هل تتسبب الهجرة غير الشرعية في أزمة بين الجزائر وتونس؟ 

علي ياحي

 “الإجراءات التي باشرتها الجهات القضائية تعتبر تلاعباً غير مسؤول بمصير المفقودين وبمشاعر عائلاتهم”. حيث دخل ملف الهجرة غير الشرعية على خط العلاقات الثنائية بين الجزائر وتونس، لكن ليس في اتجاه دعم العلاقات القوية بين البلدين وإنما في محاولة للتشويش على التقارب بينهما، بعد إحياء اتهامات عائلات مهاجرين سريين جزائريين الجهات التونسية باحتجاز أبنائهم في السجون وتعمد إخفاء الحقيقة.

خطأ في محاضر قضائية

وجاءت محاضر رسمية أرسلتها السلطات الجزائرية لعائلات مهاجرين غير شرعيين فقدوا في 2008، كانوا في طريقهم إلى سواحل إيطاليا على متن قوارب صيد، لتعيد الأزمة إلى مربعها الأول، خاصة بعد “خطأ” في تأويل محتوى المحاضر، إذ كشفت الوثيقة التي استلمتها العائلات عن أن “أبناءهم الذين تم توقيفهم من قبل خفر السواحل التونسية، سيتم تقديمهم للمحاكمة في المحكمة الابتدائية في الكاف التونسية”، والحقيقة أن الأمر يتعلق بـ”جلسة استجواب للعائلات في قضية تخص أطر تنفيذ  العدالة الانتقالية في تونس، تحت مظلة هيئة الحقيقة والكرامة”، التي وجهت تهماً لأمنيين تونسيين تتعلق بتجاوزات والاخفاء القسري في حق مهاجرين من بينهم جزائريين، وبذلك ستكون العائلات حسب القضاء التونسي كطرف مدني يتم الاستماع لهم في إطار جلسة استجواب لفائدة العائلات في حق أبنائهم المفقودين.

تناقضات

وفي وقت تكذّب السلطات التونسية وجود مهاجرين سريين جزائريين بسجون البلاد، وآخرها نفي الرئيس قيس سعيد، خلال زيارته للجزائر وجود جزائريين في سجونها لهم علاقة بالهِجرة السرية، ولكن السجناء يكونون قد تورّطوا في قضايا أخرى، توجه هيئة الحقيقة والكرامة تهماً لعناصر أمنية بضلوعها في فقدان المهاجرين الجزائريين السريين، وأنهت تسجيل مقررات رسمية، وتم فتح القضية ضمن خانة ملف حقوق إنسان، وأحيل الملف للغرفة القضائية المختصة في قضايا العدالة الانتقالية لدى محكمة ولاية الكاف التونسية، وبذلك باشر القضاء في عملية الاستماع لأمنيين تونسيين في قضية اختفاء قسري لعدد من المهاجرين الجزائريين، وهو ما أرجع الأمل للعائلات في العثور على أبنائهم.

صدمة بعد فرحة

ولم تستفق العائلات المعنية من الصدمة بعد الفرحة المؤقتة، وهي التي تعيش منذ 14 عاماً على أمل العثور على ذويها، رافضة حتى الآن قبول رواية فقدانهم في عرض البحر، حيث انتقلت إلى مدينة الكاف الحدودية، بعد أن تم التصريح لهم بدخول الأراضي التونسية بتصاريح خاصة لحضور الجلسات.

وفي السياق، أبرزت القنصلية الجزائرية في مدينة الكاف، وفق ما نقلت صحف تونسية، أنه وقع خطأ في صياغة المحاضر التي سلمت للعائلات، وهو ما أثر على العائلات التي فقدت خيط الأمل الذي تمسكت به بعد مضي 14 عاماً من اختفاء أبنائها.

ودفعت مأساة الاختفاء، العائلات إلى التكتل في لجان وجمعيات وأخذت خطوات ميدانية يزيارة تونس بحثاً عن خيط أمل تارة وتنظيم وقفات في البرلمان وأمام وزارة الخارجية وأمام مقر محافظة عنابة تارة أخرى، وآخرها الجمعة الماضية، عندما تجمعوا أمام قنصلية بلادهم في الكاف للتعبير عن غضبهم، على خلفية الخطأ الذي تسببت فيه المحاضر، ليستقبل القنصل عدداً من العائلات، ويبلغهم أنه وقع خطأ في الصياغة تتحمل مسؤوليته الجهات التي سلمت لهم محاضر.

المسألة ملغومة

إلى ذلك، يعتبر الناشط الحقوقي التونسي، أدم مقراني، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن التعاون بين تونس والجزائر يرتقي لمستوى لا يمكن أن تتكتم فيه السلطات التونسية عن قبوع مهاجرين غير نظاميين جزائريين بسجونها لمدة تزيد عن 14 عاماً من دون محاكمة ومن دون إخطار السلطات الجزائرية، وقال إنه “لم نعرف سابقاً هكذا حالات سواء في منظومة السجون التونسية أو في تاريخ التعاون القضائي التونسي – الجزائري”، ما يطرح عدة أسئلة حول المعلومات المغلوطة التي قدمت لعائلات المهاجرين المفقودين خاصة أن منطقة طبرقة حث يعتقد أن المهاجرين تم إيقافهم، تتبع لمحكمة مدينة “جندوبة” وليس الكاف، الأمر الذي يجعل كل هذه الأخبار في دائرة الشك منذ البداية، وقد سببت إحراجاً للسلطات القنصلية الجزائرية في تونس، لذلك يجب المزيد من التحري عند الإقدام على هكذا خطوات لحساسية المسألة أمام الآلاف ممن يبتلعهم البحر المتوسط سنوياً وهم يناشدون حلمهم على متن قوارب الموت.

ويواصل مقراني، أنه “لا تأكيد لحجز مهاجرين سريين جزائريين بتونس، ولا يوجد معلومة رسمية أو قضائية في هذا الخصوص”، مشيراً إلى أن السلطات التونسية التزمت الصمت، وهذا مفهوم لأن الموقف الجزائري غير موحد بين شرطة محافظة عنابة وقنصل الجزائر بالكاف، وختم أن المسألة ملغومة.

تلاعب غير مسؤول

من جانبه، يرى الباحث في الشؤون السياسية والأمنية الجزائري، عمار سيغة، أن سيناريو الاختفاء القسري للمهاجرين غير الشرعيين الجزائريين دخل حلقة جديدة مع استدعاء عائلاتهم للمحاكمة خلال الساعات الماضية، ليتفاجأ أهالي المفقودين بعدم وجود أبنائهم تماماً، ما خلّف صدمة لعائلاتهم التي قطعت مسافات لحضور المحاكمة بمدينة الكاف.

وقال سيغة إن الإجراءات التي باشرتها الجهات القضائية في ملف مهاجرين مختفين منذ ما يقارب 14 عاماً تعتبر تلاعباً غير مسؤول بمصير المفقودين وبمشاعر عائلاتهم،  وأشار إلى أنه “سيكون هناك رد فعل جزائري بعد الانحدار الرهيب في مستوى التعاون القضائي البيني بين البلدين الذي كشفته الحادثة”.

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى