ما زال تنفيذ مشروع خط الغاز العربي الذي يهدف لإيصال الغاز المصري إلى لبنان مرورا بالأردن وسوريا بحكم المؤجل، تحت اعتبارات عديدة، لعل من أهمها تخوف مصر من العقوبات الأمريكية (قيصر) المفروضة على النظام السوري، رغم إعطاء إدارة الرئيس جو بايدن الموافقة على المشروع.
وسبق أن سلمت سفيرة واشنطن في بيروت، دورثي شيا، رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، كتابا خطيا من وزارة الخزانة الأمريكية يتعلق باتفاقيات الطاقة الإقليمية بين لبنان والأردن ومصر، في مطلع العام 2022.
وفي التفاصيل، أكد وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عبد الله بو حبيب، أن هناك صعوبات تواجه نقل الغاز من مصر، أبرزها أن القاهرة تطالب بضمانات أمريكية لعدم تطبيق العقوبات المفروضة على سوريا سواء حاليا أو مستقبلا، في حال توريد الغاز إلى لبنان.
وأضاف الوزير اللبناني في تصريحات متلفزة أن هناك أمورا أخرى يجب على لبنان تنفيذها، ويتم التفاوض بشأنها حاليا مع القاهرة، ولذلك سيستغرق هذا الأمر وقتا طويلا.
ضمانات أمريكية خطية
وحول أسباب تعذر تنفيذ المشروع الذي جرى التوافق عليه في أيلول/سبتمبر 2021، بين وزراء الطاقة والنفط في لبنان والأردن ومصر والنظام السوري، يشير الكاتب الصحفي اللبناني، يوسف دياب، إلى صعوبات عديدة، منها أن مصر لم تتلق ضمانات أمريكية حقيقية بعدم تعريضها للعقوبات في حال تزويد لبنان بالغاز مروراً بسوريا.
ويضيف لـ”عربي21″، أنه بالرغم من استثناء إدارة بايدن للبنان من “قيصر”، إلا أن مصر تصر على ضمانات خطية من واشنطن، حيث تخشى القاهرة أن تكون عرضة للعقوبات الأمريكية من قبل الإدارات القادمة، لا سيما وأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة باتت قريبة (2024)، مشيراً إلى المزاج السائد بين أعضاء الكونغرس من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بعدم إعطاء أي استثناءات من العقوبات للنظام السوري.
وتابع دياب بأن الحال ذاته ينطبق على الأردن، التي تطالب كذلك بموافقة خطية أمريكية قبل تمرير الكهرباء إلى لبنان.
كذلك، حسب دياب يساهم عدم تقديم لبنان للآن الضمانات التي طالب بها البنك الدولي المتعلقة بإجراء إصلاحات حيوية في قطاع الطاقة، قبل الموافقة على تمويل المشروع، في تأخير تنفيذ المشروع.
عوائق سياسية
وإلى جانب ذلك، يتحدث الكاتب الصحفي اللبناني علي الأمين، عن عوائق سياسية تؤخر تنفيذ المشروع، مؤكداً أن الجوانب التقنية للمشروع قد أنجزت إلى حد كبير.
وفي حديثه لـ”عربي21″، يقول الأمين إن فكرة المشروع جاءت ضمن سياق مخطط في المنطقة، حيث تفتح طريقة مرور خط الغاز شهية التطبيع مع إسرائيل، مؤكداً أن “المشروع برمته يأتي في سياق إعادة ترتيب المنطقة”.
ويكمل قائلاً: “بالتالي فإن أي عرقلة في إعادة ترتيب المنطقة، وأقصد هنا التطبيع بين النظام السوري وإسرائيل، ستؤثر حكماً على تنفيذ مشروع خط الغاز”.
ويقول الأمين، نحن أمام مسار يجب حتى يكتمل أن نشاهد مقدمات سياسية له، أي إرسال رسائل من جانب النظام السوري تدل على استعداده للتماهي مع تنفيذ المخطط.
وحول الأردن، وما إن كانت للتوترات الأخيرة في علاقته مع النظام السوري صلة بتأخير تنفيذ المشروع، يجيب الصحفي بقوله: “باعتقادي ما من مشاكل جوهرية بين الأردن والنظام، والقلق الأردني الأخير يبدو أنه في سياق التحذير من التمدد الإيراني، وخصوصاً أن تنفيذ المخطط مرتبط بتراجع دور إيران في سوريا”.
وفي ما يخص إيران، وعلاقة المشروع (الخط العربي) بتعثر المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا، يقول الأمين: إن “تراجع فرص توقيع إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، تؤثر حكماً على تنفيذ مشروع خط الغاز”، مضيفاً: “العوامل المتحكمة بتنفيذ مشروع خط الغاز العربي عديدة، منها العنصر الإيراني والاتفاق النووي”.
وحسب الصحفي اللبناني، فإن دور بلاده يقتصر على تلقي النتائج من دون أن يؤدي ذلك إلى أزمة جديدة، في ظل غياب أي حلول للأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تضرب لبنان.
المشروع في حكم المنتهي
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي ومدير منصة “الاقتصادي” يونس الكريم، أن المشروع “في حكم المنتهي”، مرجعا ذلك خلال حديثه لـ”عربي21″، إلى التغييرات التي فرضتها تداعيات غزو أوكرانيا على الاقتصاد الدولي، حيث بات اهتمام مصر مركزاً على الغاز لتأمين احتياجاتها المتزايدة من الغذاء، في الوقت الذي لا زال فيه صندوق النقد الدولي يطالب بمزيد من الضمانات لدفع ثمن الغاز للبنان، أي تمويل المشروع.
ويتابع الكريم، بأن تقديم مصر الغاز للبنان، والكهرباء من الأردن إلى لبنان ينطوي على مخاطر عالية، بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي في لبنان، فضلاً عن العراقيل التي تفرضها العقوبات الأمريكية على النظام السوري، الذي يعد شريكا في كل ذلك، بحكم مرور الغاز والكهرباء عبر أراضيه.
ويقول الخبير الاقتصادي، إن منح الأردن ومصر تعهدات خطية من أمريكا بالاستثناء من العقوبات، يتطلب إجراءات قانونية معقدة في واشنطن، في حين أن الأخيرة لا تريد فتح هذا الباب، أي منح استثناءات للتعامل مع النظام السوري.
وفي أيلول/ سبتمبر 2021 اتفق لبنان والأردن ومصر والنظام السوري، على إمداد لبنان بالكهرباء والغاز الطبيعي عبر سوريا، لحل أزمة حادة في موارد الطاقة في لبنان، ومن ثم توصل لبنان والأردن والنظام إلى الصيغة النهائية لعقد تزويد لبنان بالكهرباء الأردنية عبر الأراضي السورية، من خلال إعادة إحياء خط الغاز العربي لنقل الغاز والكهرباء المتوقف منذ العام 2012.
المصدر: عربي21