تحت عنوان “القومية المسيحية خلف حرب بوتين” نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تقريرا أعده إيشان ثارور قال فيه إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تلقى مباركة من أسقف الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عندما تدخل في عام 2015 لدعم رئيس النظام السوري المحاصر بشار الأسد. ووصف البطريرك كيريل، أسقف الكنيسة الأرثوذكسية والحليف القوي لبوتين العملية بأنها “قرار مسؤول باستخدام القوة العسكرية لحماية الشعب السوري من الألام التي جلبها الإرهابيون”. وذهب الناطق الرئيسي باسم البطريرك كيريل أبعد عندما قال إن “قتال الإرهاب معركة مقدسة اليوم وبلدنا اليوم ربما كان أكبر قوة ناشطة في العالم تقوم بقتاله” حسبما نقلت وكالة إنترفاكس عن رئيس دائرة الشؤون العامة في الكنيسة القس فيسفولد.
وبعد 7 أعوام، يقوم البطريرك كيريل ورجال الدين في كنيسته بإلقاء خطب عن “حرب مقدسة” تخوضها روسيا اليوم، ولا يهم إن كان معظم الأوكرانيين الذين يعانون الويل من آلة الحرب الروسية هم من أتباع كنيسة كيريل. ففي أوكرانيا هناك حوالي 12.000 أبرشية تابعة للكنيسة في موسكو، ولكن كيريل لم يعبر إلا عن قلق قليل تجاه حياة الملايين الذين باتت حياتهم في مهب الريح. بل وبشر رئيس الكنيسة الأرثوذكسية بنفس الخطاب المشؤوم والأيديولوجي الذي أطلقه بوتين. وقدم القتال على أنه دراما دينية وقومية، معركة وجودية للخير ضد الشر، صدام بين التقاليد الروسية- السلافية والقيم الفاسدة والتأثيرات الفاسدة التي تعتمل على حدود روسيا. وقال في خطبة ألقاها يوم 6 آذار/مارس “لقد دخلنا في كفاح ليس جسديا بل ببعد ميتافيزقي. وذهب كيريل ليزعم أن الرب يقف مع الجانب الروسي وجدد هجومه ضد الليبرالية الغربية ” اليوم هناك امتحان ولاء لهذا النظام الدولي الجديد، نوع من التخلي عن ذلك العالم “السعيد”، عالم الإفراط في الاستهلاك، عالم “الحرية” الزائفة”، وأضاف “هل تعرفون هذا الامتحان؟ الامتحان هو بسيط ولكنه رهيب في الوقت نفسه، إنه استعراضات المثليين”.
وربما تساءلت عن سبب إدخال البطريرك موضوع المثلية في حرب دموية مثل أوكرانيا، إلا أن البطريرك كيريل طالما أطر التحديات الجيوسياسية التي تواجهها روسيا ضمن هذه المصطلحات، كنزاع بين المحافظين والمتقين الروس المتعلمين والغرب غير الأخلاقي الداعر. وقد أرشدت تعاليمه المواقف الأكثر علمانية للكرملين وساعدت على تشكيل رؤية بوتين القومية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وهي تلمع اليوم الجهود الحربية المتعثرة لروسيا في أوكرانيا. ويقول أستاذ علم الكنيسة والعلاقات الدولية والحركات المسكونية في كلية استوكهولم الجامعية سيريل هوفوران “أي حرب يجب يكون لها بنادق وأفكار” وفي “هذه الحرب، قدم الكرملين الأسلحة وأعتقد أن الكنيسة قدمت الأفكار”.
وبحسب تقرير في الصحيفة أعدته جين والين قالت فيه إن كيريل تحديدا مسؤول عن نشر عقيدة “روسكي مير” أو “عالم روسيا” وهي “تستحضر رؤية واحدة تجمع روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، يوحدها تاريخ استيطان فايكنغ الفولغا واعتناقهم المسيحية في القرن العاشر الميلادي. وهو تاريخ فارغ لأن معظمه حدث في الأماكن التي تعرف اليوم بأوكرانيا. وشرحت والين “للبعض فإن هذه الرؤية الدغمائية قد تكون سلمية وجامعة، لكن النقاد يقولون إن روسيا تستخدمها لتأكيد هيمنتها على المناطق التي سيطرت عليها في عهد الإمبراطورية السوفيتية”.
وجير بوتين هذه الفكرة واستخدمها في خطاباته الأخيرة زاعما أن أوكرانيا لم توجد أبدا وأنها تنتمي تاريخيا للمناطق التي قادها الروس، وهو ما يدحضه المؤرخون. ودعا كيريل الروس لدعم الحكومة، وفي الوقت الذي دخل فيه حكم بوتين الوجه الأكثر قمعا، دعا البطريرك إلى دعم عام للكرملين حتى يستطيع “رد أعدائه” في الداخل والخارج. وهناك تقارير تحدثت عن خسارة قساوسة أعمالهم بسبب خطب ألقوها دعوا فيها لوقف الحرب وإنهاء معاناة الأوكرانيين. وانتقد الكاتب اليسار المعادي للإمبريالية الذي ظل يتعامل مع بوتين كوزن معادل للهيمنة الأمريكية الدولية. ولكن المواقف غير الليبرالية للرجل القوي جعلت بوتين شخصية محبوبة في أوساط الإنجيليين واليمين الديني المتطرف. إلا أن المئات من القساوسة في الكنيسة الأرثوذكسية بأوكرانيا وخارجها غير مندهشين. ووقع أكثر من 320 قسيسا على رسالة في هذا الأسبوع اتهموا فيها كيريل بالزندقة نظرا لدعوته إلى الحرب وطلبوا تقديمه أمام محكمة كنسية وعزله. وجاء في الرسالة “بمباركته الحرب ارتكب كيريل جريمة أخلاقية عندما بارك الحرب ضد أوكرانيا ودعمه الكامل لعدوان القوات الروسية في الأراضي الأوكرانية” و “بات من المستحيل علينا الالتزام بالخضوع الكنسي لبطريرك موسكو وبأي شكل من الأشكال”. وأدى التوتر إلى تقسيم الكنيسة الأرثوذكسية التي بات فيها الأتباع في أوكرانيا لا يعترفون بسلطة كنيسة موسكو عليهم. وحذر نظراء للبطريرك من هذا النهج، ففي مكالمة عبر الفيديو زاد البابا فرنسيس من عدم راحة كيريل عندما حذره من استخدام الصليب المسيحي لتبرير الحرب، وتعبيرا عن سخطه قدم كيريل أيقونة لقائد روسي يشرف على عدد من الفرق العسكرية في روسيا. وأخبر بابا الفاتيكان كيريل “كان يا مكان كان هناك حديث في كنيستنا عن الحرب المقدسة أو الحرب العادلة” لكننا “اليوم لا نستطيع الحديث بهذه الطريقة”.
المصدر: “القدس العربي”