لايشك أحد من السوريين أو العرب الشرفاء أو أي كائن بشري منصف في هذا العالم بعد مضي أحد عشر عامًا على انطلاق الثورة السورية العظيمة. أن هذه الثورة ينطبق في وصفها ما قيل عنها في مكان ما أنها ثورة يتيمة حقًا.
حيث لم يعرف التاريخ المعاصر مثل هذا الاجماع الدولي الذي تحقق تجاهها من حيث عدائها ومنع تحولها إلى مقتلة تؤخر تحقيق أهدافها المشروعة دنيويًا ودينيًا.
وليس بخفي على أي متابع أيضًا كيف كان التنسيق علنيًا ومعلنًا، بل وفاضحًا، في عملية إدارة شؤون الصراع بين القوى والدول المتصارعة في الأرض السورية وعليها، حتى بدا المشهد العسكري والسياسي والدبلوماسي وكأن أركانه الفاعلة تتحرك وفق نظام رقعة شطرنج مدماة.
كان ولازال دم الشعب السوري هو من يروي هذه الرقعة دمًا وخرابًا وتدميراً دون أي رأفة أو موقف إنساني ينصف هذا المشهد المتكرر طوال العقد المنصرم، والمتفجر قتلاً ،وتهجيراً وابادة.
ولا يمكن أن ينكر أي أحد من المهتمين أو المتابعين للشأن السياسي أيضًا أن هذا التآلف الدولي المتواصل في الرقعة السورية المنكوبة إنما تم برعاية أمريكية خالصة كزعيمة لنظام عالمي أخذ سمة ليبرالية امبريالية مافيوية واضحة لا شائبة فيها منذ بعيد سقوط الاتحاد السوفييتي.
وإذا كان لابد أن نضع بعين الاعتبار هذه المعادلة الدولية والعالمية فلابد من الإقرار دون تردد أن ما تحقق ويتحقق على شعبنا من أفعال وحشية بربرية دموية همجية.
إنما هو صدى لطبيعة مصالح هذه الأطراف المتصارعة التي تعتبر أركانا راسخة في بنية هذا النظام العالمي المشار اليه، وإذا كان بوتين رمز المافيا الروسية في رأس قائمة هؤلاء الفرقاء المتصارعين وأكثرهم قذارة ووحشية في تعامله مع الوطن والشعب السوري.
فإن ذلك لا يمنح أي أحد الفرصة لتجميل دور الأطراف الهمجية الأخرى المتصارعة والموغلة في الدم السوري، فلكل منها ممارساته الراهنة والتاريخية الدراكولية تجاه شعبنا السوري خاصة وبقية الشعوب بشكل عام.
واليوم وقد افتتح أرباب هذا النظام العالمي المتشح بكل ألوان التوحش والافتراس والهمجية مشهداً دموياً آخراً في الساحة الأوكرانية من هذا العالم، لكن قواعد الصراع فيه تتميز باستقطاب مختلف عما هو في المشهد السوري، حيث يبدو فيه بوتين المافيا الروسية في مواجهة باقي أركان النظام المافيوي الليبرالي المتوحش بما فيهم أمريكا زعيمة هذا النظام، كما يبدو المشترك الوحيد في هذا المشهد مع المشهد السوري، هو الضحية التي تئن من وقع الهمجية المتطورة والحداثة الرعناء اللاأخلاقية. أي الشعب السوري والشعب الأوكراني مع فارق نافر، أن الأول ينزف بغزارة لامتناهية لا يتصورها عقل بشر، والثاني ينزف بلطف وكياسة لا يتصورها أي متابع للمشهد.
وقد ظهر أخيراً في حمأة هذا الدمار والموت والاجرام من يتنادى من المتعاطين بالشأن السياسي السوري والثوري للتنديد والشجب والاحتجاج على الفعل الدموي للمافيا الروسية والمعارك المستمرة منذ ثمان وخمسين يوما في الساحة الأوكرانية، متناسين أنه فعل كغيره من الأفعال وصور كغيرها من صور الدمار المحموم الذي حدث في غير بقعة من العالم كالعراق، وافغانستان، وليبيا واليمن. وهو ما يعتبر نتاجًا طبيعيًا لهذا النظام العالمي القبيح، اي هذا النظام الذي تتزعمه أمريكا وحليفها الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو الركن الاساس في هذه المواجهة.
وعليه فإننا نعتقد أنه كان لثورتنا العظيمة التي بتنا نؤمن بها ونحدد بوصلة نضالنا من أجل الحرية والكرمة بواسطتها، الفضل في تعلمنا الدرس التاريخي الأول، أنه لابد لنا في تحديد موقفنا حيال هذه الصراعات التي يفجرها هذا النظام المتوحش، ولا ملاذ لنا كشعوب لنيل حقنا وحريتنا الا باتخاذ الموقف السيد المستقل والمساهمة في العمل على اسقاط جميع مرتكزات ومفاصل بنية هذا النظام الذي يجعل من الشعوب أدوات رخيصة لتأبيد هيمنة واستمرارية مصالح أطرافه ووجودها، مهما تباينت رؤاها حيال وسائل الاستثمار لهذه الأدوات والشعوب. وإنها لثورة حتى النصر.