“لبننة ” انتخاب مجلس الشعب إذا لم أجد ” في مجلس الشعب ” من يمثلني …فماذا أفعل

 د. أحمد الحافظ

 أتلقى أجوبةً من كل مكان ومن كل تجمع فحواها : إنك فرد، ونحن في السياسة نتعامل مع شعب مع مؤسسات، مع نقابات، مع أحزاب، مع كتلٍ، مع رعية، مع مذاهب وطوائف وعشائر ومدن ….تفكرت في نفسي فرأيتها موجودة في كل هذه الكلمات ومتوزعة عليها ومشتتة فيها. لكن ” أنا ” غير موجود. أن يمتلك بلدي هذا الثراء والتنوع في المذاهب والطوائف والعشائر والجماعات والأحزاب والتجمعات والجمعيات، فإنه أمر جميل جداً. لكن لن تصبح هذه الانتماءات أساس كل شيء ، وأغيب ” أنا ” الإنسان، بل وعلى حساب ” أنا ” الإنسان، وتكون هذه ” الجموع ” نافية للفرد، عندها يصبح مفهوماً ما أشعر به تجاهها، ومفهوماً ما تمارسه هذه الكتل من تضييع وتغريب واستلاب. أدرك الآن، رجوعاً في التاريخ، كيف أن هذه الركامات جميعاً تناوبت على احتلال دفة القيادة. وأتفهم الآ’ن انسجامها ” و تعايشها مترصفةً ورضاها عن التاريخ؟، طالما كانت مسيطرة بشكل مطلق. أدرك تحولها إلى نمور كاسرة وتحاربها عندما يغيب ” النمر ” ذو الهيمنة المطلقة. فما أن ىتستقر السيطرة المطلقة لإحداها حتى تبدأ زمجرتها وتعقد بالتالي جلسات الوئام وتبادل مرة (تقف موسيقا )الاجهزة المسيطرة لتعلن إعادة توزيع جديدة ولتبدأ الحرب من جديد. إن الاختلاف بينها هو اختلاف في الموقع مهما تزينت بالألوان إن تساكن هذه العصبيات متعلق بوجود تجسيد العصبية الأشد بأساً. ولا يوجد أي ضامن لها من أن تتحول إلى ” ضباع ” . تمارس عملية الذبح بحق بعضها في ظل غياب قاموس ومفهوم مواطن مفرد. في حال كهذه يصبح من يريد التغيير في موقف لا يحسد عليه. وبما أن مطلبه بدولة حق وقانون ومواطنية ) ( بالمفرد ) هو مطلب بعيد المآل، تبدو معارضة الوضع القائم ومطلقية السلطة كأنها تعزيز للبنى المتعفنة المتربصة لاقتسام التركة ( الاقتصادية والسياسية والأمنية ). ويبدو أن حظوظ الفئات ذات الصبغة الدينية المنسجمة مع الرأسمال المالي هي الأوفر حظاً على المدى القريب. في حين يبدو المواطن والوطن والإنسان هو الضحية في كافة السبل المتاحة على المدى القريب والمتوسط: – هل ندفع الآن ضريبة فكرتنا المزمنة عن ” شعب ” و ” جمهور ” دون إنسان ؟ – في غياب مفهوم الإنسان ، الفرد، يصبح كلُّ تجميع وكل ” شعب ” عبارة عن ى” عسكر “. وتصبح الدولة سلطة استبدادية لأنها تجسيد لجماعة وتكثيف لها. بينما الدولة هي حامية للفرد إزاء المجتمع. يحتاج الإنسان إلى حماية الدولة أولاً لأنها الضرورة المطلقة. ومن لا يجد في دولته الحماية والأمن الشحصي المفرد يلجأ إلى الجان والأمريكان والتكايا والحيطان. يلجأ إلى كل ما يوحي له أنه الأقوى وحامي الحمى الآن. وبتعامل السلطة مع ” المجموع ” على حساب الفرد يتحول المجتمع إلى ” جمهور ” وينحط ىالشعب إلى جمهور. فقد يكون جمهور كرة القدم منشطراً إلى وحشين أو جيشين في ملعب لمدينة واحدة. أو جمهور مصارعة حرة على الطريقة الأمريكية. – إن أولى مبادئ التصور الديمقراطي للسياسة وللعالم هو الاعتراف بالاختلاف. وهذا الاعتراف هو شرط المعرفة. والمعرفة شرط التقدم والتغيير.الإنسان كل متكامل ( أحسن تقويم ) فالانطلاق منه هو الانطلاق من العياني، من المفرد وليس من الشعب أو الحزب أو العشيرة أو القرية أو الطائفة ….وغياب مفهوم الفرد يساعد على استمرار غياب القانون وبالتالي لا حقوق ولا واجبات. – في غياب دولة حق وقانون يُقتل طبيب لأن عمه قد قتل شحصاً من عشيرة أخرى. وتزهق روحى إنسان ضمن بناء الحكومة ” السرايا ” وعلى باب المحكمة وتتقاسم عشيرة القاتل ” الدية ” ثمن دمه !. يكون نصيب كل راس أول مال العشيرة ومهربها الأول وممثلها الوحيد. دعونا الآن نتذكر أن لدينا ” ديمقراطية ” نا الخاصة و ” طريقة ” نا المختلفة عن الغرب في ممارسة الديمقراطية. وإذا بحثت في عمق الإختلاف و ” نقطة المحرق ” لهذا البناء يدعى خاصاً بنا فلن تجده إلا في غياب مفهوم الإنسان، الفرد. نحن لدينا مواطنون وليس لدينا المواطن. في حال كهذه يصبح المرشح ( المرتشح ) أو الراشح. فقد نريده طويلاً أو قصيراً، أحمرأو أبيض. قد نريده بعمامة وكوفية. وقد نريده بلحية. وقد نحمّله مطرقة ومنجلاً أو قلماً وورقة ….لأن من بيده صنع مادة الترشيح يتحكم بنوع المرتشح، وبالتالي لا علاقة لهذا الركام الذي نستمتع بتسميته ” الجمهور “. يصبح مفهوماً عدم أهمية أخلاق المرشح ووعيه. فتلك لا تتدخل بها كطبيعة مادة الترشيح الآن. فالعضو الآن يمثل جماعة داخلة بخليط المادة المرشحة من باب الكم والسديمية والكتلية والقطيعية. لا فرق بين عضو وآخر إلا بالطبلة . وتكون المضافات والمناسف مشهداً متناغماً مع ” الحياة الإجتماعية للبلد ” أكثر من الملتقيات والمنتديات والحوارات ! ..ففي ” المناسف ” يشارك الفرد لمرة واحدة فردياً، لكن بالطعام. وهذا مشترك بينه وبين جميع الكائنات وحتى وحيد الخلية ( الياراميسيوم ). – عندما يسود هذا النموذج فإنه يعمّ الجميع. فترى أمناء أحزاب يسارية يوزعون كراسي مرشحهم بناء على التركيبة الركامية الموجودة في المنطقة أوالمدينة، بغض النظر عن مواصفات العضو المرشح أو تاريخ انتاسابه أو مستوى نضاله الشعبي والسياسي. – في وسط كهذا، إذا كنت نزيهاً أو حراً أو مناضلاً سابقاً أو مناضلاً دائماً أو خارجاً من سجن طويل أو قصير أم هارباً من سجن ممكن، فلا تستطيع أن تضمن في جو كهذا أن تكسب إلا أصوات بعض ” المهوسين ” أمثالي. فنحن المهوسون لسنا عصبة أو عصابة. إننا أفراد. وللمفارقة قال لي زميل : حتى إذا أردت أن تكون طبيباً” ناجحاً فعليك أن تكون ضمن ” عصابة ” ما. وفي ألطف الأحوال ” عصابة طبية ” يجمع بينها امتلاك أسهم في مشفى أو ما شابه. وهم الأكبر قولنا: إن ” الشعب ” مع الحق بالمطلق. الشعب مع المصلحة المباشرة الملموسة. ومصلحته في الحفاظ على حياته ونوعه ولقمته. ما نحتاجه هو نغمة أخرى غير نغمة معارضة السلطة باسم الشعب ” حاف “. والشعب هو الذي يمنح حق تمثيله لجهة ما فلا نملك حق التكلم نفسها والمتكررة والسقيمة والتي هي الآن لا تعطي أمثالنا كرسياً للجلوس .

المصدر: حزب العمال الثوري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى