تأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي في وقت تواجه فيه العلاقات بين واشنطن ودول الشرق الأوسط تحديات. بينما تقترب الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من إحياء الاتفاق النووي الإيراني، بعد نحو عام من المفاوضات التي شابها كثير من التأرجح، هناك أزمة تلوح في الأفق بين واشنطن من جهة وحلفائها في الشرق الأوسط ممن يعارضون تجديد الاتفاق القديم الذي طالما أثار انتقادات الدول العربية وإسرائيل لما يحتويه من ثغرات من جهة أخرى.
فعندما تم عقد الاتفاق النووي في يوليو (تموز) 2015، تركزت الانتقادات على الثغرات والعيوب التي شابته. وفي مقابل فوائد مالية هائلة للاقتصاد الإيراني، تغاضى الاتفاق عن دفع إيران إلى تبني سياسة إقليمية أكثر مسؤولية بدلاً من أنشطتها المزعزعة للاستقرار، التي تعتمد بشكل رئيس على كسب النفوذ الإقليمي من خلال الجماعات المسلحة في دول المنطقة، ولم يقضِ الاتفاق على البرنامج النووي الإيراني بل حدد المدة، مما يعني استئناف إيران بعد انقضاء فترة الاتفاق أنشطتها النووية. إضافة إلى عدم تناوله قضية الصواريخ الباليستية، وهذه أمور تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بمعالجتها عبر اتفاق نووي جديد أوسع وأكثر شمولاً.
لكن، يبدو أن الإدارة الأميركية لم تنجح في تحقيق ما تعهدت به، ففي الأشهر الماضية، انتقد مسؤولو إسرائيل علناً المفاوضات الجارية منذ أبريل (نيسان) 2021. وفي فبراير (شباط) الماضي، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت من أن إيران قد توافق “قريباً” على اتفاق نووي جديد لكنه سيكون “أضعف” من اتفاق 2015، الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عام 2018. واعتبر بينيت أن أي عائدات ستحصل عليها إيران نتيجة تخفيف العقوبات الجديدة ستستخدم في شراء أسلحة يمكن أن تضر بالإسرائيليين.
قلق مشترك
ووسط حالة من الزخم والتفاؤل في إيران، بشأن قرب إتمام اتفاق نووي مع القوى الدولية بديلاً مما يُعرف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة”، يتزايد القلق في المنطقة من ملامح ذلك الاتفاق. وأفادت وسائل إعلام أميركية بأن إسرائيل تشحن القلق بين شركائها العرب. وهو ما يقود زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الذي استهل جولته في الشرق الأوسط بزيارة إسرائيل، الأحد 27 مارس (آذار)، للمشاركة في قمة تضم وزراء خارجية مصر والمغرب والإمارات والبحرين.
وتخشى إسرائيل من عدم وجود ضمانات كافية في الاتفاق الجديد لمنع إيران من تطوير أسلحة نووية. وتعتقد إسرائيل ودول في الخليج أن تخفيف العقوبات الاقتصادية سيسمح لطهران بتكثيف أنشطتها العسكرية في المنطقة، بما في ذلك دعم الجماعات المسلحة الموالية لإيران في اليمن ولبنان والعراق وسوريا.
وخلال لقائهما في القدس، الأحد، أبدى بينيت قلقه من دعوات شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية. وقال بينيت لوزير الخارجية الأميركي، “يساورنا القلق في شأن نية شطب الحرس الثوري الإيراني” من القائمة. وأضاف “آمل أن تستمع الولايات المتحدة إلى الأصوات القلقة في إسرائيل والمنطقة، مع آخرين، حول هذه القضية المهمة جداً”.
وكان بينيت ووزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد أصدرا بياناً، الأسبوع الماضي، قالا فيه إنهما “يجدان صعوبة في تصديق أن تصنيف الحرس الثوري الإيراني… ستتم إزالته مقابل وعد بعدم إلحاق الضرر بالأميركيين… نعتقد أن (الولايات المتحدة) لن تتخلى عن أقرب حلفائها مقابل وعود جوفاء من الإرهابيين”.
وتتفق دول المنطقة في قلقها بشأن أي تخفيف للعقوبات ورفع “الحرس الثوري الإيراني” من قوائم المنظمات الإرهابية. وهو مطلب إيراني كجزء من الاتفاق النووي. الأمر الذي من شأنه أن يشجع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، من “حزب الله” في لبنان إلى الحوثيين في اليمن، الذين شنوا أخيراً هجمات صاروخية عدة ضد أهداف مدنية في الإمارات والسعودية، وكذلك حركة “حماس” في قطاع غزة.
توتر العلاقات مع واشنطن وتحالف ناشئ
ويشير مراقبون إلى أن زيارة بلينكن تأتي في وقت تواجه فيه العلاقات مع العديد من دول الشرق الأوسط تحديات، إذ يشكك الحلفاء الرئيسيون مثل إسرائيل والإمارات في التزامات إدارة بايدن تجاه المنطقة. ويبدو أن هناك حالة من الغضب في الخليج حيال الطريقة التي تتعامل بها واشنطن مع التحديات الأمنية في المنطقة، ولا سيما موقفها من الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن.
وفي وقت سابق من مارس الحالي، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الأميركية، إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، رفضا تلقي مكالمات من الرئيس الأميركي لمناقشة قضايا الطاقة الناجمة عن العقوبات الأميركية على روسيا، بسبب استيائهما من السياسة الأميركية في الخليج.
ومما يؤكد المخاوف الإقليمية، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”، الأميركية، أن الحكومة الإسرائيلية رتبت على عجل اجتماعاً لكبار الدبلوماسيين من الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام معها.
والاثنين الماضي، زار بينيت مصر لحضور لقاء تاريخي مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي، إذ كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها قادة الدول الثلاث. وركزت المحادثات على استراتيجية دفاع إقليمي مشترك ضد إيران، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
وقالت شبكة “أي بي سي نيوز”، الأميركية، إنه ربما هناك قلق أميركي من تنامي تحالف مناهض لإيران في المنطقة، لكن واشنطن في الوقت ذاته حريصة على أن لا يظهر هذا القلق إلى العلن. وفي المثل، يحرص بينيت على تجنب الخلاف العلني مع إدارة بايدن، وهو ليس الأول من نوعه بين واشنطن وتل أبيب، إذ اتسمت العلاقة بين إدارة باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، بالتوتر. وفي عام 2015، خاطب نتنياهو الكونغرس الأميركي للضغط من أجل رفض الاتفاق النووي، ما أثار حفيظة البيت الأبيض.
بدلاً من ذلك، سعى بينيت ووزير خارجيته، الذي من المفترض أن يخلفه في رئاسة الوزراء طبقاً لاتفاق لتقاسم السلطة، لتأكيد نقاط اتفاقهما مع فريق بايدن. وعندما التقى لبيد وبلينكن في ميونيخ، في فبراير الماضي، شددا على “هدفهما المشترك” في منع إيران من الحصول على سلاح نووي. لكن في الوقت نفسه، فإن هذا ما جعل معارضة بينيت ولبيد بعض أجزاء من الاتفاق المحتمل، صاخبة. ففي بيانهما، الأسبوع الماضي، قالا إن “محاولة شطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية إهانة للضحايا وستتجاهل الواقع الموثق المدعوم بأدلة قاطعة”.
محاولة للطمأنة
ويسعى وزير الخارجية الأميركي إلى طمأنة إسرائيل والحلفاء العرب بأن إدارة بايدن ملتزمة بأمن المنطقة. وقبيل قمة صحراء النقب، قال بلينكن خلال المؤتمر الصحافي الذي جمعه مع نظيره الإسرائيلي، الأحد، “عندما يتعلق الأمر بالعنصر الأكثر أهمية، فإننا نتفق تماماً… كلانا ملتزم، وكلانا مصمم على أن إيران لن تمتلك أبداً سلاحاً نووياً”.
وقال بلينكن إن الولايات المتحدة تعتقد أن استعادة الاتفاق النووي هو أفضل سبيل لاستعادة السيطرة على البرنامج النووي الإيراني. وأضاف “التزامنا بالمبدأ الأساسي المتمثل في عدم حيازة إيران سلاحاً نووياً لا يتزعزع”. وتعهد بالتعاون مع إسرائيل لمواجهة “السلوك العدواني” لإيران في المنطقة.
وقال مسؤولون من إدارة بايدن إن محادثات المتابعة مع إيران ستتناول قضايا مثل برنامج الصواريخ الباليستية أو دعم طهران قوات بالوكالة مثل “حزب الله” أو الحوثيين. لكن، وفقاً لمراقبين فإن هذه المحادثات مستبعدة، إذ ترفض إيران الحوار المباشر مع الولايات المتحدة حتى في المفاوضات النووية. وفي الحالين، يقول منتقدون مثل بينيت إن إحياء الاتفاق سيعني توفير أموال جديدة لإيران لإبراز نفوذها في أنحاء المنطقة وتهديد خصومها.
وفي تعليقات لشبكة “أي بي سي نيوز”، قال ميك مولروي، مسؤول رفيع سابق في البنتاغون، إن “محاولة التوصل إلى اتفاق يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي ويتصدى لهجماتها على شركائنا الرئيسين هو جهد يستحق المتابعة. لكننا بحاجة إلى استشارة شركائنا وإدراك أن إيران لم تتغير، وبالنظر إلى الهجمات الأخيرة في شمال العراق وتلك التي استهدفت السعودية، فإنها لا تنوي التغيير. نحن بحاجة إلى اتفاق يصلح للجميع، وليس مجرد اتفاق من أجل التوصل إلى اتفاق”.
لم يتضح بعد إذا ما كانت أي قرارات ستنبثق من القمة الدبلوماسية في صحراء النقب، لكن التقارب المتزايد بين إسرائيل ودول المنطقة، في ما يتعلق بإيران، دفع الإدارة الأميركية المنشغلة بحرب أوكرانيا، إلى الالتفاف إلى أزمة تلوح في الأفق مع شركائها في المنطقة، وهو ما يتضح في تغير نغمة واشنطن.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، “الاتفاق ليس وشيكاً وليس مؤكداً، وفي الواقع، نحن نستعد… لسيناريوهات مع ومن دون عودة متبادلة إلى التنفيذ الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة”.
وفي حديثه أمام منتدى الدوحة الدولي، الأحد، قال المبعوث الأميركي إلى إيران روبرت مالي، إنه ليس واثقاً من أن الاتفاق النووي بين القوى الغربية وإيران وشيك، وأضاف “كلما أسرعنا في العودة إلى الاتفاق، وهو ما يصب في صالحنا ويفترض في صالح إيران أيضاً، فإننا سننفذه بإخلاص أكبر ونستطيع البناء عليه لمعالجة القضايا الأخرى بيننا وبين إيران، وبين إيران والمنطقة”.
المصدر: اندبندنت عربية