من المؤكد وبما لايقبل الشك أن استقدام القوات الاحتلالية الروسية إلى سورية أواخر شهر أيلول/ سبتمبر 2015 كان بنصيحة إيرانية، ورغبة من قاسم سليماني شخصياً، عندما عجزت كل المليشيات الإيرانية من حرس ثوري إيراني ومليشيات طائفية أخرى، مثل حزب الله اللبناني والنجباء، والفاطميون، وحزب الله العراقي، وكل التشكيلات الإرهابية التي تتبع الحرس الثوري الإيراني عن القيام بالمهمة الملقاة على عاتقها، وهي إعادة قيام النظام السوري الذي شارف على نهايته أواسط العام 2013، حين أرسل المجرم بشار الأسد رسالته الشهيرة إلى الكرملين يعلن فيها أن المعارضة قد أضحت على بعد بعض الكيلومترات من قصر المهاجرين بدمشق. بالرغم من كل الدعم العسكري عبر إيران، وبالرغم من فتح الخط الائتماني الإيراني نحو الخزينة السورية، حيث كاد الإقتصاد السوري التابع للنظام أن يصبح صفراً على الأرض، لولا ذاك الدعم المالي الإيراني والضخ الائتماني الهائل.
لكن رغم كل ذلك فقد شهدت الساحة السورية الكثير من الخلافات والشقاقات بين العسكريتاريا الروسية والعسكريتاريا الإيرانية، حيث يريد كل منهما الهيمنة على الجزء الأضخم من الثروات السورية، وعلى المساحة الأكبر من الجغرافيا السورية، وكذلك على مفاصل الأمن السوري حيث تنافس الطرفان على الوصول إلى المفاصل الأهم في ذلك، بدعم من الإيرانيين تارة وأخرى من الاتحاد الروسي، ومع ذلك فقد وجد الروس أنفسهم وخلال حربهم العسكرية المعلنة على أوكرانيا واستنفار العالم الغربي برمته دعما للدولة الأوكرانية ولكبح جموح وجماح بوتين الذي يحاول أن يبدل مسارات النظام العالمي الجديد، حيث كان قد تكوَّن بقطبية واحدة، إبان سقوط الاتحاد السوفيتي أوائل التسعينيات من القرن الفائت، هذا الانشغال الروسي في المقتلة الروسية في أوكرانيا، والحرب السياسية والاقتصادية المتجسدة بأكبر عقوبات ضد دولة عبر التاريخ، بالإضافة إلى حجم الخسائر العسكرية الكبير في الأراضي الأوكرانية، ممّا اضطر الروس إلى بعض الانسحابات العسكرية من مناطق كانوا يسيطرون عليها في الجنوب السوري، وكذلك في الشرق من سوريا، حيث حلّت مكانها وبشكل سريع ومبرمج قوات من الميليشيات الإيرانية وتوابعهاـ التي تجاوز عددها على الأراضي السورية حسب احصاءات أمنية موثقة عتبة 100 ألف عنصر بين قوات الحرس الثوري الإيراني والمليشيات الأخرى التابعة لهم.
هذا الاحلال الذي من الممكن أن يكون مؤقتا وليس دائما، وبالتساوق مع فشل المفاوضات النووية بين الغرب وإيران في فيينا، يؤشر إلى احتمالات امتدادية في السيطرة الإيرانية الأكثر امتلاكا للمشروع الاحتلالي داخل الإقليم وخاصة سورية، ويبين أن الوجود الميليشياتي الإيراني وكل مايتبعه من تغيير ديمغرافي أصبح واضح المعالم، ويراه أهل سوريا بأم العين في كل من ريف دمشق وريف حمص، وكذلك ريفي حلب ودير الزور، بات ذلك يشكل الخطر الأكبر والأدهى، ويقرع جرس الإنذار، خاصة مع انكشاف وانفضاح الكثير من المجازر الطائفية التي قامت بها هذه المليشيات في سورية، كان آخرها فضيحة جريمة القتل الممنهج في حي التضامن بدمشق، والتي راح ضحيتها 41 مواطنا سوريا وفلسطينيا عبر قتل مباشر من قبل عصابات ملشياوية للنظام المجرم وإيران عام 2013 وماتلاها وماسبقها من عمليات تطهير عرقي طائفي تندى لها جبين الإنسانية.
كل ذلك وسواه يظهر لمن لم يعد بعد حجم الخطر الإيراني في سورية وكل المنطقة العربية والاقليمية ويؤشر إلى أهمية الانتباه من التوغل الإيراني الكبير في المنطقة العربية، وأكثرها في الأراضي السورية، وكذلك في العراق واليمن ولبنان. ويميط اللثام عن كل مايقال من أن الإيرانيين سوف يخرجون من الجغرافيا السورية حال توقف الثورة السورية أو التأكد من هيمنة سلطات الأسد على كل مساحة سورية، لكن هذا الواقع الذي نلحظه لايشير إلى إمكانية خروج الإيرانيين ومليشياتهم الطائفية، بل هو مشروع طائفي فارسي يريد إعادة قيام الإمبراطورية الفارسية المزعومة التي سادت ثم بادت، على يد الفتح العربي الإسلامي وقوات الخليفة العادل عمر بن الخطاب/ رضي الله عنه.
إن الوجود الملشياوي الإيراني الطائفي الكبير في معظم المناطق الجغرافية السورية يظهر حجم الخطر، وإمكانية استمراره بعد أن لم يبق للنظام السوري أي دور بوجود هذه المليشيات وأضحى نظام الأسد مجرد تابع للإيرانيين وللروس في كل الحالات. ولم يعد أي سيادة للنظام السوري، بل راح يبيع الثروات كالفوسفات وغيرها ويؤجر الموانئ، والأهم من ذلك أن القرار السياسي لم يعد في يده بل بيد طهران، ومن أتى خلفا لقاسم سليماني، وأيضا الروس وحميميم، بالرغم من بعض الانسحابات الطفيفة نتيجة حرب أوكرانيا، وهي انسحابات مؤقتة لايمكن إلا أن تكون بالتنسيق مع الإيرانيين من أجل مصالح خارجية أكثر أهمية في الآن والمستقبل.
ولعل استمرار الاستهداف الإسرائيلي مؤخرا وتكثيفه يشير إلى طبيعة الوجود الإيراني الممتد والممتلك لكل أصناف الأسلحة التي تهدد أولا الشعب السوري، قبل سواه، وهي أن إيران لاتهمها قضية القدس ولا الجولان، بل همها هو وجودها الاحتلالي الكولونيالي في الأراضي السورية التي تعطيها بعدا تفاوضيا قويا في مباحثات النووي وسواه، من الملفات في المنطقة في مجملها.
ولايبدو حتى الآن أن هناك في النظام العربي الرسمي من أدرك أهمية مواجهة الإيرانيين وميليشاتهم في سورية لأنها ستشكل الخطر الأكيد على المنطقة برمتها، تؤسس لطغيان احتلالي بأطماع إيرانية واضحة المعالم لن تتنازل عنها إيران أبدا إلا بوجود مشروع عربي قوي يستطيع مواجهة المشروع الإيراني، وسيقال اليوم وبعدم الوعي للخطر الإيراني للجميع أنكم أُكلتم جميعا يوم أُكل الثور الأبيض في سورية، عندما وقفتم متفرجين على طغيانه وتغوله.
وقد يعتقد البعض من العرب وخاصة النظام الرسمي العربي أن الوجود الإيراني في سورية ولبنان والعراق لن يؤثر سلبا على وجود الدول العربية، في وقت تتخلى فيه أميركا عن حماية ودعم الدول العربية الخليجية وتترك هذه الدول لقمة سائغة تارة أمام المسيرات الإيرانية/ الحوثية، وتارة أخرى أمام الارتماء الكلي في أحضان العدو الأساسي للأمة وللسوريين، وهو الكيان الصهيوني.
من هنا فإن الوعي الحقيقي العملي للخطر الإيراني المتمثل في وجود هذا الثقل العسكري الكبير في الجغرافيا السورية، هو وحده الكفيل بالمواجهة الحقة لمشروع طائفي إيراني فارسي طالما حلمت به إيران ولم يعد بعيدا عن التطبيق العملي مع التخلي العربي والإسلامي عن شعب سورية وتركه إلى التغول الاحتلالي الإيراني والميليشيات التابعة لإيران. وهو ما سيترك المجال طويلاً لسيطرة إيرانية على الجغرافيا السياسية والقرار السياسي عبر صمت أميركي وغربي عن كل مشاريع إيران في المنطقة، حيث المهم بالنسبة لهم هو الإمساك بأمن إسرائيل أولاً وأخيراً والمحافظة عليه.
المصدر: وكالة ثقة للأنباء