حقق خصوم حزب الله والنظام السوري في لبنان فوزاً سياسياً معتبراً بتحصيلهم أكثرية في البرلمان اللبناني بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت يوم 15 أيار 2022، في ضربة لم يكن حزب الله وحلفاؤه يتوقعونها أو يفضلونها حالياً في ظل التململ الشعبي الواضح من كل واقع البلاد والأزمات الغارقة فيها.
وقلبت النتائج الموازين في مجلس النواب بفقدان قوى “8 آذار” المدعومة من إيران والنظام السوري العديد من المقاعد لصالح كل من بقايا قوى “14 آذار” المدعومة سعودياً وغربياً، و”قوى التغيير” المدعومة من الحراك الشعبي الذي خرج مطالباً بإسقاط الطبقة السياسية اللبنانية برمتها في “ثورة تشرين 2019”.
ولعل ذلك الحدث السياسي الأبرز في الداخل اللبناني اليوم قد يكون له ارتداداته على الصعيد الإقليمي والدولي، وخصوصاً خسارة النظام السوري لمعظم أذرعه التقليديين في البرلمان، وإمكانية انعكاس ذلك على القضية السورية وأزمة اللجوء المرافقة لها.
يقوم النظام السياسي اللبناني على أساس اقتسام السلطات والمناصب السيادية وفقاً للانتماءات الدينية والطائفية. ورسّخ اتفاق الطائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) معادلة اقتسام السلطة والمناصب الرئيسية على أساس المحاصصات بين المكونات الأساسية الثلاثة: المسيحيين والسنة والشيعة، إلى جانب نفوذ النظام السوري.
ماذا تبقى من نفوذ النظام السوري في لبنان؟
ولكن في ظل تراجع تأثير نظام بشار الأسد داخل سوريا أصلاً وسيطرة روسيا وإيران على القرار السوري في مناطق سيطرته، هل بقي له أي دور حقيقي وفاعل في لبنان، خصوصاً أن حزب الله (ذراع إيران المسلح) يسيطر على مفاصل الدولة أمنياً وعسكرياً إلى جانب هيمنته على المجال السياسي منذ انتخابات عام 2018 بعد فوز حلفائه حركة أمل والتيار الوطني الحر وشخصيات موالية.
بلا شك حَافظَ نظام الأسد على بعض من نفوذه في لبنان عبر علاقات وشخصيات بعد انسحاب جيشه منها عام 2005؛ تحت ضغط “انتفاضة الاستقلال”، التي انطلقت بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، في 14 شباط 2005.
وأتى قرار الانسحاب في ظل احتجاجات شعبية في لبنان، أعقبت اغتيال الحريري في تفجير بالعاصمة بيروت، مع اتهامات لنظام الأسد بأنه وراء اغتياله، بالإضافة إلى اغتيالات متتالية استهدفت شخصيات سياسية وإعلامية وقتئذ.
لكن ما عُرف بـ “الوصاية السورية” التي بدأها حافظ الأسد عام 1976 وأنهاها نجله بشار عام 2005، تحولت إلى وصاية لحزب الله، فلم يتحول لبنان إلى بلد ديمقراطي مستقل، بل تمكنت إيران من السيطرة على القرار اللبناني عبر حزب الله وحلفائه، وتراجع نظام الأسد بشكل كبير.
وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، انشغل نظام الأسد في قمع المتظاهرين ثم دخل في حرب مفتوحة مع الشعب، تدخل على إثرها حزب الله لمساندته فيها وزاد من نفوذ إيران في الداخل السوري إلى جانب تقلص دور النظام السوري أكثر فأكثر في لبنان.
وترى الكاتبة السياسية السورية عالية منصور في حديث مع موقع “تلفزيون سوريا” أن نظام الأسد تراجع نفوذه في لبنان لصالح إيران، ومع الأسف لم تكتمل ثورة الاستقلال عندما رفض البطريرك الراحل نصر الله صفير إسقاط الرئيس السابق إميل لحود، فكان بقاؤه هو الثغرة التي أعاد النظام السوري التغلغل منها.
من خسر النظام السوري في برلمان لبنان؟
بالطبع لم يخسر النظام السوري كل حلفائه فما زال حزب الله وحركة أمل يحافظان على مقاعدهم كاملة في مجلس النواب اللبناني، إلا أنه كان لافتاً الخسارة المدوية لعائلات سياسية تقليدية صنعها نظام الأسد على مدار عقود ماضية.
فقد خسر السياسي حليف النظام السوري طلال أرسلان مقعده البرلماني الذي باستثناء خسارته عام 2005 توالت نيابته منذ عام 1992، وهو أحد أبرز خصوم وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، وأيضاً خسارة رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب. وكذلك الحال بالنسبة لفيصل كرامي ابن مدينة طرابلس، وإيلي الفرزلي نائب رئيس البرلمان. مع الإشارة إلى أن النتائج تأخرت كثيراً في الصدور وقد جرت محاولات للتلاعب بالأصوات خصوصاً لإنقاذ فرزلي من خلال تزوير صندوق اقتراع مرتبط بمناطق سيطرة النظام السوري في دمشق، لاحتساب أصواته له، ولكن تدخل مندوبي لائحة “سهلنا والجبل” حال دون أي تزوير.
كل هؤلاء ربطتهم علاقة وثيقة بالنظام السوري خلال حكم الأسد الأب، والابن، وخسارتهم البرلمان تعني أن نظام الأسد تراجع نفوذه الضعيف مؤخراً بشكل كبير في المجال السياسي اللبناني، خصوصاً مع ما يحتاج إليه من علاقات مع استمرار العقوبات الأميركية المفروضة عليه، باعتبار أن لبنان هي الحديقة الخلفية التي يتحرك منها اقتصادياً وتجارياً.
وفي رصد لوسائل إعلام النظام السوري، نجد أن تغطية الانتخابات البرلمانية اللبنانية لم تتجاوز مساحة الخبر البسيط، مع الإشارة إلى محافظة حزب الله وحركة أمل على مقاعدهم، وحصول أسماء جديدة على مقاعد.
وقالت صحيفة الوطن المقربة من نظام الأسد، إن “النتائج الحالية لا تسمح لأي كتلة بأغلبية مقاعد تخولها السيطرة على البرلمان وتشكيل حكومة، ما سيفتح باب تشكيل تحالفات جديدة، أو التوصل إلى حكومات ائتلافية، في وقت يحتاج فيه لبنان للعبور إلى الاستقرار السياسي في أسرع وقت ممكن”.
وقالت الكاتبة عالية منصور إنه “من المبكر الحديث عن رابح وخاسر في هذه الانتخابات، فجميع القوى الرئيسية أعلنت نفسها منتصرة، وصحيح أن بعض الوجوه المحسوبة على النظام السوري قد سقطت في هذه الانتخابات، ولكن على سبيل المثال شاهدنا أمس (فراس سلوم) نائباً جديداً عن مدينة طرابلس يدخل البرلمان عن قوى التغيير ويحتفل بانتصاره بأغانٍ تمجد بشار الأسد.
وأضافت أن خسارة النائب فيصل كرامي لمقعده في طرابلس وهو المحسوب على النظام السوري، تزامنت مع فوز النائب عن جمعية المشاريع الخيرية (الأحباش) طه ناجي بمقعد في طرابلس، لهذا أرى من المبكر الحديث عن خسارة محور ولكن بالتأكيد وجوه شهيرة بتأييدها لبشار الأسد قد خرجت من المجلس النيابي.
وأشارت إلى أن “قوى التغيير موقفها ليس واحداً لا بالنسبة للنظام السوري ولا بالنسبة لسلاح حزب الله”.
اللاجئون السوريون في لبنان
وما زالت أزمة اللاجئين السوريين في لبنان تشغل مساحة واسعة من تصريحات القوى السياسية في لبنان، المعارضة والموالاة على السواء، وإن كانت أكثر تشنجاً بالنسبة للتيار الوطني الحر، منها لحزب القوات اللبنانية، مع تأكيد الطرفين على ضرورة إعادتهم إلى سوريا، بل والدعوة للتنسيق مع نظام الأسد في سبيل ذلك.
ولا يلبث الرئيس اللبناني ميشال عون حليف حزب الله يكرر دعواته لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، محملاً إياهم الفشل الاقتصادي والأزمات التي يعاني منها لبنان.
وفي آخر تصريحاته في أيار 2022، حذر عون من ما سمّاها عمليات دمج “النازحين” السوريين – لا اللاجئين – في الدول المضيفة لهم، مؤكداً على ضرورة عودة الجميع إلى سوريا.
وأضاف: “نرفض رفضاً قاطعاً موضوع الدمج، ولبنان يؤكّد موقفه الثابت بضرورة عودة (النازحين) إلى المناطق الآمنة في بلادهم”.
وفي سياق ذلك، قالت عالية منصور، موضوع اللاجئين معقد، ولذلك علينا الانتظار لنرى كيف سيتم التعامل معه، فالقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، وإن كانت بكل تأكيد مؤيدة للثورة السورية ومناهضة لنظام الأسد، إلا أن موقفها من ملف اللاجئين غير واضح”.
وأردفت أن “بعض نواب كتلة القوات (زياد حواط مثلاً) الذين أعيد انتخابهم سبق أن طالب بالتنسيق مع نظام الأسد لإعادة اللاجئين، “ولنكن واضحين التعاطي مع ملف اللاجئين السوريين في لبنان تحديداً له أبعاد طائفية لا يمكن تجاهلها”.
ماذا عن السلطة التنفيذية الجديدة؟
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، ما شكل السلطة التنفيذية والأخص الحكومة التي يمكن تشكيلها، خصوصاً في ظل عدم وجود كتلة منفردة وموحدة في البرلمان؟
الكاتبة منصور أوضحت لموقع “تلفزيون سوريا” أن أشرف ريفي طرح نفسه كمرشح لرئاسة الوزراء، وأنا أعتقد أن الحكومة المشكلة ستكون لفترة قصيرة لأن الانتخابات الرئاسية على الأبواب، وأغلب الظن أن الحكومة التي ستعكس نتائج الانتخابات لن تكون الحكومة المقبلة بل حكومة ما بعد انتخابات الرئاسة.
وأضافت أن من الممكن أن يكون هناك فراغ رئاسي، ما يعني أن الحكومة قد تقوم بمهام الرئيس، وحينئذ لكل حادث حديث.
وأشارت إلى أن حزب القوات كان مشاركاً في أغلب الحكومات، وكذلك الحال بالنسبة لأشرف ريفي، وحضورهم بالمشهد التنفيذي لا يغير كثيراً من المشهد المتعلق تحديداً بالقضية السورية، وما أتوقعه أن تستمر سياسة “النأي بالنفس” المعلنة ويبقى كل طرف يمثل قناعاته.
هل من تغيرات في المشهد اللبناني؟
وتعتقد منصور أن “الانتخابات الجديدة، لن تغير شيئاً من المشهد السياسي العام في لبنان طالما أن هناك ميليشيا مسلحة تتحكم باللبنانيين”.
وأضافت أنه “قد تتغير بعض الأمور، مثل نسبة المقاطعة في مناطق الثنائي حيث كانت لافتة، وكذلك الحالة الاعتراضية على الحزب، ولكن سيبقى السلاح مسيطراً على الحياة السياسية التي يحكمها التوافق إلى أن تتم معالجة الأمر، وهذه مسألة تحتاج إلى توافقات وتسويات إقليمية ودولية.
ولفتت الكاتبة السورية إلى أن “هناك نقطة أساسية لا بد من التوقف عندها، ففي دائرة الجنوب الثالثة فاز المرشح فراس حمدان والدكتور إلياس جرادة من خارج لوائح الثنائية الشيعية ومن المناهضين لسلاح الحزب وكان أمراً لافتاً جداً يبنى عليه”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا