ما هي أفضل فرصة للسلام في أوكرانيا؟ || كيف يسهم الحياد في إحلال الأمن وإرضاء روسيا والغرب

صامويل شاراب

في هذه المرحلة من الحرب في أوكرانيا ومع تصعيد روسيا هجومها في دونباس [حوض نهر الدون] وظهور مزيد من الفظائع التي ارتكبتها قواتها، يبدو أن احتمال أي نوع من السلام التفاوضي بين موسكو وكييف بعيداً، فحتى في وقت سابق من فصل الربيع الحالي عندما كانت وفود من الجانبين تعقد اجتماعات، كان للمحادثات تأثير ضئيل في تصميم روسيا أو أوكرانيا على مواصلة القتال، وفي بعض الأحيان رفض كل من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاوضات، واليوم علق الجانبان فعلياً جهودهما الدبلوماسية، ووسط التشاؤم سيكون من السهل نسيان التقدم الحقيقي الذي أحرزه المفاوضون.

في أواخر مارس (آذار) قدم الدبلوماسيون الأوكرانيون إطاراً مبتكراً لصفقة يمكن أن توفر مساراً للخروج من الحرب، والأهم من ذلك أن الاقتراح الذي تم تسريبه إلى الصحافة بعد محادثات في إسطنبول في 29 مارس (آذار) قد تلقى بالفعل دعماً أولياً على الأقل من كلا الجانبين، ويرتكز الاتفاق المقترح في صميمه على صفقة تخلي كييف عن طموحاتها في الانضمام إلى الـ “ناتو”، وتتبنى الحياد الدائم في مقابل تلقي ضمانات أمنية من شركائها الغربيين ومن روسيا.

ربما بسبب حداثة اقتراح إسطنبول لم يتم تقدير أهميته بعد في العديد من العواصم الغربية، إذ أصبحت الضمانات الأمنية مرادفاً لمعاهدات التحالف، وخلافاً للتحالف الذي يوحد شركاء مقربين في الدفاع المشترك ضد عدو محتمل بالعادة، فالصفقة المقترحة تدعو المنافسين الجيو-سياسيين إلى أن يضمنوا، بالتعاون معاً، أمن أوكرانيا على المدى الطويل خارج هيكل التحالف، والقيام بذلك على الرغم من حرب العدوان المستمرة التي يشنها أحد الخصوم ضد أوكرانيا، وإذا كان من المفترض أن يصبح الاقتراح أساساً لتسوية نهائية فستكون النتيجة عبارة عن آلية من شأنها أن تجعل روسيا نفسها أحد المساهمين في أمن أوكرانيا، مهما بدت تلك الآلية غير منطقية.

الحياد وليس الـ “ناتو”

في سياق موضوع أوكرانيا، أظهر المسؤولون والمحللون ميلاً إلى المساواة بين الضمانات الأمنية، والمادة الخامسة من معاهدة حلف شمال الأطلسي التأسيسية التي تتعامل مع أي “هجوم مسلح” على أحد الحلفاء [أحد أعضاء الـ “ناتو”] باعتباره هجوماً ضد الحلفاء كافة، وتدعو كل حليف إلى الرد بـ “الإجراء الذي يراه ضرورياً، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة”.

في الواقع، تطلعت أوكرانيا إلى الانضمام لحلف الـ “ناتو” إلى حد كبير من أجل هذا التعهد الدفاعي الجماعي، وفي المقابل كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الـ “ناتو” مترددين في عرض العضوية على أوكرانيا بسبب التزامات البند الخامس التي قد تترتب عليهم، والأخطار الناتجة منها والمتمثلة بنشوب صراع مباشر مع روسيا.

في مقلب مغاير، يقدم اقتراح إسطنبول آلية مختلفة للغاية من أجل ضمان أمن أوكرانيا، ووفقاً للبيان الذي تم تسريبه إلى الصحافة، سيؤكد الاقتراح أن أوكرانيا دولة محايدة بشكل دائم ويوفر ضمانات قانونية دولية في شأن وضعها غير النووي وغير المنحاز، وسيكون من بين ضامني المعاهدة جميع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إضافة إلى كندا وألمانيا وإسرائيل وإيطاليا وبولندا وتركيا، وفي حال وقوع هجوم على أوكرانيا فإن تلك الدول الضامنة بعد تلقي مناشدة رسمية من كييف وإجراء مشاورات عاجلة، ستقدم المساعدة لأوكرانيا بما في ذلك، إذا لزم الأمر، استخدام القوة المسلحة “بهدف استعادة أمن أوكرانيا كدولة محايدة بشكل دائم ثم الحفاظ عليه”.

وفقاً للاقتراح، لن تمتد الضمانات إلى أجزاء من أوكرانيا تحتلها روسيا (على الرغم من أن أوكرانيا لن تتنازل عن مطالباتها القانونية بكامل أراضيها المعترف بها دولياً)، وبطريقة موازية تلتزم أوكرانيا بعدم الانضمام إلى أي تحالفات عسكرية أو استضافة أي قواعد أو قوات عسكرية أجنبية على أراضيها، كما أن أي مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في أوكرانيا لن تكون ممكنة إلا بموافقة جميع الدول الضامنة، وأخيراً سيؤكد الضامنون عزمهم على دعم عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. واستطراداً، احتوى الاقتراح على أحكام إضافية وتم توضيح بعض التفاصيل منذ اجتماع إسطنبول، لكن بحسب التقارير المنشورة فإن النقاط الأساس في البيان لا تزال مطروحة على الطاولة.

مباشرة بعد محادثات إسطنبول كانت هناك تساؤلات حول ما إذا كانت روسيا سترفض الاقتراح من دون تفكير، لا سيما بعد تعرض كبير المفاوضين الروس فلاديمير ميدينسكي إلى انتقادات حادة في روسيا بسبب عدم اتخاذه موقفاً أكثر تشدداً في المحادثات.

بعد كل شيء كانت موسكو قد سعت إلى الإطاحة بزيلينسكي بالقوة قبل أسابيع لا غير، وعندما وافقت الحكومة الروسية لاحقاً على المحادثات قدمت أيضاً عدداً من المطالب المتطرفة التي لم يتم ذكرها في بيان إسطنبول، على غرار الاعتراف الأوكراني بضم روسيا شبه جزيرة القرم، وعلاوة على ذلك انتقد المتشددون الروس مقترحات قبول ضمان أمني أميركي لأوكرانيا ودعم عضوية كييف في الاتحاد الأوروبي، ولكن بعد يومين من عودته لموسكو ظهر ميدينسكي أمام الكاميرات وقدم تقويماً متفائلاً للغاية في شأن خطة إسطنبول، ويبدو من المستبعد جداً أن يفعل ذلك من دون استشارة بوتين أولاً، حتى إن بوتين نفسه خلال اجتماعه مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أواخر أبريل (نيسان)، وصف الاقتراح بأنه “إنجاز حقيقي”.

في الواقع قد يكون بيان إسطنبول إنجازاً، على الأقل من الناحية النظرية، ففي البداية لم يكن هذا واضحاً تماماً في العواصم الغربية، وعندما طرح سؤال عما إذا كانت المملكة المتحدة مستعدة لأن تصبح ضامناً لأوكرانيا بعد وقت قصير من اجتماع إسطنبول، أشار دومينيك راب نائب رئيس الوزراء البريطاني إلى أن “أوكرانيا ليست عضواً في الـ “ناتو”، مضيفاً “لن ندخل في مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا” في شأن أوكرانيا، وبعبارة أخرى إذا كان حلفاء الـ “ناتو” غير مستعدين لمنح أوكرانيا الحماية بموجب البند الخامس لأنها قد تدفعهم إلى الدخول في حرب مع روسيا، فلماذا يعطون أوكرانيا التعهد نفسه بشكل مختلف؟

بيد أن الضمانات الأمنية الواردة في بيان إسطنبول تختلف اختلافاً كبيراً عن البند الخامس، والأهم من ذلك، خلافاً لمعاهدة شمال الأطلسي، فإن الاتفاق المقترح سيشمل روسيا كطرف.

واستكمالاً، تتضمن خطة إسطنبول موافقة روسيا على ضمانات الولايات المتحدة وحلفائها لأوكرانيا، وموافقتهم في المقابل على دور روسيا كضامن متكافئ.

في الواقع، ونظراً إلى أن اقتراح إسطنبول سيشمل خصوماً جيو-سياسيين باعتبارهم جهات ضامنة، فهو لن يعتبر معاهدة تحالف مثل الـ “ناتو”، بل ضمانة أمنية متعددة الأطراف وترتيباً تلتزم بموجبه القوى المتنافسة بأمن دولة ثالثة، عادة على أساس أن تبقى محايدة وغير منحازة إلى أي من تلك القوى.

دروس بلجيكية

تخدم الضمانات الأمنية المتعددة الأطراف غرضاً مختلفاً اختلافاً جوهرياً عن التحالفات، ففي حين أن التحالفات مثل الـ “ناتو” تهدف إلى الحفاظ على دفاع جماعي ضد عدو مشترك، فإن الضمانات الأمنية المتعددة الأطراف مصممة لتكفل الكياسة بين الضامنين في ما يتعلق بالدولة المضمونة، وبالتالي تعزيز أمن تلك الدولة، ومن هذا المنطلق يعتبر اقتراح إسطنبول مشابهاً في شكله للمعاهدات التي صانت استقلال بلجيكا وضمنت حيادها الدائم عامي 1831 و1839.

قبل تلك المعاهدات لم تكن بلجيكا موجودة، وبسبب جغرافيتها الاستراتيجية (إذ إن البلاد تتمتع بساحل على بحر الشمال بالقرب من بريطانيا وتقع على اليابسة بين ألمانيا وفرنسا وهولندا) شكلت أراضيها موقعاً لأكثر من 1000 معركة بين القوى الأوروبية منذ العصر الروماني، وعندما ثار البلجيكيون ضد حكامهم في ذلك الوقت، الهولنديين، عام 1830، بدأ أعضاء التحالف الأوروبي الذي يضم النمسا وبروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا، مفاوضات مطولة مع الطرفين من أجل وضع معايير استقلال بلجيكا، وفي النهاية توصلوا إلى اتفاق في شأن معاهدة واسعة النطاق تفصل بلجيكا عن هولندا وتتفق على أن الأولى ستكون “دولة مستقلة ومحايدة دائماً ملتزمة بمراعاة هذا الحياد تجاه جميع الدول الأخرى”، والجدير بالذكر أن مواد المعاهدة “وضعت تحت ضمان” القوى العظمى الخمس الموقعة.

في الحقيقة، كان هذا الترتيب ممكناً لأن جميع الدول الأوروبية الرئيسة رأت أن استقلال بلجيكا وأمنها وحيادها أمور ضرورية لأمن القارة بأكملها، وكانت بلجيكا مهمة بشكل خاص بالنسبة إلى القوتين العظميين المجاورتين والمنافستين لها، فرنسا وألمانيا، إذ إن عدم وجود عوائق طبيعية على أراضيها جعل البلاد مساراً مباشراً يستخدمه أحد الطرفين ليغزو الآخر.

وعلى نحو مماثل كانت مهمة بالنسبة إلى المملكة المتحدة من أجل الأمن البحري وكمركز تجاري أوروبي، ولكن إلى جانب الضامنين استفادت بلجيكا أيضاً، إذ نالت الاستقلال وحصلت على 75 عاماً من السلام.

في الواقع، وخلال أكثر من مناسبة، كان أحد الضامنين لبلجيكا يحتكم إلى المعاهدة من أجل ردع المخططات التي وضعها ضامن آخر للبلاد (عادة إما فرنسا أو ألمانيا)، وكما قال أحد المراقبين البريطانيين أوائل القرن الـ 20، “لقد كانت إحدى تلك المعاهدات القائمة ليس على أساس اعتبارات خاصة ببلجيكا وحسب، التي تستفيد بموجب المعاهدة، بل أيضاً لمصلحة أولئك الذين يضمنون حياد بلجيكا”.

في العام 1914، بالطبع، انتهكت ألمانيا الضمانة التي قدمتها من خلال غزو بلجيكا واحتلالها كجزء من “خطة شليفن” لمهاجمة فرنسا، ورفضت معاهدة عام 1839 باعتبارها مجرد “حبر على ورق”، لذلك يُنظر أحياناً إلى حياد بلجيكا على أنه تجربة فاشلة، وفي المقابل احترمت المملكة المتحدة دورها كضامن ودخلت الحرب ضد ألمانيا بسبب الهجوم الألماني على بلجيكا، وعلاوة على ذلك تمتعت بلجيكا في تلك المرحلة بثلاثة أرباع قرن من السلام بموجب المعاهدة، ما يقرب من ثلاثة أضعاف فترة السلام النسبي القصيرة التي تمتعت بها أوكرانيا ما بعد الاتحاد السوفياتي قبل هجوم روسيا الأول عام 2014.

وعلى غرار بلجيكا تجعل الجغرافيا الأوكرانية من البلاد مصدر قلق أمني أساس للمنافسين الجيو-سياسيين المتاخمين لها، وكما هو الحال مع أمن بلجيكا في القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، ينظر الآن إلى أمن أوكرانيا على أنه أمر أساس للسلام والاستقرار في القارة بأكملها، ومثل المعاهدات البلجيكية يقدم بيان إسطنبول فوائد لكل من الدولة المضمونة والدول الضامنة، وستحصل أوكرانيا على وقف للهجوم الروسي الحالي وستنال ضمانات قوية ضد أي عدوان محتمل في المستقبل، كما أنها ستحصل على وعد من موسكو بالوقوف جانباً في طريقها إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

من جانبها، ستحصل روسيا على الحياد الأوكراني مما ينهي احتمال عضويتها في الـ “ناتو” في اتفاق تضمنه الولايات المتحدة وحلفاؤها وأوكرانيا بشكل قانوني، كما ستتلقى تأكيدات بأنه لن تكون هناك قواعد أجنبية في أوكرانيا أو جيوش أجنبية تتدرب هناك من دون موافقة موسكو، وبالنسبة إلى الغرب فإن تخلي الكرملين عن اعتراضاته على عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي سيعني خروج أوكرانيا النهائي من دائرة النفوذ الروسي.

هل يمكن تحقيق ذلك؟

على الرغم من أن روسيا ستستفيد من خطة إسطنبول، يشكك عدد من المراقبين في أن موسكو ستوافق عليها في النهاية، وعلى أي حال ستكون روسيا قد وافقت على أنها إذا هاجمت أوكرانيا مرة أخرى فستواجه خطراً كبيراً، بل شبه مؤكد، بوقوع حرب مع الولايات المتحدة وحلفائها، إذاً هناك تفسيران محتملان لإبداء الكرملين دعمه الأولي لصيغة إسطنبول.

أولاً من الممكن أن روسيا لا تأخذ على محمل الجد احتمال التزام الولايات المتحدة وحلفائها بالضمانات المقدمة إلى أوكرانيا، وستقوم بالتوقيع بنية انتهاك الصفقة، تماماً مثلما رفضت ألمانيا المعاهدة البلجيكية باعتبارها “حبراً على ورق” عندما قامت بغزوها عام 1914، بيد أن خطر قيام الجيش الأميركي بالدفاع عن أوكرانيا سيكون وجودياً بالنسبة إلى روسيا، ويبدو من غير المرجح أن ترغب موسكو في فتح آفاق الحرب مع الولايات المتحدة لمجرد إثبات نقطة ما، وهذا يترك تفسيراً ثانياً، إذا قبلت أوكرانيا الحياد الدائم، كما تدعو الخطة، فلن يكون لروسيا مصلحة في مهاجمتها ولن يفسر ذلك استعداد موسكو لتحمل أخطار الصراع مع الولايات المتحدة وحسب، بل أيضاً سيكون متوافقاً مع المدى غير العادي الذي وصلت إليه روسيا من أجل منع أوكرانيا من عضوية الـ “ناتو”، وبعبارة أخرى فإن الحوافز التي أوجدتها صفقة ملزمة قانونياً ضمنت حياد أوكرانيا وأبعدت الجيوش الأجنبية عن أراضيها تفوق أي فوائد محتملة من غزو مستقبلي، لأنه إذا كررت روسيا عدوانها فستخاطر الآن بنزاع مباشر مع الولايات المتحدة ونهاية الحياد الأوكراني.

بطبيعة الحال، فإن مثل هذا الاتفاق سينطوي على تحديات كبيرة، وبالنسبة إلى الولايات المتحدة فتعتمد صدقية تحالفاتها العالمية على هذا الترتيب المحفوف بالأخطار، والجدير بالذكر أن حياد أوكرانيا والحظر المفروض على القواعد والتدريبات الأجنبية من شأنه أن يشكل معضلات خاصة للجيش الأميركي، كما أنّ نهج الـ “بنتاغون” المعتاد لضمان الالتزامات الأمنية، بما في ذلك على سبيل المثال عمليات نشر القوات في المواقع الأمامية والوصول الكامل إلى الأراضي ودرجة معينة من تخطيط العمليات مع الشركاء، لن يكون ممكناً في هذه الحال. أخيراً، يجب أن تكون منطقة تطبيق الضمانات متناسقة مع خط السيطرة الإقليمية الفعلية عند إعلان وقف إطلاق النار، واستطراداً وجدت الولايات المتحدة صيغاً ترمي إلى ضمان أمن الدول التي تعاني نزاعات إقليمية (تم ضمان أمن ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية ضمن حدودهما الفعلية على الرغم من أن واشنطن اعترفت رسمياً بمطالباتهما القانونية بإعادة كامل أجزاء بلادهما المنقسمة)، لكن في تلك الحالات كانت خطوط الترسيم محددة جيداً ومستقرة نسبياً، على غرار الحدود الألمانية الداخلية وخط العرض (38)، بينما تتغير الخطوط الفاصلة بين القوات الروسية والأوكرانية في المناطق التي احتلتها موسكو في أوكرانيا منذ الـ 24 من فبراير (شباط) بشكل يومي تقريباً، وبهدف إنجاح هذا الأمر سيتعين على موسكو الانسحاب من جزء كبير إن لم يكن كل المناطق التي احتلتها منذ الغزو.

في الحقيقة، تعتبر تلك التحديات كبيرة ولا يمكن بدء العمل على معالجتها إلا بعد أن يرى الطرفان أنه لا يوجد أي أفضلية في السعي إلى تحقيق أهدافهما في ساحة المعركة، بيد أنه لا مؤشر على ذلك حالياً، ولكن إذا عادت موسكو وكييف إلى طاولة المفاوضات فربما يشير بيان إسطنبول إلى الطريق الذي ينبغي سلكه من أجل حل معضلة وضع أوكرانيا كدولة وسط، ويحول التنافس الجيو-سياسي حول انحيازها إلى التزام متبادل بأمنها على المدى الطويل، وإذا نجح هذا الإطار فقد يوفر أيضاً نموذجاً لدول عدم الانحياز الأخرى مثل مولدوفا وجورجيا، وحتى لهيكل أمني أوروبي جديد تظل روسيا والغرب فيه خصمين جيو-سياسيين، مع قبولهما بخطوط حمراء معينة.

في الواقع، سيكون من الصعب للغاية التفاوض في شأن اتفاق يستند إلى بيان إسطنبول، إذ إن سياسات الصراع وجرائم الحرب الروسية والقتال المستمر تشكل عقبات قوية أمام تحقيق ذلك، لكن حتى الآن يعد هذا هو المسار الأكثر منطقية الذي تم تحديده من أجل تحقيق سلام مستدام لأوكرانيا.

صامويل شاراب كبير علماء السياسة في مؤسسة “راند” للبحوث وقد شارك مع تيموثي جيه كولتون في تأليف كتاب “الجميع خاسرون: أزمة أوكرانيا والمسابقة المدمرة لأوراسيا ما بعد الاتحاد السوفياتي”.

مترجم عن فورين أفيرز – يونيو 2022

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى