لماذا تتمسك الولايات المتحدة بقاعدة التنف الصحراوية في سورية رغم الهجمات المتكررة؟

علاء وليد

تتوارد بين الفينة والأخرى أنباء عن تعرض قاعدة التنف العسكرية الأميركية الواقعة في جنوب سوريا لقصف وهجمات من أطراف الصراع؛ روسيا وإيران والنظام السوري وتنظيم الدولة الإسلامية.

وآخر تلك الهجمات كان في يونيو/حزيران 2022 حيث نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) عن عسكريين أميركيين أن مقاتلتين روسيتين من طراز سوخوي استهدفتا موقعا في قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن في سوريا، من دون أن تشير إلى الأضرار أو الموقع المستهدف.

ولعل هذا الهجوم ليس الأول من نوعه، فقد تكرر خلال السنوات الماضية تعرض القاعدة للاستهداف من طائرات مسلحة وبدون طيار وكذلك صواريخ إلى جانب الهجمات المتكررة على الأرض من تنظيم الدولة ومليشيات موالية لإيران وقوات النظام السوري التي تفسد “التنف” سيطرتها الكاملة على البادية وجنوب البلاد.

فما قصة تأسيس قاعدة التنف وأهميتها التي دفعت واشنطن لاستثنائها من قرار سحب القوات الأميركية من سوريا الذي أصدره الرئيس دونالد ترامب عام 2018؟

قاعدة التنف العسكرية تأسست فعليا عام 2016 عند تقاطع الحدود السورية مع الأردن والعراق وتتبع إداريا لحمص المحافظة الأكبر في سوريا، ويشير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في تقرير له إلى أنها تضم ما بين 100 إلى 200 من العسكريين الأميركيين، إلا أن تقارير أخرى تشير إلى أعداد أكبر، إضافة إلى وجود لجنود بريطانيين ومن دول أخرى مشاركة بالتحالف.

وتُستخدم القاعدة -وفق التقرير نفسه نقلا عن مصادر في وزارة الدفاع الأميركية- لمواصلة العمليات ضد تنظيم الدولة، وإعاقة أنشطة وكلاء إيران في سوريا، وتعد في الوقت نفسه ورقة نفوذ في المفاوضات القائمة منذ فترة طويلة حول مستقبل سوريا.

وأظهرت صور للأقمار الصناعية بثتها مواقع روسية عمل الولايات المتحدة على توسيع القاعدة العسكرية في التنف منذ السنوات الأولى لإنشائها، كما أوردت تقارير إعلامية أن واشنطن زودت القاعدة بأسلحة وراجمات صواريخ متطورة وطائرات متنوعة.

أهمية القاعدة

قبل العام 2016، كانت المنطقة المحيطة بالقاعدة خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة قبل طرده منها على يد قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. ومنذ ذلك الحين، استخدمتها الولايات المتحدة كقاعدة تدريب لجماعات من المعارضة السورية.

وتقع القاعدة على واحد من الطرق السريعة الرئيسية بين بغداد ودمشق؛ وهو المسؤول -وفق ما تقوله واشنطن- عن نقل إمدادات الأسلحة من إيران إلى سوريا ومقاتلي حزب الله اللبناني، كما يحيط بالقاعدة حرم أو منطقة عازلة نصف قطرها يبلغ 55 كيلومترا تشكلت في إطار تفاهم أميركي روسي عام 2016.

والتنف هو الموقع الوحيد الذي فيه وجود أميركي كبير في سوريا خارج الشمال الذي يسيطر عليه المقاتلون الأكراد المدعومون من واشنطن.

وقد مكّنت هذه المنطقة القوات الأميركية والدول المتحالفة معها من تقويض عمليات تنظيم الدولة، ومنعت دخول المليشيات الإيرانية، وفق تقرير معهد واشنطن. كما كان لها أثر ثانوي في استقطاب آلاف النازحين السوريين في مخيم الركبان الذي يبعد فقط بضعة أميال عن القاعدة على الجانب السوري من الحدود، وحمايتهم من هجمات قوات النظام.

وفي ذروته، كان الركبان ملجأ لأكثر من 50 ألف نازح سوري، رغم أن هذا العدد -وفق التقارير- تراجع إلى نحو 10 آلاف على مرّ السنوات في ظل عودة عدد من قاطنيه إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام في أعقاب إبرام العديد من الصفقات مع دمشق.

“جيش مغاوير الثورة”

كذلك، يحتضن مخيم الركبان عائلات فصيل المعارضة الرئيسي في “قاعدة التنف العسكرية”، والمسمى “جيش مغاوير الثورة”، وهي جماعة من ضباط وعسكريين سوريين سابقين ينحدر معظمهم من محافظة دير الزور (شرق) التي سيطر تنظيم الدولة عليها في هجومه الواسع في سوريا والعراق صيف عام 2014 قبل طرده منها بعد أعوام.

وعن الدور الذي يلعبه الفصيل المدعوم أميركيا في القاعدة، أفاد المكتب الإعلامي لجيش مغاوير الثورة في تصريح مكتوب للجزيرة نت أن مهمته الرئيسية هي حماية المنطقة التي تقع فيها القاعدة ومحيطها، ومنع محاولات التسلل من قبل تنظيم الدولة والنظام، بالإضافة لمكافحة تهريب المخدرات بكافة أشكالها.

وحول مدى قدرته على حماية تلك المنطقة الواسعة رغم عدد عناصره المحدود، أشار الفصيل إلى أنه يقوم بذلك من خلال “الخطط العسكرية المحكمة والتنسيق العالي مع الأصدقاء في التحالف الدولي”.

ويُظهر حساب باسم الفصيل المذكور على تويتر صوراً حديثة من داخل القاعدة العسكرية الأميركية وتدريبات يقوم بها مقاتلوه مع جنود أميركيين وكذلك اجتماعات لقياداته مع العناصر.

كما تظهر صور أخرى قيامَ قائد الفصيل بتفقد آثار الغارة الأخيرة والأضرار التي تعرضت لها قاعدة التنف في منتصف يونيو/حزيران 2022.

وتقدّر وزارة الخارجية الأميركية انتشار نحو 300 عنصر من فصيل “مغاوير الثورة” في المنطقة العازلة المحيطة بالقاعدة. وكانت القوات الأميركية قد دربت الفصيل منذ ترسيخ وجود لها في القاعدة، وتتعاون معه حاليا في مهام مكافحة تنظيم الدولة والمهمات الإنسانية.

دور إقليمي

وعن الدور الذي تلعبه القاعدة، يقول العقيد فايز الأسمر المحلل العسكري والإستراتيجي، إن جميع القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة على الجغرافية السورية مهمة بالنسبة لواشنطن، وغالباً ما تختار مواقعها قرب الشريط الحدودي الذي يربط سوريا مع كل من تركيا والعراق مثل قواعد تل بيدر والشدادي والمالكية ورميلان في الحسكة وقاعدة خراب عشق جنوبي مدينة عين عرب الحدودية مع تركيا.

وأشار الأسمر -وهو قيادي سابق في الجيش السوري الحر- إلى أن جميع القواعد الأميركية في سوريا تقع شرقي نهر الفرات وفي بادية منطقة الجزيرة؛ إلا أن القاعدة الوحيدة الواقعة في المنطقة المسماة ببادية “الشامية” الواسعة هي قاعدة التنف الإستراتيجية.

وأكد على أن أهمية القاعدة تكمن في موقعها عند المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن؛ ما يمنح القوات فيها مساحة للمناورة داخل سوريا بأكثر من جهة وحتى خارجها إن لزم الأمر، وأيضا وقوعها على طريق الإمداد الرئيسي الواصل بين إيران ودمشق وبيروت عبر العراق، وكذلك أهميتها تكمن في قتال خلايا تنظيم الدولة التي يتزايد نشاطها عموما في بادية “الشامية” بعد فقدان التنظيم سيطرته المكانية في كل من سوريا والعراق.

ووفقا لمعهد واشنطن، فإنه فضلا عن تقويض خط التواصل على الأرض الذي يجمع إيران مع “حزب الله” والنظام السوري، أثبت الوجود الأميركي في قاعدة التنف أنه مفيد لما تصفه تل أبيب بـ”حملة إسرائيل بين الحروب”، التي تردد أنها شملت عشرات المهام الجوية ضد أهداف تابعة للنظام وأخرى للحرس الثوري أو الميليشيات الإيرانية وحزب الله في سوريا.

كما أن القاعدة خدمت المصالح الأردنية؛ حيث ساعد الجنود الأميركيون وشركاؤهم من “مغاوير الثورة” على ضمان أمن حدود المملكة البعيدة مع العراق وسوريا ضد عمليات التهريب والتسلل المحتمل لعناصر تنظيم الدولة أو الميليشيات الإيرانية.

ورغم أن الأردن حذر من تهديد قد يثيره مخيم الركبان، فإن واشنطن ساعدت على تقليص هذا الخطر من خلال إقامة حواجز ودعم العسكريين المدربين على يد الولايات المتحدة الذين يسيرون دوريات على الجانب السوري من الحدود.

مستقبل “التنف”

وتشير التقارير الصادرة مؤخرا إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن أنجزت مراجعتها لسياسة الولايات المتحدة إزاء سوريا وستركز على مواصلة العمليات لدحر تنظيم الدولة وتقديم المساعدات الإنسانية.

ويرى معهد واشنطن أن ذلك يعد نقلة نوعية عن سياسة إدارة ترامب التي ركزت على هدفين آخرين إلى جانب دحر التنظيم؛ وهما تطبيق قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2554 (الذي يتضمن تمكين انتقال سياسي يسمح بتشكيل هيئة حكم سورية) وضمان خروج كافة القوات الأجنبية.

وقد لا تهتم إدارة بايدن بمنح الأولوية لأهداف الإدارة السابقة، كما يظهر من خلال عدم اهتمامها المتصور في منع التطبيع العربي مع بشار الأسد أو تعيين مبعوث رفيع المستوى إلى سوريا. ومع ذلك، من شأن الحفاظ على موطئ قدم أميركي في قاعدة التنف وفي شمال شرق البلاد أن يعود بالفائدة على المصالح الأميركية وأهداف الإدارة بشكل أساسي.

فناهيك عن منع تنظيم الدولة من إعادة تشكيل صفوفه بما يكفي لشنّ هجمات جديدة في سوريا أو خارجها، يمثل الوجود الأميركي على الأرض مصدر النفوذ الرئيسي لواشنطن في تحديد معالم مستقبل سوريا وتقويض أنشطة إيران عبر الحدود.

ويضيف العقيد فايز الأسمر أن قاعدة التنف تمنح القوات الأميركية إمكانية استخدام راجمات هايمارس الصاروخية المتطورة وغيرها من الأسلحة الحديثة، وكذلك إرسال الطائرات المسيرة في المنطقة، ومن الممكن جعلها مرتكزا وقاعدة لانطلاق وتحرك بري ما؛ في حال تزايد تهديد الميليشيات الإيرانية أو حزب الله وقوات النظام لإسرائيل من جنوبي سوريا؛ نظرا لإمكانية وصول الإمدادات الآمنة لها من العراق والأردن.

المصدر: الجزيرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى