لعل ملف الاعتقال والمعتقلين من أكثر الملفات حضورًا في الساحة السورية إن لم يكن أكثرها على الإطلاق، فحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان تم توثيق 151462 معتقلًا حتى آذار/مارس 2022 ، ويعتقد أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك بكثي، حيث صرح أحد أعضاء الاتحاد العام للمعتقلين والمعتقلات لوكالة الأناضول “أن عدد المختفين قسريًا قد يصل إلى 400 ألف معتقل”، “حصة سجن صيدنايا منهم حوالي 24 ألف معتقل موجودين فيه حتى الآن” على حد تعبير رياض اولر أحد مؤسسي رابطة معتقلي صيدنايا في تصريح لنفس الوكالة، فعادة ما يوثق المعتقل عندما يسكن ذويه في مناطق خارج سيطرة النظام أو في دول اللجوء، بينما غالبية أهالي المعتقلين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام ليس لديهم فرصة لتوثيق معتقليهم، وقد ظهر ذلك جلياً بالأعداد الهائلة من الناس بعد أن أصدر النظام ما أسماه “عفواً” عن بعض المعتقلين في سجونه في نهاية نيسان/ ابريل الماضي حيث تجمع الآلاف من أهالي وذوي المعتقلين في انتهاك فاضح لكرامتهم وإنسانيتهم لا يقل عن انتهاك كرامة المعتقلين الذين قضوا سنيناً في سجون النظام، وربما بما يوازي انتهاك كرامة شهداء مجزرة التضامن التي يعتقد البعض أن العفو جاء للتغطية على هذه المجزرة التي صدمت تفاصيلها ووحشيتها العالم.
تشير الكثير من المعطيات أن النظام الأمني في سورية لا يريد إغلاق هذا الملف، إنما هو كعادته وفي جميع الملفات يرغب باللعب فيها على حافة الهاوية واستثمار كل ما يمكن استثماره، لكسب الوقت حينًا ولقلب الحقائق وتمييعها والقفز على الأولويات في أحيانٍ أخرى، فهو في اجتماعات اللجنة الدستورية يفاوض في طول العَلَم وعرضه فيما أسماه حينها”حماية رموز الدولة” ،حتى أن اقتلاع الناس من بيوتهم وأرضهم وذكرياتهم بعد طول حصار وتجويع وقصف أسماه اتفاقيات مصالحة، هدفها الرئيس ليس المصالحة بالطبع – وأية مصالحة هذه التي تشرد تلك الجموع الهائلة من الناس- بل إنشاء سورية المفيدة المتجانسة حسب تعبير الأسد الوريث، سورية اللون الواحد التي لا وجود فيها إلا لمن يسبح بحمده، فهل ينتظر أحد بعد كل تجاربنا مع هذا النظام أن يطلق سراح المعتقلين وبدون أي مقابل وبدون أي مكسب سياسي. تعود بي الذاكرة إلى صفقة إطلاق الأسرى الإيرانيين حيث أطلق النظام سراح معتقلين سوريين في بداية 2013 مقابل إطلاق سراح 48 أسيرًا إيرانيًا كانوا في قبضة الجيش الحر، في سابقة أعتقد أنها غير موجودة من قبل أن يرهن شعبه مقابل أجانب ايرانيين، إن هذه الحادثة وبعدها الكثير من الحوادث التي تشبهها، تثبت بما لا يدع مجالًا للشك بأن النظام اتخذ السوريين بشكل عام والمعتقلين بشكل خاص كرهائن لديه لصالح مكاسب سياسية، فهو قد يطلق بعض المعتقلين لقاء عملية تبادل كما تبادل الأسرى أو للتستر على جريمة بشعة كما حدث مؤخرًا بعد انتشار التحقيق الصحفي الخاص بمجزرة التضامن، أو ربما تحت ضغط دولي جاد وحقيقي من صنف ذلك الضغط الذي أجبره على الخروج من لبنان في عشية وضحاها.
لذلك أعتقد أن الحل لمشكلة المعتقلين يجب أن يكون على مستويين الأول هو بدء تجميع الفيديوهات التي تشبه فيديو التضامن وما أكثرها، إرسالها لمختصين في الانتهاكات، والثاني هو القيام بحملات مناصرة هدفها توليد ضغط دولي لإجبار النظام على إطلاق المعتقلين، عدا ذلك فلاحل لقضية المعتقلين إلا بسقوط النظام وهذا للأسف أصبح أيضًا برهن إرادة دولية مازالت غائبة.
المصدر: اشراق