عقب عملية “العاد” التي وقعت ليلة الخميس ووسط حالة ارتباك ودهشة تتعالى الدعوات داخل إسرائيل للانتقام ولاغتيال قائد حركة “حماس” في قطاع غزة يحيى السنوار من أجل “وقف النزيف وردع الإرهابيين”.
وعبر عن رؤية كتبة الأعمدة والمقالات الإسرائيليين الكاتب الصحافي بن كاسبيت في مقال نشرته صحيفة “معاريف” دعا فيه الى محاسبة السنوار عدا ونقدا معتبرا أنه قد حان الوقت لإدخاله قائمة المطلوبين والسجل الأحمر مذكرا بأن تهديد حسن نصر الله بالاغتيال أدخله نفقا لم يخرج منه منذ 2006 وردعه عن التحرش بإسرائيل. وقد تبعه في الدعوة للاقتصاص من قادة حماس المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” شيمون شيفر. في المقابل كشف النقاب أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تحاول فهم طبيعة هذه العملية من أجل التعرف على منفذيها والتثبت مما إذا كانت حركة حماس وراء العملية التي باركتها أو تنظيم الدولة (داعش) مقارنة مع عمليات سابقة انطلقت في مارس/آذار الماضي. ونقل موقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إنه لا توجد علاقة بين العملية وبين دعوة قادة حماس لتنفيذ عمليات منوها لوقوع أربع عمليات سبقت دعوة يحيى السنوار. وتابع: “هذه هي العملية الخامسة داخل المدن الإسرائيلية ولذا من غير المؤكد أن تكون هناك علاقة بين العملية الأخيرة وبين دعوة السنوار الذي لم يتوقف يوما عن التحريض.
وكان السنوار دعا قبل أسبوع الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر لحيازة بندقية أو سكين أو بلطة وعلى خلفية تكرار الانتهاكات والاقتحامات في الحرم القدسي الشريف. وقال: “إن رغبوا بحرب دينية فقد تخطوا وكسروا كل الخطوط الحمراء”.
تطبيق لتحذير المقاومة
وعقب العملية قال الناطق بلسان حركة “حماس”، حازم قاسم، إنها جزء من “غضب شعبنا على اعتداءات الاحتلال بحق المقدسات مشددا على أن اقتحام المسجد الأقصى لا يمكن أن يمر دون عقاب”. واعتبر قاسم عملية العاد تطبيق عملي لما حذرت منه المقاومة بأن الأقصى خط أحمر. وتابع: “نحن أمام حالة نضال متكاملة ومستمرة في كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني. لا يستطيع الاحتلال إخماد الجبهات في غزة والضفة والداخل المحتل”. من جهتها قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن العملية “تعبير مكثف عن رد شعبنا ومقاوميه على الاعتداءات والاقتحامات للأقصى ومحاولات تهويد القدس”.
وفي أول تعقيب له قال رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت إن أعداءنا قاموا من أجل حملة قتل يهود لمجرد كونهم يهودا بهدف كسر روحنا المعنوية لكنهم سيفشلون في ذلك”. وهدد بأن قوات الأمن ستلقي القبض على المنفذين وستحاسب من دعمهما. وقال بيان صادر عن وزير الأمن في حكومة الاحتلال بيني غانتس إنه أمر الجيش بتعزيز ومساندة قوات الشرطة ومساعدتها في البحث عن منفذي العملية في مدينة “إلعاد”، وفي إحكام إغلاق الجدار العازل للحيلولة دون وقوع عمليات جديدة. من جهته قال وزير الأمن الداخلي عومر بارليف، الذي وصل لمسرح العملية في مدينة إلعاد إن إسرائيل سددت الليلة ثمنا باهظا جدا في حادثة قاسية. وتابع: “تقوم كل قوات الأمن في هذه الساعات بعمليات مطاردة لإلقاء القبض على منفذي العملية وسنضع أيدينا عليهما حيين أو ميتين”. وانضم بارليف للتهديدات بالقول “في حال تبين أن هناك من أرسل المخربين لهذه العملية سنحاسبه ونحن موجودون في صراع مرير مع الإرهاب الفلسطيني المنفلت وسنضربه بكل قوة داخل مدنهم وقراهم وداخل مخيمات اللجوء”. وضمن التهديدات الإسرائيلية قال وزير الخارجية في حكومة الاحتلال يائير لبيد، “لن نخضع للإرهاب. لا ندع الإرهابيين يخيفوننا. ستصل قوات الأمن إلى القتلة ومرسليهم ليصفوا معهم الحساب”. وانضم وزير المالية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان له بالقول “لا يجب التسليم بالإرهاب في شوارع إسرائيل، ونحن ملزمون بضربه بشدة، وإعادة الشعور بالأمن إلى المواطنين”.
وأظهرت كاميرات الحراسة داخل مدينة إلعاد المجاورة لمدينة كفر قاسم والمتاخمة لأراضي الضفة الغربية صورا لمنفذي العملية وهما يتجولان داخل الشوارع مسلحين ببلطة ويهاجمان إسرائيليين. وفي الأثناء تواصل قوات الأمن الإسرائيلية من فجر اليوم البحث عن منفذي العملية وهما صبحي أبو شقير (20) وأسعد الرفاعي (19) من قرية رمانة قضاء جنين. ورغم استنكار الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعملية وتحذيره من تبعاتها ومن احتمال استغلالها من قبل إسرائيل من أجل المزيد من التصعيد حملت عليه أوساط إعلامية وسياسية إسرائيلية واتهمته بازدواجية الموقف لأنه يواصل تسديد الرواتب لعائلات الشهداء والأسرى. وأدانت الولايات المتحدة العملية على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن الذي قال في بيان إن “الهجمة المروعة ضد أبرياء شريرة للغاية كونها تتقاطع مع احتفالات يوم الاستقلال في إسرائيل” وتابع: “قلوبنا مع الضحايا وعائلاتهم مع تمنياتنا بالشفاء العاجل للجرحى ونحن على اتصال وثيق مع أصدقائنا وشركائنا الإسرائيليين ونقف الى جانبهم بقوة مقابل هذه الهجمة”.
وتأتي عملية إلعاد كحلقة في مسلسل عمليات فلسطينية بدايتها في مدينة بئر السبع نفذها شاب من قرية حورة في النقب في الثاني والعشرين من مارس/آذار الماضي وتبعتها عدة عمليات في الخضيرة وبني براك وتل أبيب قتل فيها 18 إسرائيليا. لكن عملية العاد تسببت في حالة ذعر واندهاش داخل إسرائيل لعدة عوامل أولها تزامنها مع احتفالات ما يعرف بـ “يوم الاستقلال” الرابع والسبعين مما يترك مفاعيل خطيرة في وعي الإسرائيليين الذين يتفاقم شعورهم بفقدان الأمن وتتبدد مزاعم الدولة اليهودية بعيونهم وهي التي وعدت يهود العالم بأنها الملجأ الأكثر أمنا لهم وهذا يحولها لرسم كاريكاتيري وينال من هيبتها.
هذا علاوة على مكانها، ففيما كانت الأنظار تتجه للقدس بعد اقتحامات المستوطنين للأقصى وتهديدات فصائل فلسطينية بالرد جاءت هذه العملية في العمق الإسرائيلي. كذلك ازدادت حالة الحرج خلال وعقب هذه العملية الأخيرة بسبب نجاح منفذيها بالانسحاب من موقع وقوعها كما حصل في عملية تل أبيب عندما نجح رعد حازم من مخيم جنين بالانسحاب نحو يافا حتى استشهد بعد تسع ساعات من تنفيذ عملية في قلب المدينة. ومما يفاقم من حالة الحرج تنفيذ هذه العمليات من قبل أفراد لا فصائل مما يصعب على أجهزة الأمن الإسرائيلية منعها وإفشالها خاصة أن عددا من المنفذين لا توجد لديهم سوابق ويمتنعون عن نشر معلومات تشي بعزمهم القيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية.
الاستفزازات والاقتحامات
وتكاد تنحصر ردود فعل الإسرائيلية في نطاق الإجراءات الأمنية دون الإشارة لواقع الاحتلال الذي يرزح تحته الفلسطينيون عدا بعض الأصوات القليلة التي تسجل أيضا انتقادات ذاتية. في حديث للإذاعة العبرية العامة قال قائد المنطقة الوسطى السابق في جيش الاحتلال إن عمليات اغتيال قادة حماس لن توقف العمليات. وتابع “الأهم هو سد ثغرات الجدار العازل بالإضافة لنشر قوات عسكرية معززة داخل المدن الإسرائيلية بغية وقف مثل هذه العمليات بسرعة قصوى. وحذر من أن نجاح المنفذين بالانسحاب في مثل هذه العمليات حتى، وإن كان لفترة مؤقتة، ينتج شعورا لدى الفلسطينيين بالنجاح ويرفع معنويات الآخرين ويدفعهم لمحاكاتها. وبخلاف التيار الإسرائيلي السائد حذر من الاستفزازات الإسرائيلية بقوله “ما يجري ليس وضعا راهنا” في الحرم القدسي وهناك أوساط يهودية تخترق هذا الوضع الراهن وهناك من اليهود ممن يأتون “لتسخين الأوضاع”. وحذر من صب الزيت على نار الصراع من خلال هذه الاقتحامات داعيا لمطالبة الأردن والسلطة الفلسطينية بالمساهمة في تثبيت الاستقرار. ودعا بعض قادة الحريديم في مدينة “إلعاد” لمنع جهات يمينية استيطانية من التحريض والتهويش على العرب محذرين من أن ذلك يزيد الطينة بلة. وكان النائب المتطرف ايتمار بن غفير (الصهيونية الدينية) قد سارع لمسرح العملية وحرض اليهود على الفلسطينيين داعيا لقصف بيت السنوار في غزة واغتياله. واتهم عدد من رجال الدين الحريديم في مدينة إلعاد المستوطنين بالتسبب بهذه العملية بعد اقتحامهم غير الشرعي للحرم القدسي الشريف وفقا للشريعة اليهودية.
ويبدو أن عملية “إلعاد” قد أصابت الائتلاف الإسرائيلي الحاكم بجروح إضافية وتزيد تأرجحه إذ أن اعتماده على حزب عربي (القائمة العربية الموحدة) وتكرار العمليات الفلسطينية يمنح المعارضة برئاسة نتنياهو فرصة لتوجيه طعنات جديدة له ونزع الشرعية الجماهيرية عنه ونسج صورة في وعي الإسرائيليين مفادها أن العمليات تتكرر لأن حكومة الاحتلال مقيدة بسبب تهديدات الموحدة بوقف دعمها لها.
المصدر: “القدس العربي”