تصاعد التوتر بين غرفة العمليات الموحدة “عزم” وهيئة تحرير الشام شمال غربي سوريا، إذ تهدد الأخيرة باجتياح المنطقة التي تسيطر عليها الفصائل في ريف حلب، بحجة إيوائها فصيل جيش الإسلام أحد مكونات “عزم”، والذي تعتبره تحرير الشام عميلاً لنظام الأسد، ويشكل خطراً على قادتها والمقربين منها والذين يتنقلون في منطقة ريف حلب.
وبدأ التوتر بين الطرفين منذ بداية أيار/مايو، عندما اتهمت تحرير الشام جيش الإسلام بالتحضير لحملة اعتقالات تستهدف شخصيات تابعة لها ومقربة منها في مناطق سيطرة الفصائل بريف حلب. ودعا قادة في تحرير الشام الجبهة الشامية التي تتزعم غرفة “عزم” إلى طرد جيش الإسلام من صفوف الغرفة “قبل أن يتسبب بتفكيكها وخسارة المنطقة لصالح قوات النظام كما فعل في الغوطة الشرقية”.
وقال القيادي في تحرير الشام ثائر شامي على “تلغرام”: “جيش الاسلام الذي سلم من ناره قصر الأسد في دمشق وحماه لسنوات يحضر لحملة أمنية ليس على خلايا الأسد وقسد بل على مجاهدي هيئة تحرير الشام “. وأضاف “جيش الإسلام يعيث فساداً شمال حلب بعد أن فعل ما فعل في غوطة دمشق، فأين الأحرار وطلاب العلم والشخصيات الثورية من تعرية هذه الفئة الضالة التي تريد تكرار ما فعلته في الغوطة والذي سينتج عنه قتال ودماء ونتائج لا تصب إلا في مصلحة النظام”.
وصعّد فريق في تحرير الشام ضد جيش الإسلام مهدداً باجتياح ريف حلب في حال اعتقال شخص واحد يتبع لها، ويرى فريق آخر أن الزحف نحو المنطقة التي تسيطر عليها الفصائل بات ضرورة لتوحيد المناطق المحررة، ومن بينهم السلفي الفلسطيني نائل بن غازي الذي اعتبر أن “خطوات البناء لمناطق شمال غربي سوريا تتمثل في وحدة القرار السياسي والعسكري وبالتالي وحدة التمثيل الداخلي والخارجي، وذلك يقتضي وفق بن غازي منع اختراق مناطق السيطرة، والزحف المدروس نحو المناطق التي تشكل عقبة في طريق الانتشار والبسط، ويقصد مناطق سيطرة الفصائل بريف حلب”.
وقالت مصادر عسكرية في غرفة “عزم” ل”المدن”، إن “حجة جبهة النصرة بالتجييش ضد مناطق سيطرة الفصائل بريف حلب بشكل عام والجبهة الشامية بشكل خاص بذريعة وجود جيش الإسلام كحجة المليشيات الإيرانية التي جاءت إلى سوريا بذريعة الدفاع عن المراقد المقدسة”. وأوضحت المصادر أن “تصعيد تحرير الشام الأخير يهدف إلى التغطية على فضيحة تسلل أمنييها إلى ريف حلب بأسماء مقاتلي فيلق الشام، والعملية كشفها الفيلق بداية شهر نيسان/أبريل، وغالباً تم الكشف عن تورط تحرير الشام في تدبير عمليات أمنية في ريف حلب”.
وتولى أبو عمر الهاشمي أحد قادة جيش الإسلام مهمة الرد على اتهامات تحرير الشام، وأكد أن الجيش لم يعِر أي اهتمام لحملة التشويه التي تشنها ضده تحرير الشام لأنها ليست جديدة، وقال الهاشمي في تغريدة: “ننصح أهلنا في الشمال المحرر الحذر من هذه الحملات الدعائية الرخيصة التي تهدف لزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى، والتنبه إلى المآرب الرخيصة لمثل هذه الحملات التي عهدناها منهم سابقا، ونؤكد على المتنفذين في ما يسمى تحرير الشام بالكف عن افتعال المشاكل وتأجيج العداوات والافتراء على الآخرين وسوق الذرائع المضللة التي من شأنها زيادة التوتر ودفع المنطقة نحو عدم الاستقرار”.
وأضاف الهاشمي “نحذر تحرير الشام من أي اعتداء جديد قد يدخل المنطقة المحررة كلها في أتون اقتتال لن يستفيد منه سوى العدو المحيط بنا من كل جانب ولا ينعكس ضرره سوى على ثورتنا وأهلنا في المناطق المحررة”.
وفي تحرك استفزازي تداول الإعلام الرديف في تحرير الشام، الأحد 8 أيار/مايو صوراً حصرية من مدن الباب وبزاعة ومواقع أخرى في ريف حلب الشمالي الشرقي، وهي مناطق ينتشر فيها مقاتلو جيش الإسلام ويقيم فيها القسم الأكبر من عائلاتهم. ولمّحت الحسابات التابعة لتحرير الشام في مواقع التواصل الى أن عناصرها والأشخاص المحسوبين عليها في ريف حلب يتجولون بحرية وفشل جيش الإسلام في تنفيذ حملة الاعتقالات التي هدد بإطلاقها بعد أن عقد قادة في تحرير الشام اجتماعاً مع قادة في غرفة “عزم” تم خلاله التوصل لاتفاق ينص على التهدئة وخفض التوتر، وأن قادة الأخيرة أبدوا استعدادهم للتعاون مع تحرير الشام في الملفين الأمني والعسكري.
وقال مصدر عسكري معارض ل”المدن”، إن “قادة في الجبهة الشامية التي تتزعم غرفة عزم اجتمعوا ليل الأحد/الاثنين بقادة من تحرير الشام، واتفقوا على التهدئة ووقف التصعيد الإعلامي الذي كاد أن يأخذ المنطقة المحررة إلى اقتتال داخلي عنيف وواسع لا تحمد عواقبه”.
الصدام بين جيش الإسلام وتحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) ليس جديداً، فقد شهدت الغوطة الشرقية بريف دمشق قبل العام 2018 وتهجير الفصائل نحو الشمال، الكثير من المواجهات الدموية التي قتل فيها المئات من الطرفين، والتي كان فيلق الرحمن طرفاً فيها أيضاَ.
بعد وصول جيش الإسلام إلى الشمال السوري ظل محتفظاً بعداوته لتحرير الشام، ومنع عناصره من دخول إدلب، وبعد انضمام الجيش إلى صفوف غرفة “عزم” أواخر العام 2021 ساءت العلاقة بين تحرير الشام والجبهة الشامية، واتهمت تحرير الشام الجيش بالتجييش ضدها، ومنع الشامية والفصائل الأخرى من فتح قنوات اتصال معها، ودفع الفصائل إلى رفض التعاون معها في الملفات الأمنية والعسكرية التي من المفترض أن تخدم عموم مناطق سيطرة المعارضة.
وقال مصدر عسكري معارض ل”المدن” إن “انفتاح الجبهة الشامية التي أسست غرفة عزم على تحرير الشام ومن ثم الانقلاب ضدها لم يكن بسبب تحريض جيش الإسلام وحده، إنما سببه أيضاَ صعود الإسلاميين المناهضين لتحرير الشام إلى الصف الأول في قيادة فصائل عزم، وهؤلاء مقربون من أبو أحمد نور الذي أعيد انتخابه قائداً للشامية وعزم، وهم بقايا حركة أحرار الشام المنشقين، وعدد من الإسلاميين المستقلين، والإسلاميون الذين كانوا يتبعون لفصائل معارضة فككتها تحرير الشام خلال السنوات الماضية خلال الحملات العسكرية ضدها، كما حصل مع حركة نور الدين الزنكي وصقور الشام وجيش المجاهدين وغيرهم”.
وأضاف المصدر أن “عودة الإسلاميين المناهضين لأبو محمد الجولاني إلى المنطقة وتبوئهم مناصب قيادية في عزم أقلق تحرير الشام، وبدا ذلك في موقفها الرافض لمحاكمة أبو عمشة، زعيم فرقة سليمان شاه، ومن ثم محاولتها التقرب من هيئة ثائرون للتحرير، كل ذلك بهدف إضعاف عزم تفكيكها والتضييق على الإسلاميين الذين يحاولون تأسيس مشروع منافس لمشروع تحرير الشام ويدفعون باتجاه عزل مناطق الفصائل، ورفض أي محاولة اندماج بينها وبين إدلب في الناحيتين المدنية والعسكرية.
المصدر: المدن