لفت نظري كثرة المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي- وخاصة فيسبوك- التي تقارن بين الدمار الذي خلفته الحرب الروسية على أوكرانيا والدمار الذي سببته الآلة الوحشية لبشار الأسد وحلفائه في سوريا. كما استرعى انتباهي المقاطع المترجمة للعربية والمصورة في شوارع تركيا، حين يسأل المذيع مجموعة من الأتراك عن رأيهم بتواجد السوريين في بلادهم وعلى الأغلب تكون الإجابة ذاتها، وهي لمَ هم هنا وليسوا في بلادهم يحاربون كما يحدث في أوكرانيا؟
قد تبدو إجاباتهم منطقية في البداية، إلا أنه واقعياً لا يمكن مقارنة الحالة السورية بالحالة الأوكرانية، فهناك اختلاف شاسع بينهما لعدّة أسباب.
أول هذه الأسباب وأكثرها منطقية أن السوريون لا يحاربون أطرافاً خارجية فقط، بل يحاربون من نصَّب نفسه رئيساً عليهم وجعل جيش سوريا جيشاً خاصاً له ولطائفته وحاشيته. إضافة للدول الداعمة له ممثلة بروسيا وإيران وغيرهما من المنظمات المسلحة كحزب الله والمنظمات الشيعية التي أتت من كل حدب وصوب لقتل الشعب السوري، عكس الشعب الأوكراني الذي يدافع عن أرضه ووجوده ضد دولة أخرى تحاول احتلاله مدعوماً بجيش محترف وإمدادات ومساعدات عسكرية من دول حلف “الناتو”، ناهيك عن الأجانب المتطوعين للقتال ضد روسيا.
ثانياً، حسابياً غالبية الشعب السوري قد بقي بالفعل في أرضه خلال الأعوام الأولى للثورة فمنذ عام 2011 وحتى سنة 2015 لم يتجاوز عدد من فرَّ خارج سوريا الـ4 ملايين شخص وهو رقم حققه الأوكرانيون خلال الشهر الأول للحرب في بلادهم، ومن المتوقع أن يتجاوز هذا العدد الـ10 ملايين حسب هيئات دولية.
ثالثاً، اقتصادياً، أليس الأولى بالهجرة هم من ضاقت بهم الحياة بالفعل في مكان إقامتهم كما حدث للسوريين؟
فالوضع الاقتصادي في سوريا فعلاً لا يطاق، وقد وصل الأمر ببعض من فضّل البقاء إلى البحث في القمامة للحصول على قوت يومه، عكس الأوكرانيين الذين تعتبر بلادهم سلةّ غذاء العالم وما زالوا يتمتعون بالماء والغذاء والكهرباء رغم الحرب التي لم تغطِّ كل التراب الأوكراني.
رابعاً، عسكرياً، منذ اليوم الأول للحرب الأوكرانية لم تتوقف الدول الغربية عن دعم الجيش الأوكراني بأحدث الأسلحة والمعدات، والدليل على ذلك هو تمكن كييف من الصمود أمام ماكينة الدب الروسي حتى الآن، على عكس الوضع في سوريا. صحيح أن بعض الدول الغربية قد سلحت فصائل معينة من المعارضة، إلا أن حجم ذلك الدعم لا يمكن أن يقارن مع ما يملكه جيش بشار الأسد الذي لا يزال يعتبر حتى الآن رغم مرور سنوات على الحرب من أقوى الجيوش العربية – بحسب موقع Global Fire Power– ومن ورائه إيران وروسيا.
إذاً لا يمكن مقارنة الوضع بين الدولتين، واللوم هنا لا يقع على الشعوب. فالعامة عادة ما يتبنون الفكرة التي ترددت على مسامعهم.
والوضع في تركيا، كما غيرها من البلدان، ليس استثناء، فأغلب من استطلعت آراؤهم لا يملكون المعلومات الكافية عما يحدث في سوريا. أو أنهم قد سمعوا إحدى دعايات أحزاب المعارضة التي لا تنفك تطلق الأكاذيب حول اللاجئين في تركيا حتى ملّت حكومة بلادهم من تكذيبها، وفي الحالتين يعتبر ذلك إجحافاً بحق السوريين الذين ما زالوا يكابدون مرارة الحرب منذ ما يزيد عن 11 سنة!
المصدر: عربي بوست