معَ الذّكرى الثّالثة لانطلاقة موقع “المدارنت”، العُروبيّ الهوى والهُوية، موقعُ الأقلام الحرّة المستقلة، منْ لبنان إلى الوطن العربي، إلى مصر والسودان، إلى سورية والعراق، إلى ليبيا والمغرب وتونس والجزائر واليمن…، ومن لبنان إلى العروبيين المهاجرين والمُهَجَّرين في أصقاع الأرض، موقعٌ يحضن بين صفحاته، أقلامًا عربية وحْدويّة حرّة، ثائرةً على الأنظمة الدكتاتورية المستبدة، مؤمنةً بحتمية قيام الوحدة بين أبناء الوطن العربي، وبأن “حرية الكلمة هي المقدمة الأولى للديمقراطية”، لا يسعنا إلا أن نتذكر هامةً كبيرةً من الكتاب العرب العُروبيين، لم تبخل يومًا في كتاباتها، وآرائها، ورؤيتها، بل صَبّتْ كامل جهدها في العمل من أجل نهضة الأمة العربية، عنيت بذلك المناضل والكاتب والصحافي المحلل السّياسي محمد خليفة (رحمه الله).
تعرفت على الكاتب محمد خليفة، بادئ الأمر، من خلال كتاباته ومقالاته، التي لم يتوانَ عن إثراء صفحات “المدارنت” بها منذ انطلاقة هذا الموقع، فوجدته صاحب قلم حر، يصدح بما يؤمن من دون خوف أو وجل، (أكاديميٌّ) بإمتياز، يحترف الكتابة بلغة فصيحة، لا تشوبها شائبة. موضوعيٌّ في مقاربته، وعلميٌّ في قراءته وبحثه، صاحب رؤية ثاقبة، وتحليل عقلي، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مخزون ثقافي غني، وتجربة حياتية فريدة، صقل خلالها نفسه وفكره، وجهد في بناء شخصيته وفاق رؤيته للأمة العربية، وإيمانه بقضاياها وعلى رأسها فلسطين والوحدة، حتى أصبح يتنفس بعروبته، ويتكلم بها، ويعيشها في يومياته.
بحثت عن هذه شخصية الراحل خليفة الفريدة، لأجده مواطنًا عربيًا من أبناء حلب، ناشطًا سياسيًا هُجِّر من أرضه، بعد معاناته مع سياسات القمع والترهيب التي ترفض الكلمة الحرة، وبعد ملاحقات ومطاردات في غير دولة عربية وغربية، بسبب مواقفه السياسية، ليستقر في السويد، ويمضي فيها عشرات السنين، الى أن وافته المَنية فيها بعد صراع قصير مع “كوفيد 19”.
في رحلته تلك، لم يهادن، ولم يساوم على مبادئه يومًا، ولم يتاجر في القضية، بل بقي ثابتًا، محاربًا شرسًا بقلمه، يقلق تلك الأنظمة البائدة حتمًا، ويتململ منه تجار الأوطان والقضايا.
أنْ تقرأ عن محمد خليفة، أو تقرأ كتاباته شيء، وأن تجالسه شيءٌ آخر. فقد تسنّى لي لقاؤه في جلسة وحيدة، ساعات قليلة، تعرفت إليه من قرب، فإزددت تشوقًا لمعرفته أكثر. كيف لا وهو المتواضع الخلوق. تجالسه وتحادثه كأنك تعرفه منذ سنين، يشدك إليه أسلوبه، فلا يغيب سمعك أو طرفك عنه لبرهة، كلما استمعت إليه كلما أردت المزيد، وكأنك أمام سجل تاريخي يسرد إليك الأحداث بسلاسة غريبة، موسوعة ثقافية تفيض بما فيها من المعارف والعلوم، يجيد الحوار وأدبه، مع الصغير والجاهل، قبل الكبير والعارف، تسري في عروقه الشهامة والمروءة، ولا تغيب عنه الحماسة والكبرياء، يعرف غايته ويتقن إبلاغك إياها، شعلة ممتلئة بالعروبة، متقدة لا تنطفئ، يشحذ من حوله بشحنات العنفوان والثورة.
في الذكرى السنوية الأولى لرحيله، الثاني والعشرين من شهر نيسان من العام 2022، التي تتزامن مع الذكرى السنوية الثالثة، لإنطلاقة موقع “المدارنت”، الذي واكبه منذ مرحلة التأسيس، داعمًا ومساهمًا حتى أيام قليلة قبل رحيله.
محمد خليفة، نفتقد قلمك الصادق، كما تفتقدك ساحات النضال، صوتًا صادحًا بالحق، وقلمًا عربيًا حرًا… أبا خالد.. إلى جنان الخلد.
ينشر بالاشتراك بين موقع ملتقى العروبيين وموقع المدار نت