أيد مجلس الأمن القومي التركي، في اجتماع الخميس في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، تصريحات الرئيس رجب طيب اردوغان المتعلقة بشن عملية عسكرية داخل العمق السوري ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تصنفها أنقرة على لوائح الإرهاب، وتعتبرها الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني.
وقال المجلس في بيان أصدره فور انتهاء الاجتماع الذي استمر لمدة ثلاث ساعات، إن «العمليات العسكرية الجارية وتلك التي ستُنفذ على حدودنا الجنوبية ضرورة لأمننا القومي ولا تستهدف سيادة دول الجوار».
وأوضح البيان أن الهدف من العمليات التي ستُنفذ على الحدود الجنوبية هو «تطهير المنطقة من الإرهاب ولا تستهدف بحال من الأحوال سلامة وسيادة دول الجوار، وستشكل مساهمة جادة لتحقيق الأمن والسلام لدول الجوار».
وجاء في البيان أنه جرى اطلاع المجلس على «سير العمليات التي تنفذ بعزم ونجاح ضد جميع أنواع التهديدات والمخاطر، وخاصة التنظيمات الإرهابية» مسمياً حزب العمال الكردستاني بمختلف فروعه ومسمياته السياسية والعسكرية، إضافة لتنظيمي «فتح الله غولن» وتنظيم «الدولة الإسلامية».
على صعيد العلاقات الدولية، شدد مجلس الأمن القومي على أن تركيا «التزمت دائما بروح وقانون التحالفات الدولية، وأنها تنتظر نفس المسؤولية والصدق من حلفائها». وحول اعتراض أنقرة على ضم فلندا والسويد، ألمح البيان إلى أن أنقرة وجهت «دعوة للدول التي تنتهك القانون الدولي بدعم الإرهاب للتخلي عن موقفها والأخذ بعين الاعتبار مخاوف تركيا الأمنية».
وحول الحرب الروسية الأوكرانية، طالب البيان بضرورة «إعلان وقف شامل لإطلاق النار ووقف الحرب بين البلدين وفتح الطريق أمام حل سلمي». واصفا الحل الذي يحفظ سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية بأنه سيكون «الأساس لإحلال سلام دائم في المنطقة».
وناقش مجلس الأمن القومي قضايا مثل الإجراءات الاستفزازية المتزايدة لليونان في بحر إيجه، التي تنتهك القانون الدولي والمعاهدات التي هي طرف فيها، حسب ما ذكر البيان. كما أكد مجلس الأمن القومي التركي، على أهمية «الحفاظ على الاستقرار الذي تحقق في ليبيا والحفاظ على وحدة أراضيها، وتجنب الخطوات التي تؤدي إلى نزاعات جديدة» وضرورة إجراء انتخابات «حرة ونزيهة وذات مصداقية في جميع أنحاء ليبيا على أساس التوافق الوطني بما يتماشى مع تطلعات الشعب».
وانعقد الاجتماع بعد ثلاثة أيام من إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، نية بلاده شن عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، تهدف إلى إنشاء «منطقة آمنة» بعمق 30 كيلومترا داخل الأراضي السورية على طول حدودها الجنوبية.
الموقف الأمريكي
علّقت أمريكا على التصريحات الرسمية التركية بخصوص خطط الأخيرة الهادفة إلى شن عملية عسكرية هي الخامسة ضمن الأراضي السورية، وعبرت عن قلقها جراء الإعلان التركي. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس في إحاطة للصحافيين في البيت الأبيض: «مثل هذا التصعيد سيعرض أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة للخطر». وأدان المتحدث أي تصعيد مشيرا إلى تأييد واشنطن للحفاظ على «خطوط وقف إطلاق النار الراهنة» داعيا أنقرة للالتزام بالبيان المشترك الصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019. ولفت إلى تفهم بلاده للمخاوف «الأمنية المشروعة لتركيا على حدودها الجنوبية، لكن أي هجوم جديد سيزيد من تقويض الاستقرار الإقليمي وسيعرض القوات الأمريكية المنضوية في حملة التحالف ضد تنظيم داعش للخطر».
في سياق رفض العملية العسكرية، أكد الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك موقف المنظمة الدولية «المدافع عن وحدة أراضي سوريا» معتبرا أن «سوريا لا تحتاج إلى المزيد من العمليات العسكرية من أي جهة. وإنما تحتاج إلى حل سياسي، والمزيد من المساعدات الإنسانية».
في الميدان، قال قائد عسكري في الجيش الوطني السوري المعارض إن اجتماعات مكثفة بين قادة العمليات العسكرية الأتراك وقادة الفصائل السوريين تجري خلال اليومين الأخيرين، وأشار القائد الذي رفض ذكر اسمه، أنه من غير الواضح حتى الآن هدف العملية، مؤكدا «استنفار كافة الوحدات والفصائل في مختلف القطاعات» ورجح القيادي العسكري أن تكون منطقة العملية العسكرية التركية «إما في تل رفعت بريف حلب الشمالي أو منطقة عين العرب (كوباني)». ولفت إلى أن «وصل منطقة تل ابيض وراس العين بمنطقة ريف حلب الشمالي يحتاج السيطرة على عين العرب». وزاد أن المدينة «فارغة وكلفة السيطرة عليها أقل على جميع الأطراف بمن فيهم أمريكا وروسيا والنظام السوري». وقارن كلفة السيطرة عليها بتعقيدات الوضع والحسابات الدولية في تل رفعت ومنبج «بالتأكيد ستكون معركة عين العرب سهلة للغاية ولا تهدد المصالح الأمريكية بشكل أساسي».
وتدرك أنقرة حساسية فتح معركة ضد المقاتلين الأكراد شرق مدينة القامشلي باعتبارها في عمق منطقة النفوذ الأمريكية، لذلك تسعى إلى كسب سهل واستراتيجي بنهاية المطاف، خصوصا مع افتراض الممانعة الروسية لشن عملية جنوب مدينة إعزاز وطرد «الوحدات «الكردية من منطقة الشهباء وتل رفعت وسفوح الجبال المشرفة على مدينة عفرين، فتفضل موسكو أن تطلق يد الجيش التركي في منطقة الانتشار الأمريكي وليس في منطقة تواجدها، فهي كما النظام، ترى المحافظة على المقاتلين الأكراد في تل رفعت وجوارها من أجل الضغط الدائم على تركيا، فتواجد «الوحدات» قريبا من الحدود التركية يبقي الأمن القومي التركي تحت مرمى نيران «الوحدات» وهو ما تدركه وتخشاه أنقرة لذلك تضغط من أجل حل مسألة تل رفعت وتطالب بطرد «الوحدات» منها.
في سياق منفصل، اعتبرت وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري أي توغل عسكري تركي في الأراضي السورية بمثابة «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية» وأعلنت الأربعاء في بيان، أنها أرسلت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وصفت فيها تصرفات تركيا بأنها «غير شرعية وترقى إلى توصيفها بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».
ومن غير المستبعد أن تمضي أنقرة في عملية عسكرية، فالفرصة مواتية للغاية مع اشتداد الحرب الروسية الأوكرانية وتوسع الأزمة شمال أوروبا لتصل إلى السويد وفلندا. إلا أنه من الواضح أن قرع طبول الحرب التركية والتهديد بعملية عسكرية، هو أكثر قربا لعدم بدئها والاكتفاء بتحسين شروط التفاوض مع الناتو (حلف شمال الأطلسي) بخصوص السماح التركي بانضمام فلندا والسويد إليه.
ومع تزايد الارتفاع في سعر الطاقة وارتفاع معدل التضخم وتراجع سعر صرف الليرة التركية، ستتوجه أنقرة إلى الكسب اقتصادياً من حرب أوكرانيا، وهذا الأمر مرهون برفع العقوبات الأمريكية على تركيا التي وضعتها بعد صفقة إس- 400 كما أن خطأ في تقدير الحسابات سيضع تركيا في مأزق جديد مع أمريكا بخصوص ترسانتها الجوية من طائرات اف- 16 المحتاجة إلى ترميم وتعديل وترقية.
المصدر: القدس العربي