اتخذت السعودية وإسرائيل، خلال الشهور الماضية، خطوات أظهرت تقاربا بين البلدين، اللذين تجمعهما مصالح أمنية مشتركة، وأثارت هذه الخطوات تساؤلات بشأن إمكانية التوصل إلى تطبيع رسمي، في وقت أعلنت الرياض تمسكها بشرطها، وهو التوصل لحل للقضية الفلسطينية.
واتفق محللان تواصل معهم موقع الحرة على صعوبة تلبية الشرط السعودي، خاصة في ظل الوضع الحالي للقضية الفلسطينية المعقدة، لكن البلدين ربما يكون بإمكانهما التوصل إلى صيغ معينة بشأن القضية.
حسن منيمنة، المحلل السياسي، مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، قال لموقع الحرة: “المسألة ليست حل القضية الفلسطينية” ولكن خطوات تتخذها إسرائيل في هذا الملف.
وأكدت السعودية مرارا أن تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني شرط مسبق لتطبيع العلاقات، وهو موقف يحظى بأهمية كبرى إقليميا ودوليا باعتبار أن المملكة تقدم نفسها على أنها قائدة العالم الإسلامي ومدافعة عن القضية الفلسطينية.
ولطالما كانت الرياض شديدة الحساسية حيال إي إعلان عن تقارب مع إسرائيل خشية حدوث ردود فعل وانتقادات بما في ذلك في الداخل السعودي.
لكن في السنوات الماضية، زادت السعودية من التواصل مع شخصيات يهودية، وتم تناول العلاقات مع إسرائيل وتاريخ الديانة اليهودية في وسائل الإعلام الحكومية.
وبعد أن وقعت الإمارات والبحرين، حليفتا السعودية، اتفاقي تطبيع مع إسرائيل في سبتمبر 2020، وتلاهما كل من السودان والمغرب، سمحت المملكة للمرة الأولى للرحلات الجوية المباشرة بين الإمارات والبحرين وإسرائيل بعبور أجوائها.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، السبت، بأن مسؤولا إسرائيليا رفيعا زار مؤخرا المملكة. ونقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” عن “القناة 12” الإسرائيلية أن “الاجتماع عقد مؤخرا في قصر بالرياض، وشمل استقبالا حارا للمندوب الإسرائيلي” من دون الكشف عن اسمه أو منصبه.
وذكرت الصحيفة أن القناة أشارت إلى أن “الجانبين ناقشا المصالح الأمنية الإقليمية التي ازدادت خلال السنوات الأخيرة نتيجة التهديدات المشتركة التي تمثلها إيران”.
وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي رعى اتفاقات التطبيع الأخيرة، قال إن السعودية ستكون بين الدول العربية اللاحقة التي ستطبع علاقاتها مع إسرائيل.
وفي مارس، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأميركية إن بلاده لا تنظر الى إسرائيل “كعدو” بل “كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معا، لكن يجب أن تحل بعض القضايا قبل الوصول إلى ذلك”.
ومؤخرا، ذكر موقع أكسيوس الأميركي أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تتوسط “بهدوء” بين السعودية وإسرائيل ومصر بشأن استكمال نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر من السيادة المصرية إلى السيادة السعودية، وهي “يمكن أن يكون خطوة أولى على طريق تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل”.
واعتبر التقرير أن التوصل لاتفاق سيكون “أهم إنجاز” للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ “اتفاقات إبراهيم”.
وقال 3 مسؤولين أميركيين، حاليين وسابقين، إن اثنين من كبار مستشاري بايدن تواجدا في السعودية في زيارة غير معلنة لإجراء محادثات بشأن اتفاق محتمل بين المملكة وإسرائيل ومصر.
ومن جانبه، لم ينف وزير الخارجية السعودية، فيضل بن فرحان، ما جاء في تقرير أكسيوس الأخير، لكنه قال إنه يجب اتخاذ المزيد من الخطوات لإيجاد حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وقال: “لم تتغير وجهة نظرنا بالنسبة للتطبيع”، مذكرا بمبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة عام 2001 وتقضي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في مقابل التوصل لسلام عادل للقضية الفلسطينية.
“لا خطوات استعراضية”
الكاتب حسن منيمنة قال في تصريحاته لموقع الحرة إن التصريحات السعودية المتعاقبة تشير إلى أنها “ليست بصدد القيام بخطوة استعراضية تطبيعية مع إسرائيل”.
لكنها مع ذلك “منفتحة لخطوات تراكمية تدريجية، شرط أن يقابلها تقدم ما في المسألة الفلسطينية، أي أن مقدار الانفتاح السعودي يجب أن يقابله انفتاح إسرائيلي تجاه القضية”.
ويرى أن السعودية “لا تستطيع التخلي أو التراجع عن هذا المعيار الذي وضعته في سياستها، لكنها تبقى بطبيعة الأحوال منفتحة، كما كانت منذ حدث التطبيع بين دول عربية وإسرائيل وإتاحة المجال للطائرات الإسرائيلية”.
ويؤكد أن السعودية “لا تعارض التطبيع التدريجي شرط أن يواكبه خطوات عملية تجاه الشأن الفلسطيني”.
وتأتي خطوات التقارب بين إسرائيل والسعودية في وقت تسعى إدارة بايدن إلى زيادة التعاون مع السلطة الفلسطينية بعد أن ابتعدت إدارة ترامب عنها.
كما أنها، وفق الكاتبة، جويس كرم، في مقالها على موقع الحرة ترغب في “تصحيح العلاقة مع الخليج والعودة إلى الأسس التقليدية للسياسة الأميركية في المنطقة” وذلك من خلال سلسلة من “التنازلات والمقايضات” من بينها التوسط بين إسرائيل والسعودية.
وأضافت: “واشنطن تريد من السعودية زيادة إنتاج النفط قبل الانتخابات النصفية الأميركية في نوفمبر، والابتعاد أمنيا واقتصاديا عن المحور الروسي-الصيني.
وبالمقابل، الرياض تريد من واشنطن ضمانات دفاعية وأمنية، التعاطي المباشر مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واستمرار الضغط على إيران.
لكن “هذه المعادلة وحدها لا تكفي لتسويق زيارة بايدن للمملكة وبالتالي يتم التفاوض بشأن اختراق سياسي يتمثل اليوم بمفاوضات أميركية غير مباشرة بين السعودية وإسرائيل ومصر حول جزيرتي تيران وصنافير، التي إن نجحت يمكن أن تكون خطوة أولى على طريق انهاء حالة العداء بين السعودية وإسرائيل”.
المحلل الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، أمير أورن، قال لموقع الحرة إنه “قبل وصول إدارة بايدن إلى السلطة، لم يكن السعوديون بحاجة لإسرائيل للتأثير على إدارة ترامب، لكن يبدو أن السعوديين حاليا يسعون لاستغلال علاقات إسرائيل في واشنطن من أجل التخفيف من موقف واشنطن إزاء محمد بن سلمان عندما يزور الشرق الأوسط”.
القضية الحقيقية
ومع ذلك، لا يتوقع أورن حدوث تقدم على مسار التطبيع من دون أن “يكون هناك بعض التقدم على المسار الفلسطيني الإسرائيلي”.
ويرى منيمنة أن “المسألة ليست حل القضية الفلسطينية، فالرياض لا تطلب حل القضية، ولكن ظهور إسرائيل بمظهر أنها تقر بأنها قضية ذات أساس وتحتاج لمعالجة”.
ويرى أن هذا الموقف يتماشى مع موقف إدارة بايدن بهذا الشأن، مشيرا إلى أنه لا توجد فروقات عملية في موقف إدارتي بايدن وترامب من هذا الملف، والفارق أن إدارة الرئيس الحالي تطلب من إسرائيل الإقرار بأن هناك حق فلسطيني وأنه يجب التعامل مع هذا الحق بشكل تفاعلي، أي النظر بعين الاعتبار للفلسطينيين وعدم تجاهلهم”.
ويقول أورن: “بايدن يرغب في أن تفعل إسرائيل شيء ما” وعندما يأتي إلى المنطقة، سيدعو على الأرجح إلى إحراز تقدم في عملية السلام.
لكنه يشير إلى صعوبة ذلك حاليا بالنظر إلى مدى “هشاشة” التحالف الحكومي في إسرائيل، لذلك “يجب الانتظار لمعرفة ما إذا كانت الحكومة الحالية ستبقى في السلطة، أم ستتم الدعوة لانتخابات مبكرة وهو ما سنعرفه في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع”.
ويقول منيمنة: “لا تستطيع السعودية، وهي الراعي الحقيقي للهم الفلسطيني، أن تتخلى عن شروطها دون أن يصدر من الجانب الإسرائيلي ولو بشكل تراكمي رمزي ما يشير إلى اهتمام بمعالجة القضية”.
المصدر: الحرة. نت