يمثل استخدام منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس-300” للمرة الأولى ضد الطيران الاسرائيلي خلال هجومه على أهداف إيرانية في الأراضي السورية، تطوراً لافتاً يشير بقوة إلى تفاقم الأزمة السياسية بين موسكو وتل أبيب بسبب الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي يضع التفاهمات بين الجانبين في سوريا على المحك، ويطرح أسئلة كبيرة حول فرص استمرارها، والسيناريوهات التي يمكن أن يؤدي إليها هذا التحول.
وكانت القوات الروسية قد أطلقت صاروخ “إس-300” على الطائرات الإسرائيلية في طريق العودة إلى قواعدها بعد الهجوم على مواقع للميليشيات الإيرانية شمال غربي سوريا نهاية الأسبوع الماضي، دون أن تحقق أي إصابات أو أضرار.
وبحسب تقرير للقناة 13 الإسرائيلية، فإن الحادث غير المسبوق وقع فجر السبت، عندما هاجم سلاح الجو الإسرائيلي أهدافاً عديدة بالقرب من مدينة مصياف بريف حماة الغربي، حيث تتمركز قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني، بينما توجد مختبرات لتطوير الصواريخ في مركز البحوث العلمية هناك.
الدلالات السياسية
القناة الإسرائيلية تساءلت عما إذا كان تفعيل المنظومة بمثابة “رسالة روسية إلى إسرائيل بأنها تغير سياستها”، خاصة وأنه يجري تشغيلها من قبل الجيش الروسي ولا يمكن إطلاقها دون موافقته.
تطور يأتي بمثابة إشارة قوية على عمق الخلافات والتوتر في العلاقات بين إسرائيل وروسيا بسبب غزو أوكرانيا، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل تفاهمات الطرفين في سوريا، وامكانية تصفية حساباتهما فيها، الأمر الذي يستبعده محمود الأفندي، وهو سياسي سوري مقيم في موسكو.
ويقول في حديث ل”المدن”: “روسيا لا يمكن أن تواجه إسرائيل في سوريا لأن مصالحها في هذا البلد غير مهددة من قبل اسرائيل، وبالتالي لا يمكن أن تقوّض علاقاتها مع تل أبيب حتى وإن كانت متوترة وفي حالة سيئة بسبب القصف الاسرائيلي على أهداف سورية أو إيرانية”. ورأى أن ما حدث بمثابة رسالة تطالب بالحد من القصف وليس إنهائه أو إيقافه بشكل تام.
ويضيف الأفندي “بين موسكو وتل أبيب تنسيق بحكم السيطرة الروسية على الأجواء السورية من جهة، والضمانات بإبعاد القوات الإيرانية عن حدود الجولان المحتل لمسافة 30 كيلو متراً من جهة أخرى، ولذلك فإن إسرائيل هي الأكثر حاجة لاستمرار هذا التنسيق”، موضحاً أن “روسيا يزعجها أن تتكثف الهجمات الإسرائيلية داخل سوريا بهذا الشكل بعد أن كان الأمر يقتصر على هجوم واحد كل ثلاثة أسابيع أو كل شهر، وبالتالي فإن ما حدث هو إشارة للتعبير عن نفاذ الصبر الروسي تجاه زيادة عدد الهجمات الاسرائيلية، ولا أبعاد أخرى خارج هذه المعادلة، وإلا لتم استخدام منظومة إس-400 الأكثر تطوراً والتي تشكل تهديداً حقيقياً على الطائرات الاسرائيلية”.
وكان الجيش الاسرائيلي قد توقف لأكثر من شهر قبل الهجوم الأخير، عن استخدام الطيران في قصفه أهداف داخل سوريا، واستعاض عن ذلك بصواريخ متوسطة المدى من طراز أرض-أرض في هجومين سابقين هذا الشهر، أحدهما بريف القنيطرة والآخر على مطار المزة قرب دمشق، الأمر الذي رأى فيه البعض مؤشراً على حصول تل أبيب على معلومات تفيد باحتمال استخدام منظومات الدفاع الجوي الروسية الموجودة في سوريا ضد طائراتها، بالتزامن مع التوتر القوي بين البلدين بسبب الحرب في أوكرانيا.
لكن الأفندي، وهو الأمين العام ل”حركة الديبلوماسية الشعبية السورية”، يرى أن لدى موسكو خيارات أخرى غير المواجهة المباشرة مع تل أبيب رغم كل الأدلة التي لديها عن دعم المخابرات الإسرائيلية للجيش الأوكراني، وعلى رأس الخيارات التي قد يلجأ إليها الروس هو تسليم الجيش السوري منظومة “إس-300” بالكامل، وعندها يمكن القول إن الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا أصبحت من الماضي ولن يتم التجرؤ على تكرارها.
تفوق تقني إسرائيلي
ولدى روسيا نسختان من منظومات الدفاع الجوي في سوريا “إس-300” و”إس-400″، وبينما تتحكم قوات النظام جزئياً بالمنظومة الأولى، تسيطر القوات على الثانية بشكل كامل، لكن لم يسبق أن استخدمت أي منهما حتى الآن، ولذلك يعتبر تفعيل “إس-300” مؤخراً تحولاً مهماً يمكن أن يغير قواعد اللعبة في سوريا.
إلا أن المحلل العسكري عبد الباسط الطويل يقلل من أهمية ما جرى، مشيراً إلى أن منظومة “إس-300” لا تشكل أي خطر على الطيران الاسرائيلي حتى القديم منه، مثل “إف-15” و”إف-16″، ويعتبر أن الحديث عن تحول يمكن أن يكون واقعياً فقط عند استخدام منظومة “إس-400” وهذا مستبعد.
الطويل، وهو عقيد منشق عن جيش النظام، يقول أيضاً: “نحن أمام فرضيتين حتى الآن، الأولى أن روسيا استخدمت بالفعل منظومة الدفاع الجوي إس-300، وهو ما لا يمكن تأكيده ولا يمكن نفيه، والثانية أن المنظومة استخدمت بالفعل لكن بشكل صوري ولحفظ ماء الوجه، أو لتوجيه رسالة سياسية لا أكثر”.
ويضيف ل”المدن”، “من المنظور القتالي العسكري فإن إسرائيل تستخدم طرازين من الطيران هما إف-15 وإف-16، في توجيه ضرباتها الجوية للمواقع الإيرانية في سوريا، وهما طرازان من الأجيال المتوسطة إلى القديمة مقارنة بإف-35 الحديثة والتي من الصعب جداً تتبعها واكتشافها من قبل وسائط الرادارات الروسية بشكل عام، لكن حتى الطرازان الأقدم لا يمكن لمنظومة إس-300 الحاق الضرر بهما”، لافتاً إلى أن “إسرائيل تمتلك قدرات تقنية على التشويش المبكر على الرادارات بل وحتى توجيه ضربات استباقية تدميرية لها قبل أن تستهدف قواها الجوية، وبالتالي فإنه طالما ليس هناك حديث عن تفعيل إس-400، فنحن أمام رسائل عتاب بين موسكو وتل أبيب ولسنا حيال انهيار كامل للتفاهمات أو ما شابه”.
لطالما توقع الكثيرون أن تكون سوريا ميدان الترجمة العملية لأي توتر في العلاقات بين الغرب وروسيا، أو بين الأخيرة وتل أبيب بسبب تطورات الازمة الأوكرانية، وعلى الرغم من محدودية المخاطر التي يشكلها استخدام منظومة “إس-300” للمرة الأولى ضد الطائرات الإسرائيلية المغيرة على أهداف داخل الأراضي السورية، ورغم أن الاستخدام كان شكلياً، ألا أنه لا يمكن إغفال أنه تطور مهم قد يؤسس لما هو أخطر.
المصدر: المدن