ما سرّبته مصادر إسرائيلية قبل أيام عن زيارة للرئيس جو بايدن إلى القدس المحتلة ورام الله في يونيو/حزيران المقبل أكّده، الخميس، السفير الأميركي في إسرائيل توماس نايدز، خلال مقابلة مطولة مع الخبير في الشأن الفلسطيني – الإسرائيلي آرون دافيد ميلر، من مؤسسة كارنيغي للدراسات بواشنطن. كذلك تحدّث السفير الثلاثاء في ندوة عُقدت برعاية “مجلس أتلنتيك” للأبحاث في واشنطن. إطلالته المكررة في غضون ثلاثة أيام بدت لافتة، كونها جاءت بعد الكشف عن الزيارة التي لم يتحدّد موعدها بعد، وتردد أن تكون سريعة بحدود 24 إلى 36 ساعة.
اللافت في المرتين أن السفير اعتمد الخطاب نفسه تقريباً الذي كان يردده جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب الذي أشرف على هذا الملف، خصوصاً لناحية تركيزه على أهمية “اتفاقيات أبراهام”، وضرورة “تعزيزها لتصبح أوسع وأعمق، وبما يجعل إسرائيل أقوى والمنطقة أكثر أماناً”. كذلك أسهب في التشديد على أهمية الجوانب “الاقتصادية والتجارية والسياحية في العلاقات بين بلدان الاتفاقية”، مؤكداً وجوب العمل على “خلق البيئة الكفيلة بتوليد” زخم التقارب والتعاون الأمني “المتوقع بين أطرافها”، معرباً عن تفاؤله “بتزايد أرقام التبادل وحجم الزيارات” في المنطقة من إسرائيل وإليها.
في المقابل، كانت حصة الشعب الفلسطيني من حديثه “مساعدات اقتصادية وصحية وتعليمية. لخلق الزخم – كلمة شدّد عليها – المطلوب”. تقزيم متوارث لقضية الشعب الفلسطيني وتحويلها من حق وطني إلى مسألة تحسين أوضاع معيشية، وبذلك تبنّت الإدارة المقاربة ذاتها التي تبنّاها مستشار ترامب السابق وصهره جاريد كوشنر الذي كان يشدّد بصورة رئيسية على هذا الجانب.
وفي طريقه أعرب السفير، بصورة خاطفة، عن “عدم دعم الإدارة للمستوطنات”، من دون تلويح ولا حتى التلميح إلى أي ثمن لاستمرار الاستيطان. كما مرّ مرور الكرام على “حل الدولتين” أيضاً، من غير أي التزام للإدارة بتحقيقه. ومرّ بصورة أسرع على موضوع القنصلية الأميركية في القدس الشرقية التي “نريد” إعادة فتحها كما قال. كلام ما زالت تردده الخارجية منذ مجيء بايدن، في مضمونه لا يختلف عن خطاب إدارة ترامب، قبيل وبعد “اتفاقيات أبراهام”. في معظم السياسات، انقلب بايدن كلياً أو جزئياً على تركة سلفه، إلّا في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي الذي بقي على حاله مثلما بقيت وعوده في هذا الشأن على حالها. سفيره قدّم الزيارة وكأنها جولة استطلاعية لساحة قال إن بايدن “يعرفها ويفهمها جيداً ولا يحتاج إلى نصيحة من سفيره حول المطلوب منه أن يعمله” خلالها.
لكن المعروف أن الإدارة لا تملك مشروعاً أو تصوّراً لإحياء “عملية السلام” التي صارت في خبر كان. بايدن اعترف قبل مدة بأن الظروف غير مؤاتية لحلّ الدولتين الذي “ما زال بعيداً”، بحسب تقديره. وبالتالي فهو بالانتظار. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بدّ أن يكون للزيارة غرض آخر أو أكثر. ما ليس خافياً أن واشنطن منزعجة من الموقف الإسرائيلي الباهت إزاء حرب أوكرانيا، ومنزعجة أكثر من “التشويش” الإسرائيلي على مفاوضات فيينا التي يراهن بايدن عليها. لا سيما أن ثمة إشارات على بصمات إسرائيلية في حراك أو ربما تحريك الكونغرس ضد العودة إلى اتفاق 2015 النووي، مع المطالبة بالانسحاب من مفاوضات فيينا والضغط لعدم رفع العقوبات عن إيران. في ظل هذه الأجواء، من المستبعد أن تكون الزيارة عادية. ومن المستبعد أكثر أن تكون بغرض التباحث في خطوة نوعية تتعلق بالحقوق الفلسطينية. المرجح أن تكون زيارة تصحيح التموضع في زمن القضايا الفاصلة.
المصدر: العربي الجديد