هل من ربط بين هدنة اليمن وعودة الخليج إلى لبنان؟

سابين عويس

تنشغل الساحة اللبنانية هذه الأيام بالاستعدادات الكثيفة لخوض الانتخابات النيابية المزمع إجراؤها في الخامس عشر من أيار (مايو) المقبل. وتشكل هذه الانتخابات محطة مهمة، إن لم نقل مفصلية في الحياة السياسية اللبنانية، نظراً إلى ما سترتّبه نتائجها من بلورة لعملية إعادة تكوين السلطة.

يترافق هذا الاستحقاق الهام مع خشية في الأوساط السياسية المعادية لإيران وحليفها وذراعها السياسية والعسكرية في لبنان، أي “حزب الله”، من أن تأتي نتائج العملية الانتخابية لتكرّس النفوذ الإيراني في البلاد، انطلاقاً من أن الحزب يحظى راهناً إلى جانب حلفائه بغالبية المقاعد النيابية، وهو يجهد، خلافاً لما أعلنه أمينه العام يوم الاثنين، من أجل الحفاظ على هذه الغالبية التي تتيح له التحكم بالاستحقاقات الدستورية المهمة المقبلة، كانتخاب رئيس جديد للجمهورية في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وتسمية رئيس للحكومة يكون للحزب وحلفائه الكلمة الفصل في اختياره، بعدما كان يفتقد هذا العنصر في ظل كتلة سنية وازنة كان يمثلها تيار “المستقبل” بزعامة سعد الحريري، وهي لم تعد موجودة اليوم بعزوف الحريري عن المشاركة في الانتخابات التشريعية ترشيحاً وانتخاباً. وكما في تسمية رئيس الحكومة، سيكون للحزب كلمته في تشكيل الحكومة وتوزع أعضائها.

وكما في الاستحقاقين الدستوريين، سيحظى الحزب إذا فاز بالغالبية المطلقة، أي بثلثي المقاعد النيابية، بالكلمة الفصل في النظام السياسي، وأي تعديلات يمكن أن يلجأ أحد الأفرقاء من داخل فريقه إلى اقتراحها على دستور البلاد، وكذلك الكلمة الأخيرة في النظام الاقتصادي والمالي والمصرفي، وأي برنامج مرتقب مع صندوق النقد الدولي لإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية والمالية.

لقد جاءت العودة الخليجية إلى لبنان من باب عودة سفيري المملكة العربية السعودية والكويت، ولاحقاً السفير القطري، لتعزز الانطباع بأن دول الخليج أدركت أن مقاطعة لبنان أدت إلى اختلال التوازن الداخلي لمصلحة طهران. وفيما تخشى الأوساط التي تدور في الفلك السعودي من أن تكون هذه العودة ظرفية حتى انتهاء الانتخابات، نفت مصادر دبلوماسية ذلك، مشيرة إلى أن المملكة، بالتنسيق مع فرنسا ودول عربية أخرى، تقود مبادرة إنسانية لمساعدة الشعب اللبناني، وسيتم الإفصاح عنها من خلال الإعلان عن إنشاء صندوق للمساعدات الإنسانية.

وفيما لا ترى هذه المصادر أن هذا الدعم سيكون كافياً لإعادة التوازن، كشفت أن أقصى ما يمكن أن توفره العودة الخليجية إلى لبنان يكمن في إعادة حال ربط النزاع القائمة بما يعدل التوازن، من دون أن يلغي النفوذ المتمدد لإيران، ما لم تأت نتائج الانتخابات بخلاف ذلك، أي ألا تمنح هذا الفريق الغالبية الكاملة، بحيث يحظى الفريق المقابل بأكثر من الثلث.

ويقود هذا الواقع إلى ترقب آفاق المرحلة المقبلة ما بعد الاستحقاق النيابي، انطلاقاً من التطورات والمتغيرات التي يشهدها الإقليم، ولا سيما من المشهد اليمني، حيث جاء الإعلان عن هدنة شهرين معطوفة على استجابة الحوثيين معها ومع إمكان وقف دائم لإطلاق النار والاستعداد للإفراج عن سجناء التحالف، وإزاحة الرئيس اليمني عبد ربه هادي منصور، ليعطي مؤشرات إيجابية إلى أن تكون هذه المتغيرات مدخلاً لتسوية يجري إنضاجها على مستوى الإقليم، وتشمل لبنان. ويتزامن ذلك مع عودة الكلام عن استئناف الحوار السعودي الإيراني، فضلاً عن ترقب ما ستفضي إليه مفاوضات النووي واحتمالات رفع العقوبات عن طهران للإفادة من النفط الإيراني، في ظل ما رتبته الحرب الروسية على أوكرانيا من نقص في إمدادات النفط والغاز.

هل يمكن التعويل على الربط بين العودة الخليجية والهدنة اليمنية؟ سؤال لا يزال من المبكر الإجابة عنه وفق المصادر الدبلوماسية عينها، التي تضيف أن المحطة المفصلية لبلورة هذا الربط ستكون غداة الانتخابات التشريعية اللبنانية وتعامل “حزب الله” مع نتائجها، وهو أمام خيارين، إما التعامل بفائض القوة الذي اعتاد عليه، ما يعني أن الأمور ستذهب إلى مزيد من التصعيد والمواجهة، وإما ببراغماتية تنطلق من أن واقع الأمور لم يعد يحتمل استعمال القوة في بلد 80 في المئة من شعبه جائع!

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى