ملاحظات في سلسلة اللقاءات التشاورية في ستوكهولم

مأمون خليفة 

  بداية يمكننا القول إننا في المبدأ مع كل لقاء وطني يهدف إلى كلمة سواء يجتمع عليها الطيف السوري، لينهي الآلام الجسام المفروضة على شعبنا جراء الانكسار والاستعصاء المتصلب بواقع تمزق الجماعة الوطنية السورية، إلى درجة باتت لا ترى بنفسها القدرة على مواجهة هذا الواقع، تستسلم وتسلم إرادتها للقوى الخارجية الطامعة المتدخلة بالشأن السوري، بشؤونها المباشرة، وتتحول لأدوات تمرر من خلالها تلك القوى مصالحها بتكريس واقع الانسداد الوطني المطبق على السوريات والسوريين.

ولعل مسلسل اللقاءات التي كانت بداية – المحرك المبادر الرئيس فيها مجلس سورية الديمقراطية (مسد)، يتطلب عناية خاصة لتحديد تلك الملاحظات تبعاً لطبيعة التحول بخطاب مسد وتحركه بعد استهلاك المراحل التي تتبع المصالح الأمريكية بالأساس لا مشروع “دولة روجآفا” المتصور، ذلك بالبحث عن أرضية وحاضنة من “القوى والشخصيات الديمقراطية” السورية بعد الفيتو الأمريكي على النظام الأسدي.

 في البداية أيضاً أرى من الأهمية إبراز الفروق والتداخل بين قوات سورية الديمقراطية ومجلس سورية الديمقراطية بين قسد ومسد (بين القوات والمجلس):

* قسد (قوات سورية الديمقراطية) هي نفسها قوات حماية الشعب الكردي، وأضافت لها ما يسمى قوات حماية المرأة، وتشكيلات هامشية أخرى، تحت اسم مشاركة عربية أو سريانية، وقامت بتبديل اسمها في بداية ٢٠١٦ إلى (مسد) بناء على رغبة أمريكية من أجل إعلان  الحرب على داعش، وذلك بعد أن بات اسم  (ي ب ك) مرتبطاً بسلسلة جرائم حرب، ومجازر، وإدانات، من منظمات دولية، كما كانت محاولة لتخفيف الصورة النمطية عن الارتباط  ب”حزب العمال التركي” في محاولة لاحتواء حدية الموقف التركي آنذاك.YPG

*مسد (مجلس سورية الديمقراطية) هو النموذج الإداري والسياسي لما يسمى الإدارة الذاتية، تم تشكيله بعد قسد وعلى أثر انطلاق مؤتمر الرياض ٢ الذي تم استبعاد حزب الاتحاد الديمقراطي منه، والذي على إثرها قام بتجميد عضويته في هيئة التنسيق، ثم عقد مؤتمر بالتنسيق مع هيثم مناع، ممثلا عن تيار قمح، وبات أول رئيس مشترك لمسد! كذلك ضم مجلس “مسد” بعض الشخصيات العربية والسريانية الأخرى الشكلية المتماهية مع مشروع الإدارة الذاتية.

 الجدير بالذكر أن اللقاءات المسماة بالتشاورية التي حطت في ستوكهولم هي في حقيقتها حوارات بين طرفين رئيسيين هما “مسد ومجموعة من الشخصيات العربية” ـ باستثناء البعض مِمن سار مع مسد منذ نشوئهاـ غالبها لغاية الآن بحسب المتابعة يعبر عن تفاؤله بهذا المشاورات إن أنتجت توافقات ضمن حدود الحفاظ على وحدة التراب والشعب السوري،  وأنها طريق يمكن أن يؤدي إلى مؤتمر سوري عام وجامع  لاستئناف النضال الثوري السوري، بعد أن شاركت بتفشيله وكسره لغاية الآن عملياً المؤسسة الشوهاء “للمعارضة السورية الرسمية” التي بدأت كمجلس وطني ومن ثم تمظهرت كائتلاف لقوى الثورة والمعارضة .

أعود للتأكيد أننا مع كل حوار بنّاء ومنتج لكن بشرط أن تتوفر الشروط والمناخات التي تجعله بناءً ومنتجاً بعد أن جرت مياه  كثيرة على حساب وحدة العمل الوطني السوري، فإلى جانب ممارسات النظام بعد أن تمكنت أجهزته من تصفية الطليعة المفجرة  للثورة السورية العابرة والمتجاوزة لكل التشكيلات التنظيمية و الحزبية السورية، إضافة للجانب الآخر الذي تسابقت فيه تلك القوى على الانضواء تحت تجربة كان أفقها الأعلى الوثوب إلى السلطة عقب تدخل خارجي يطيح بالنظام ، أثبتت التجربة أن لا مصلحة لتلك القوى المتحالفة مع إسرائيل بإسقاطه، مما أدى إلى واقع فتح عملياً كوة كبيرة تمكن أصحاب المشاريع الخاصة التي تحمل دعاوى إيديولوجية لا تلتقي بالطبيعة والبنية مع مستهدفات ثورة السوريين من النفوذ إلى واقع العمل السياسي الوطني السوري  مما أوصله  إلى حافة المخاطر على وحدة الجغرافيا السورية وعلى وحدة الشعب السوري .

  كما تمكنت القوى الخارجية إقليمية ودولية، من إستنبات قوى طفيلية لها مشاريعها الخاصة، ولا تمت بصلة إلى الإرادة الشعبية التي كشفت عن نفسها بالانفجار السوري الكبير في مراحل الحراك الأولى.

ومع استمرار فعل وتأثير القوى الإقليمية ، وسط هذه الصورة المعقدة والمتشابكة ، القوى التي تشارك بتشكيل خريطة الساحة السورية، كما تشكل تحدٍ كبير لها، وباتت بحكم وجودها وتأثيرها ترسم حدوداً لما يمكن أن نفعله على مستوى القوى السورية العاملة في إطار المعارضة، وعلى مستوى العلاقات والقوى الإقليمية والدولية، وحتى على مستوى العلاقات مع النظام نفسه في إطار الجهود المبذولة لتحريك عجلة القرارات الدولية المعطلة بشأن الحلول السياسية للمعضلة السورية، ولأننا لا نملك ترف إضاعة أي جهد، أو أي وقت، أو أية فرصة، فإن علينا التعاطي بإيجابية مبدئية مع كل حراك يَعِدُ ولو بنسبة ضئيلة بكسر واقع الاستعصاء الذي بات مستحكماً وشبه خارجاً عن إرادة الوطنيين السوريين، مع الحرص والتنبه كي لا توظف مشاركات الوطنيين السوريين  ـ الهادفة إلى تجاوز حالة  الاستعصاء وإنهاء الآلام التي تعتصر شعبنا –  لتمرير مواقف لا تتوافق مع إرادة ومصالح شعبنا ولا للتغطية على الظروف الاستثنائية التي تمر بها بعض القوى، فتكون تلك المشاركات وبخلفياتها النبيلة مطية لها  تعبر عليها لتجاوز تلك الظروف .

 وعليه فإن الذي يطرح نفسه بهذا السياق هو الاتفاق على صيغة تصون هذا الحوار وتوصله لأهدافه النبيلة باستعادة المبادرة الوطنية لإستئناف وإستكمال الحراك الثوري كما رسمته طليعة الثورة السورية الشهيدة تحت عنوان “الشعب السوري واحد”.

ولما كان الحوار الذي حط في إستوكهولم عملياً ـ كما أراه من موقعي المتواضع ـ أخذ إيقاعاً واتجاها لا يؤدي إلى الأهداف المعلنة المرجوة منه، بعد أن رشح عن بعض المتحاورين: بأنهم يسيرون على الطريق الصحيحة التي تؤسس للبنى التحتية بالإتفاق على المفاهيم التأسيسية العامة التي تمهد للاتفاق الوطني، وأنهم قد غطوا عنوان اللامركزية في اللقاء الثاني (دون أن يصدر عنهم تحديد واضح لها مؤسس على الوطنية السورية بوحدة الأرض والشعب)،وأن  لقاء ستوكهولم الثالث سيخصص للبحث في الهُوّية  . !!

ولما كانت مسد الشكل الإداري والواجهة السياسية للمناطق المسيطرة عليها قسد  (التي تتحكم بمجمل مفاصلها  قيادات الحزب الكردستاني التركي) هو طرف رئيس في هذا الحوار، وهو طرف له أجنداته واستهدافاته من قبل انفجار ثورة الشعب السوري في ربيع 2011 ، أجندات واستهدافات لا تمت بصله إلى روح ثورة الشعب السوري ، وتقدم نفسها تحت شعارات وعناوين  ك – “روجافا، وفيدرالية غرب كردستان  والتبعية لمنظومة الكومونات الكردستانية”، وغيرها  التي تلحق وتتبع المناطق التي تسيطر عليها قسد  في الشمال السوري كأمر واقع، إلى امتدادات تتجاوز الحدود السورية .. إلى غيرها من العناوين التي لا تتصل بالثورة السورية من نواحي المنطلقات والمستهدفات.  فإن ذلك يتطلب تعاطياً مسؤولاً يعطي هذا الحوار السياق المنسجم والموصل إلى مستهدفاته الوطنية المعلنة .

واستنادا لما سبق فإني لا أرى بداً  من البحث عن صيغة تسوّغه  وتعطيه مشروعية الاستمرار، وضمانة عدم الخروج عن مستهدفاته، أو الوقوع في الشطط المربك طالذي يحوله  إلى “همروجة” لا تختلف عن “همروجة” اللجنة الدستورية التي وصلت لمحطتها الوظيفية الأخيرة بإعطاء الوقت، كل الوقت، للنظام الأسدي المراوغ  لينفك عن استحقاق  تطبيق المقررات الدولية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية التي تديرها أداة حكم تملك كامل الصلاحيات التنفيذية .

لا أرى بداً من وضع حدود جلية واضحة  تشكل الأساس الوطني الذي يضع التصورات الجامعة ل”سورية الواحدة غير القابلة للقسمة وللإنفصال”، حدودا تتحمل  كل ألوان الطيف الوطني السوري، مسؤوليات الدفاع عنها، حدوداً تُخلّق المناخات الإيجابية الضامنة لكل حوار يستهدف استعادة إرادة الفعل الثوري لتحرير سورية أرضاً وشعباً  سورية  الوطن الواحد لكل السوريين :

 1- سورية دولة مواطنة ولجميع السوريات والسوريين، بكل مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية ، وطن واحد لا يقبل القسمة ، وأن روح  ووظيفة  الدستور السوري هو المعيار لضبط  أداء  السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية  ومختلف مؤسسات الدولة ،  وتقف حدوده على مسافة واحدة من مختلف التكوينات الاجتماعية وانتماءاتها الدينية  والمذهبية و العرقية

 2- أن إدارة مؤسسات الدولة السورية من قمة السلطات الثلاث إلى كافة مؤسساتها الفرعية حق لكل السوريات والسوريين بغض النظر عن الانتماءات العرقية أم الدينية والمذهبية .

3- عدم السماح بفرض مناخات واقع انكسار الثورة الراهن على أجواء أي حوار وطني سوري بحيث يسمح لهيمنة  واقع الانكسار على مسارات أي حوار ، أو يكرس واقعاً  يصب بالمآل لصالح الفكرة الانفصالية ، أو يكرس واقع الانكسار أو الانفصال  بعد اجتثاث السلطة الأسدية المجرمة، أو تلك التي تلبي مصالح قوى الخارج من محتلين ومتدخلين، تتناقض بالطبيعة مصالحهم مع مصالح حرية وتقدم الشعب السوري الواحد المستقل والسيد .

4- أن أولويات الوحدة الوطنية تظهر في تحرير سورية من كل القوى الأجنبية وإعتبار كل الجيوش الأجنبية والتشكيلات الطائفية  أو الحزبية الرديفة لها قوات احتلال للوطن السوري ولا فرق بين القوات الأمريكية أو الروسية أو الإيرانية مع تشكيلاتها الطائفية  كحزب الله الذي يمثل أداة متقدمة  للمشروع الإيراني العدواني  أو التركية بنوعيها الرسمي والحزبي كونها جميعا قوات احتلال .

5- إلغاء كل الإجراءات “التنظيمية والإدارية والأمنية” التي اتخذتها سلطة قسد في المناطق المسيطرة عليها كأمر واقع :

 بداية بنظام الكفيل، ومروراً بإلغاء القرارات التعسفية من تهجير سكان المناطق المختلفة إلى مناطق أخرى لإجبارهم على الهجرة، إعادة الممتلكات من مساكن وأراضي زراعية لأصحابها.  والتوقف عن استغلال حاجة الشباب لمتطلبات الحياة المعيشية ولإطعام ذويهم بإجبارهم على التجنيد بصفوف قوات قسد ضمن محاولات تضخيم وتكريس الأمر الواقع الغير شرعي، وصولاً لإلغاء نظام التعليم التعسفي، وإلغاء كل الإجراءات المتعلقة به، دون المساس بحق الكرد، أو الآشور والسريان، أو الأرمن، من تعلم لغتهم، وممارسة طقوسهم القومية، وإغناء ثقافتهم،  ضمن وحدة الطيف السوري ، باعتبار تنوعه غناً وقوة وقدرة على تعبئة الموارد البشرية والمادية للتعجيل بعمليات إعادة البناء الوطني وبنيته التحتية المادية والبشرية الحديثة .

6- قطع كل العلاقات التنظيمية السياسية والعسكرية مع حزب العمال الكردي التركي واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتطبيقه بصيغة لا تقبل التأجيل أو التعتيم أو أي صيغة تضعف من أولوية تحقيق ذلك .

7- إلغاء كل الإجراءات والتقسيمات الإدارية التي لها إتجاه الانفصال عن روح انتماء تلك المناطق للوطن السوري .

8- تؤول إدارة المنطقة لسلطة وطنية موقته يتم اختيارها عبر مؤتمر سوري عام لتأخذ تلك المناطق مشروعية تسمية المناطق المحررة عن سلطة النظام الأسدي المستبد الفاسد .

9- تحكم المناطق الجغرافية لدولة المواطنة في سورية المستقبل القادم بنظام “الإدارات الذاتية المحلية”، التي يقرر الشعب السوري طبيعتها، ويشمل ذلك كل الجغرافيا السورية، ولا تقام هذه المناطق على أي أساس عرقي أو ديني أو مذهبي، وتتمركز إدارات السياسات الخارجية والدفاعية والاقتصادية المالية في عاصمة الدولة السورية ، وللمؤتمر الوطني السوري العام تحديد السلطة التشريعية الموزعة على برلمان ومجلس شيوخ لضمان متابعة حقوق المناطق وخصوصياتها على أساس جغرافي .

10- وحدة سورية الجغرافية والسيادية والأمنية، وشمول مفهوم المواطنة بحيث تبقى سورية وطناً لكل السوريين “تنقلاً وتملكاً وعملاً” بحيث لا يفرق بين السوريات والسوريين في حقوقهم وواجباتهم أي انتماء ديني أو عرقي أو طائفي ومذهبي .

 إنها نقاط عامة ( متعلقة بسلسة حوارات ستوكهولم) لا أزعم أنها تكتسب صفة الكمال أو الشمول، إنها مقترحات لندوة ستوكهولم القادمة وللمجتمعين تطويرها وإغنائها،  ومن ثم  تصدر عن المجتمعين كبيان صحفي يمثل دليل حوار وعمل يمكن أن يؤسس لمؤتمر وطني سوري حقيقي وجامع مرجعيته السوريين كل السوريين بكل ألوان طيفهم الجميل  .

      وسورية الواحدة أرضاً وشعباً من وراء القصد ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى