يتعرّض القطاع الصحي في مناطق الشمال السوري لضغوط كبيرة في ظل العجز وانخفاض نسبة التمويل وتوقف عمل بعض المستشفيات، الأمر الذي دفع أهالي مدينة بنش في ريف إدلب للتوجه إلى مشروع رائد في المنطقة يتمثل في بناء مجمع طبي أطلق في نهاية 2020.
ويقول مسؤول التنسيق الإعلامي في المشروع جلال سميسم إن الأسباب التي أدت إلى إطلاق المشروع عديدة، أهمها النزوح والتهجير خلال السنوات الأخيرة وتمركز المهجرين والنازحين في مناطق محافظة إدلب، وخسارة الكثير من المنشآت الطبية، وانخفاض الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والمنشآت الصحية في الوقت الحالي، فضلاً عن الالتزامات المالية الشهرية المترتبة بسبب بدلات إيجار مبنى المستشفى والعيادات والمختبر والصيدلية والمستودعات.
يوضح سميسم أن الجهات المساهمة في بناء المجمع الطبي هي جهات غير رسمية، تضم تجمعاً للأهالي من المقيمين داخل سورية، بالإضافة لأشخاص مقيمين خارج سورية، منهم تجار ومهتمون بهذا الشأن، وتنظم عملية جمع الأموال عن طريق مجلس الإدارة بالإضافة إلى جهة خارجية لتحقيق الحسابات، وهي شركة “البيان للمحاسبة والتدقيق المالي” لضمان الشفافية المالية.
كما يشير إلى أن المجمع مكون من مستشفى يضم قسماً للطوارئ ومختبراً و9 غرف عمليات وحوالي 160 سريراً بالإضافة إلى وحدة عناية القلب المركزة بقدرة استيعابية تبلغ 9 أسرة، ووحدة العناية المركزة بقدرة استيعابية تبلغ 10 أسرة، بالإضافة إلى قسم أشعة متكامل (تصوير الأشعة السينية، تصوير مقطعي محوسب، تصوير بالرنين المغناطيسي، تصوير الثدي الشعاعي)، ووحدة لإجراء القسطرة القلبية وغيرها. كما توجد نحو 20 عيادة طبية تشمل معظم التخصصات بالإضافة إلى مختبر وصيدلية وقسم للصحة المجتمعية والتغذية والدعم النفسي والحماية، وقسم للعلاج الفيزيائي ومركز لغسل الكلى في وقت لاحق.
ولدى سؤاله عن آليات دعم المجمع الطبي، يقول سميسم: “في المنظور القريب، سيستمر الاعتماد على دعم المنظمات الإنسانية. وفي حال توقف الدعم بشكل نهائي من قبل المنظمات، يمكن اللجوء إلى خيارات سابقة كجمعية البر والخدمات الاجتماعية ومركزها مدينة حمص، والتي كانت معروفة قبل اندلاع الثورة السورية”، يضيف أن “الجهة المسؤولة عن المشروع هي مجلس إدارة مؤلف من كوادر مستشفى بنش الحالي”.
من جهته، يقول عضو مجلس إدارة المشروع سعيد ناصر، لـ”العربي الجديد”، إن “المستشفى سيكون مجانياً”، مشيراً إلى أن “الفكرة بدأت بعد ملاحظة المعاناة الكبيرة للمرضى والمصابين في ظل صعوبة دخول مستشفى مجاني وضيق سبل العيش والفقر الذي تعيشه غالبية سكان المناطق هنا”، ويشدد على أهمية “إنشاء مستشفى نموذجي يضم غالبية التخصصات وفي منطقة هادئة بعيدة عن مركز المدينة والازدحام المروري، وإنهاء معاناة الالتزامات الشهرية المترتبة على استئجار المباني الحالية”.
من جهته، يقول محمد المصطفى، وهو من أبناء بنش، في حديث لـ”العربي الجديد”: “بسبب العدد الكبير من المرضى المراجعين للعيادات الخارجية، هناك صعوبة في تأمين حجز مسبق في العيادات ولأيام عدة”، يضيف: “أحياناً، نأتي لقسم الطوارئ فيكون مزدحماً بالمرضى، الأمر الذي يجعلنا ننتظر وقتاً طويلاً ريثما يسمح لنا بالدخول والمعاينة. وعادة ما يتم تحويلنا من العيادات الخارجية إلى المستشفيات. لكن للأسف، ما من أسرة فارغة تكفي جميع المرضى. وفي حال إجراء عمليات جراحية، يخرج المرضى من المستشفيات خلال وقت قصير بسبب الحاجة إلى إدخال مرضى آخرين”.
يتابع المصطفى أن “وجود مستشفى جديد يخفف عن الأهالي الكثير من المعاناة”. ويقع المستشفى في منطقة بعيدة عن مركز المدينة، الأمر الذي يسهّل وصول سيارات الإسعاف، كما توجد مواقف سيارات للمراجعين على عكس المستشفى الحالي المستأجر في مركز المدينة وسط الازدحام”.
وتسبب انخفاض تمويل القطاع الصحي أخيراً في توقف 18 منشأة صحية عن العمل شمال غرب سورية، علماً أن المنطقة ذات كثافة سكانية عالية.
يشار إلى أنه خلال عام 2021، تلقت الأمم المتحدة وشركاؤها 46 في المائة فقط من إجمالي التمويل المطلوب (4.2 مليارات دولار)، بموجب خطة الاستجابة الإنسانية لسورية. ودفع نقص التمويل منظمة الصحة العالمية قبل أشهر إلى توجيه نداء طارئ لتوفير 257.6 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية في سورية والحفاظ على الرعاية الصحية الأساسية، بما يشمل الاستجابة لكوفيد-19 وتقديم خدمات منقذة للحياة وبناء نظام صحي مرن.
المصدر: العربي الجديد