حيوية لإيران وحلفائها في سوريا، إيديولوجيا واستراتيجيا.
محلل السياسي الخارجية التركية والأمن المقيم في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك يرى أن الخطوة الإيرانية التي تم الإعلان عنها، ترتبط بمساعي طهران لمنع العملية المحتملة من الحدوث.
ويقول الباحث لموقع “الحرة”: “تعتبر طهران تركيا أكبر تهديد لطموحاتها في سوريا. بالنسبة لها فإن تركيا تعرّض جوهر سياساتها الطائفية في المنطقة للخطر”.
علاوة على ذلك، و”من خلال الشراكة مع الحكومة السورية المؤقتة، تُظهر تركيا إمكانية وجود بديل لنظام الأسد”. ويتابع أوزكيزيلجيك: “هذا مصدر قلق كبير لإيران التي تريد الحفاظ على نظام دمية في دمشق”.
وبينما لا توجد تفاصيل أكثر بشأن ماهية فكرة الوساطة الإيرانية في الواقع، يرى حميد رضا عزيزي، وهو باحث إيراني في السياسة الخارجية الإيرانية والأمن في الشرق الأوسط، أن “طهران تريد منع العملية التركية الجديدة في سوريا”.
ويضيف رضا عزيزي لموقع “الحرة”: “ذكرت إيران سابقا عدة مرات أن اتفاقية أضنة يجب أن تكون الأساس لاستعادة العلاقات السورية – التركية، وأن تعالج بشكل متبادل المخاوف الأمنية لبعضها البعض”.
وقد يكون أحد الاحتمالات أن “يعطي نظام الأسد تأكيدات لتركيا بأنه سيعالج مخاوفها بشأن الميليشيات الكردية في مناطق غرب الفرات (لأن شرق الفرات تحت النفوذ الأمريكي)”.
لكن الباحث الإيراني يشير إلى أنه “ليس من المؤكد عما إذا كان النظام السوري لديه القدرة الفعلية على القيام بذلك”.
وزاد: “لكي يحدث هذا، يجب أن يكون الروس على متن الطائرة لإنشاء قنوات متوازية بين دمشق والأكراد”.
هل من عرض؟
وتعتبر إيران إلى جانب تركيا أحد الدول الفاعلة في محادثات “أستانة”، بالإضافة إلى روسيا.
وفي أواخر شهر يونيو الماضي عقدت الجولة 18 من هذه المحادثات، في وقت ازداد فيه التواصل بين الجانبين الروسي والتركي، بخصوص العملية التي تهدد بها أنقرة، في تل رفعت، إلى جانب منبج في ريف حلب الشرقي.
وعلى هامش “أستانة” دعا كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية، علي أصغر خاجي، إلى “بذل جهود أكبر من أجل تمكين الجيش السوري من الانتشار على حدود تركيا، لمعالجة المخاوف الأمنية لدى القيادة التركية، في إطار اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدين”.
وأشار خاجي في تصريحات لوكالة “سبوتنيك” الروسية إلى “ضرورة اعتماد إطار اتفاقية أضنة الموقعة بين سوريا وتركيا، والتي تلزم دمشق بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا”.
والحديث المتعلق باتفاقية أضنة ورغم أنه ليس بجديد، على اعتبار أنه موسكو طرحته مرارا على لسان مسؤوليها، إلا أنه يعتبر الأول الذي يتردد من جانب طهران.
ويعود توقيع الاتفاقية بين سوريا وتركيا إلى عام 1998، عندما توترت العلاقة بينهما على خلفية دعم النظام السوري ورئيسه حينها، حافظ الأسد، لزعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان.
ونصت الاتفاقية على أربعة بنود، الأول تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب “العمال” وإخراج زعيمه أوجلان وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.
بينما نص البند الثاني على احتفاظ تركيا بحقها في الدفاع عن نفسها، والمطالبة بتعويض عن الخسائر في الأرواح والممتلكات في حال لم توقف دمشق دعمها فورا للحزب.
وأعطى البند الثالث تركيا الحق في ملاحقة من تصفهم بـ”الإرهابيين” داخل الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات، إذا تعرض أمنها القومي للخطر ولم يستطع النظام مكافحة عمليات الحزب.
أما البند الرابع فقد نص على اعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية منذ توقيع الاتفاقية وعدم مطالبة الطرفين بأراضي الطرف الآخر.
ويوضح الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك أن إيران “تحاول إقناع تركيا بالعمل مع نظام الأسد. العرض الإيراني هو أن على تركيا إعادة العلاقات، والتخلي عن المعارضة السورية الشرعية مقابل القضاء على وحدات حماية الشعب في سوريا”.
ومع ذلك، فإن “هذا العرض غير واقعي ولا يعالج المخاوف الأمنية التركية”.
ويضيف أوزكيزيلجيك: “تعرف أنقرة أن نظام الأسد سهّل نشاط وحدات حماية الشعب في سوريا عام 2012 من خلال تسليم الأراضي”، وأن “قوات الدعم النشطة الحالية التي تقدمها قوات النظام لوحدات حماية الشعب الكردية ضد تركيا والحكومة السورية المؤقتة معروفة جيدا في أنقرة”.
واعتبر الباحث: “إذا كان هناك أي نوع من الاتفاق مع نظام الأسد، فلن تطلب تركيا من إيران وساطة بل من روسيا. على الرغم من احتلال روسيا في أوكرانيا، لا تزال موسكو الحامي الرئيسي لنظام الأسد”.
وبدون موسكو “لن يستمر نظام الأسد، بينما لا تملك إيران القدرة على الحفاظ على نظام دمية في دمشق من تلقاء نفسها”.
ووفق أوزكيزيلجيك: “لذلك فإن عروض الوساطة الإيرانية لا قيمة لها”.
“تبريد أجواء”
ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ سنوات طويلة كجهة شرعية تمسك زمام أمور الشعب السوري، وتتمسك حتى الآن بهذا الموقف، بحسب ما تشير إليه تصريحات مسؤوليها.
وقبل أيام قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن في تصريحات صحفية: “وحدات المخابرات لدينا يمكنها أن تلتقي مع النظام السوري، ولا يوجد اتصال سياسي”.
وأضاف: “كما ذكر رئيسنا، فإن وحدات استخباراتنا لديها اتصالات دورية. وحدات استخباراتنا تتفاوض من حيث مصالحنا الوطنية. لكن أبعد من ذلك، لا يوجد نقاش سياسي”.
ولطالما أكدت أنقرة أن تواصلها مع النظام السوري “استخباراتي وليس سياسي”، وهو ما أكد عليه الأخير في فترات متفرقة أيضا.
وبوجهة نظر المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف فإن إبداء طهران لعب دور الوساطة يأتي من كونها “تعرف بأن تركيا عازمة على العملية العسكرية في سوريا”.
ويرتبط الأمر أيضا بموقف موسكو المنخرطة في أوكرانيا، والتي لم تدل بتصريحات قوية في الفترة الأخيرة، بخصوص التهديدات التركية.
ويقول يوسف لموقع “الحرة”: “ما تقوم به إيران هو تبريد الأجواء ما بين سوريا وتركيا. لكن لم تفلح باعتبار أن أنقرة عازمة على إطلاق عمليتها”.
“العلاقات السورية التركية لن ترمم يوما، ولن تعود إلى ما كانت عليه إلا بالعودة إلى اتفاقية أضنة، وهو ما لا تريده تركيا”.
ويضيف المحلل السياسي: “الاتصالات الأمنية حتى الآن لم تفلح في شيء ولن تفلح، لذلك أعتقد أن عدم نجاح إيران بلعب دور الوسيط يرتبط بسببين، الأول عزم تركيا على تنفيذ العملية من جهة، ولكون طهران لا تمتلك وزنا يؤثر على سير التهديدات”.
و”كل ما تملكه طهران القول إنها تريد أن تكون هناك عودة للعلاقات بين سوريا وتركيا، وأن لا يحصل صدام. هذا هو الجوهر، كي لا يتصادم الجيشان التركي والسوري”، بحسب يوسف.
المصدر: الحرة. نت