تتجه الحكومة التونسية تدريجياً نحو رفع الدعم من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد، وسط مخاوف من انعكاسات هذه الخطوة على الطبقات ذات الدخل المحدود، بما في ذلك الطبقة الوسطى.
وأعلنت الحكومة التونسية قبل أيام عن خطتها للإصلاح الاقتصادي، وتضمنت جملة من الإجراءات، أبرزها الرفع التدريجي للدعم عن المواد الأساسية والمحروقات, علاوة على تجميد الأجور.
وتأتي القرارات التونسية استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي والمرتقب أن تنطلق المفاوضات الرسمية معه قريباً، وفق ما أكده مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق جهاد أزعور لدى زيارته تونس الأسبوع الماضي.
وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل رفضه للخطة الإصلاحية للحكومة بسبب “مسّها بقوت التونسيين”، ويتهم الاتحاد الحكومة بإعداد خطة إصلاح تستجيب لإملاءات صندوق النقد الدولي، لكي يوافق على منح تونس قرضاً مالياً بقيمة أربعة مليارات دولار.
لكن الحكومة التونسية تقول إنها ستقر مساعدات للفئات الضعيفة كبديل من رفع الدعم، وأعلنت أنه سيتم صرف منح مالية مباشرة لمصلحة المستفيدين قبل الانطلاق في تنفيذ برنامج التعديل التدريجي للأسعار وضبط مبالغ التحويلات المالية، بما يعادل قيمة الزيادة في الأسعار، لدعم القدرة الشرائية للمواطنين.
ملف متفجر
يعتبر رفع الدعم إحدى القضايا المتفجرة التي تقاذفتها الحكومات التونسية على امتداد العقدين الأخيرين، أي حتى قبل سقوط نظام زين العابدين بن علي عام 2011.
وكانت منظومة الدعم أحد الخيارات الوطنية لدولة الاستقلال، فقد أرست تونس في أواخر الستينات من القرن الماضي أي في فترة حكم الرئيس الحبيب بورقيبة هذه المنظومة في إطار مخطط شامل لدعم القدرة الشرائية، خصوصاً للمواد الأساسية، لتخفيف وطأة تقلبات الأسعار العالمية واحتواء نسب التضخم. وساعدت هذه المنظومة في تحقيق الاستقرار الاجتماعي في تونس لعقود، وحافظت على تماسك الطبقة الوسطى ومكافحة الفقر، وفق خبراء.
ويحصل كل تونسي على دعم حكومي بنسبة 38.9 في المئة عن كل رغيف خبز يستهلكه، وتحظى المعجنات الغذائية بنسبة دعم مهمة منها 55.9 في المئة للمعكرونة و56.6 في المئة للكسكسي، إلى جانب 58.6 في المئة لزيت الطهو.
صمّام الأمان في خطر
ويطرح رفع الدعم السؤال عن مصير الطبقة الوسطى التي فقدت أكثر من 40 في المئة من قدرتها الشرائية خلال العشرية الأخيرة والتحق جزء كبير منها بالطبقة الفقيرة.
وأظهرت دراسة أعدها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع للرئاسة التونسية، أن الطبقة الوسطى في تونس تقلّصت من أكثر من 70 في المئة من السكان عام 2010 إلى 55 في المئة عام 2018.
وتوصف الطبقة المتوسطة في تونس بأنها صمّام أمان المجتمع، ويقول الوزير السابق أستاذ الاقتصاد سليم بسباس لـ”النهار العربي “إنها الطبقة التي تضمن التوازن في المجتمع وتجنبه الاستقطاب الثنائي بين الفقراء والأثرياء، وتضم الأجراء والتجار والصناعيين”، لافتاً إلى “أنها تشكل محرك نمو أساسياً في الدورة الاقتصادية من خلال بعث المشاريع وتحفيز الاستهلاك والادخار العائلي”.
لكنه يرى أن هذه الطبقة صارت اليوم مهددة بالتلاشي بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مسّت قدرتها المعيشية.
وفي السياق، تقول المحللة الاقتصادية إيمان الحامدي لـ”النهار العربي” إن رفع الدعم أو تحويله نحو مستحقيه، رغم أنه يمثل بنداً أساسياً في خطة الإصلاح الاقتصادي التي يطالب بها صندوق النقد للدولي، فإنه لطالما تسبب في حرج كبير للسلطة حتى قبل 11 كانون الثاني (يناير) 2011 نظراً لتداعياته المباشرة على معيشة المواطنين، وما سيسببه من ضغوط معيشية وارتفاع شامل لأسعار المواد الأساسية.
ووفقاً للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، ازدادت المخاطر التي تهدد القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، واعتبر المعهد أن سياسات الدعم وتحويل المساعدات المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة التي كانت تهدف إلى التقليل من الفوارق الاجتماعية، وقوانين الضرائب المثقلة بالأساس على كاهل متوسطي الدخل، زادت من اقتراب ضعاف الدخل من المركز، ما أدى إلى مزيد من تجانس المجتمع، وزاد في تراجع الفوارق بين الطبقات وفقدان كل جزء لخصائصه ومميزاته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
مقاييس غير واضحة
ولم تعلن الحكومة التونسية عن المقاييس التي ستعتمدها لتوجيه المساعدات المادية للمحتاجين بعد رفع الدعم، ويرجح مراقبون أن لا تكون الطبقة المتوسطة مشمولة بها.
لكن بسباس يرى أن من الضروري أن يتم شمل الطبقة المتوسطة بالمساعدات للحفاظ عليها وعلى التوازن والسلم الاجتماعيين.
وتقول الحامدي: “يفترض وفق ما أعلنته حكومة نجلاء بودن أن تنهي تونس مرحلة الدعم في الفترة الممتدة ما بين 2023 و2026 وتعويضها بمخصصات مالية تُحوّل مباشرة إلى الطبقات الضعيفة والمتوسطة، غير أن عدم تحديدها لمقاييس حصر مستحقي الدعم يشير إلى وجود توجه نحو حصره بقرابة مليون عائلة ممن يحصلون على المساعدات الاجتماعية الخاصة بالفقراء، بينما ستتحمل الطبقة الوسطى أعباء المرور المتوقع إلى حقيقة الأسعار، وهو ما سيقضي على الطبقة المتوسطة ويدفع بجزء كبير منها نحو الفقر.
وسينتج من ذلك، وفق المتحدثة، “إعادة تشكيل المشهد الاجتماعي في البلاد بانقسامه إلى طبقتين وهما الفقراء والأغنياء، بينما مثلت الطبقة الوسطى لعقود طويلة عامل الاستقرار الرئيسي في التركيبة الاجتماعية التونسية”.
المصدر: النهار العربي