كثرت التكهنات حول خلفيات وأبعاد الزيارة المفاجئة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى أبو ظبي ودبي في 18 مارس (آذار)، حيث التقى ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وكبار المسؤولين فيها، ثم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والتي اقتصرت الأخبار الرسمية الموزعة حولها على العموميات من دون ذكر مواضيع محددة تناولها المسؤولون في البلدين.
احتاج الحدث إلى شرح لمقدماته، ولما سينتج عنه، لأن الأسد لم يزُر طوال الحرب في سوريا منذ بدايتها في 15 مارس 2011 إلا دولتين، روسيا وإيران، اللتين ساعدتاه على مواجهة المعارضة السورية والاحتفاظ بالسلطة في سوريا، بعد أن كادت قوات المعارضة تُطيحه في عام 2013، ثم في عام 2015، في وقت كانت فيه الدول العربية الفاعلة تقف ضده، ويدعم بعضها المعارضة، بعد أن جمّدت الجامعة العربية عضوية دمشق فيها.
أبو ظبي وصفر مشاكل
التصريح الأكثر وضوحاً عن الزيارة صدر عن المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، الوزير أنور قرقاش، الذي اعتبر أنها “تنطلق من توجه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، ومن قناعة إماراتية بضرورة التواصل والانفتاح والحوار في الإقليم”، مشيراً إلى أن “المرحلة تحتاج إلى خطوات شجاعة”، والأبرز في كلامه أن الإمارات “مستمرة في انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة”.
أي إن قرقاش وضع استقبال أبو ظبي للأسد في إطار السياسة الجديدة التي قررت اتباعها وتقوم على مبدأ “صفر مشاكل” مع محيطها الإقليمي والعربي، ومع الدول المؤثرة عالمياً. فتعداد الدول التي صاغت أبو ظبي سياسة انفتاح معها في الآونة الأخيرة، بعد أن كانت العلاقات معها، تتسم إما بالجفاء، أو بالعداء، أو باللامبالاة، يُظهر مدى اهتمامها بالسعي إلى خفض التوترات، وهي: إسرائيل، وتركيا، وإيران، وروسيا، وسوريا… وإلقاء نظرة على الصراعات التي تخوضها هذه الدول في المنطقة، والتناقضات بين جزء منها والجزء الآخر، فضلاً عن خصومة بعضها العميقة مع دول هي حليفة رئيسة للإمارات، مثل السعودية التي تخوض صراعاً عنيفاً مع إيران في اليمن، الأمر الذي يمسّ الأمن العربي والخليجي، يكفي للاستنتاج بأن أبو ظبي تسعى إلى أن تكون دولة قادرة على لعب دور التهدئة إقليمياً، وأن تشكل صلة وصل بين الأفرقاء المتصارعين.
الطابع “الشخصي” للاستقبال وانتقادات المعارضة
يُسارع بعض المهتمين بمعرفة أهداف كل من القيادتين السورية والإماراتية من وراء الزيارة، إلى تسجيل بضعة ملاحظات انتبه إليها القليل من وسائل الإعلام:
أولاً: الزيارة لم تكن رسمية، بل كانت أشبه بالزيارة الشخصية، إذ غابت مظاهر الاستقبال الرسمي في المطار، أو أي بروتوكولات يتم اعتمادها في مناسبات كهذه.
ثانياً: الطائرة التي أقلّت الرئيس السوري كانت إماراتية، ولم تكن رئاسية سورية.
ثالثاً: اللقاءات التي نشرت صور لها لم تكن في إطار مقار رئاسية، ولم تظهر على أنها حصلت في المقار التي يتم استقبال رؤساء الدول فيها، بل بدت كأنها في مكاتب خاصة، أو في استراحات.
رابعاً: لم يعلن عن الزيارة قبل أو أثناء حصولها، بل على أثر انتهائها وعودة الوفد السوري إلى دمشق.
وفضلاً عن تعبير واشنطن عن خيبة أملها من استقبال الأسد في الإمارات، كان من الطبيعي أن تثير الزيارة حفيظة المعارضة السورية، لا سيما أنها أتت بعد ثلاثة أيام على الذكرى الـ11 لاندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد، وانتقدها قادة ائتلاف قوى الثورة والمعارضة، معتبرين أن دعوة الإمارات للأسد لم تكن مبررة، وأن الزيارة انتهاك لقرارات الجامعة العربية حول مقاطعة النظام وتناقض قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة ضد النظام.
مناخ التقارب مع روسيا والتباين مع أميركا
وبقيت هذه الملاحظات من دون ملامسة الهدف الفعلي من وراء الزيارة. فهي تتم في ظل استمرار التحفظات العربية على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ليس فقط من الدول العربية الرئيسة المعنية بالقرار النهائي في هذا الشأن، ولا سيما المملكة العربية السعودية ومصر، إضافة إلى قطر، بل من الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، التي تعارض التطبيع الدولي والعربي مع النظام السوري، وتُبقي على قانون “قيصر” سيفاً مسلطاً على التعاون معه، وتستمر في وصفه بأنه مسؤول عن قتل السوريين و”الفظائع التي ارتكبها”… على الرغم من أن إدارة الرئيس جو بايدن باتت تسلم باستمرار الأسد في الحكم، لكنها تلح على أن يقدم على حل سياسي يحقق حكم انتقال سياسي وفق قرار مجلس الأمن الرقم 2254 .
وترجح المصادر الدبلوماسية العربية لكل هذه الأسباب ألا تتم دعوة دمشق إلى القمة العربية المنتظر انعقادها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الجزائر.
الغموض حول زيارة الأسد إلى الإمارات قاد بعض الأوساط إلى التفتيش عن سبب خفي، وذكر موقع “شفاف” الإخباري أن الرئيس السوري التقى في دولة الإمارات شخصية إسرائيلية هي وزير الخارجية يائير لبيد، وبوساطة إماراتية، إلا أن هذا الخبر بقي يتيماً لم يجد من يؤكده، في وقت اعتبر فيه من شككوا بصحته أنه بعيد من الواقع، فإذا من قنوات بين سوريا وإسرائيل، تتولاها موسكو لا أبو ظبي.
وصنف البعض قرار الإمارات استقبال الأسد في سياق السعي إلى نسج علاقات متوازنة من قبل بعض دول الخليج على الصعيد الدولي، لا سيما بعد الحرب الروسية في أوكرانيا والمواجهة بين موسكو وواشنطن، خصوصاً أن دولة الإمارات سلفت الكرملين امتناعها عن التصويت إلى جانب مشروع قرار في مجلس الأمن يدين روسيا لحربها على أوكرانيا، على الرغم من تصويتها إلى جانب هذه الإدانة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بالتالي، فإن التقدم في علاقة أبو ظبي مع الأسد كحليف رئيس لموسكو يأتي في سياق توثيق العلاقة معها، في ظل التراجع في العلاقة الإماراتية والسعودية مع واشنطن كما تشير إلى ذلك التقارير الأميركية. فملف الخلافات يتضمن مواضيع كبرى، بدءاً بالتدابير التي يطلبها الرئيس بايدن لخفض أسعار النفط خلافاً لقرارات “أوبك+”، والتوجس من تنازلات إدارة بايدن لمصلحة طهران في اتفاق فيينا المرتقب، والموقف من استمرار إيران في تشجيع الحوثيين على الاعتداءات ضد دول الخليج. ولا ينسى أصحاب وجهة النظر هذه التذكير بأن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد زار موسكو واجتمع إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل يوم واحد من زيارة الأسد إلى أبو ظبي. وأشار إلى أن البحث تناول “أزمات أوكرانيا وسوريا واليمن والعراق ولبنان”، ولطالما شجعت موسكو دول الخليج على الانفتاح على سوريا لأن طهران تملأ فراغ غيابها عنها.
ماذا يمكن للأسد أن يقدمه؟
لكن السؤال بقي في هذا المجال: ما المقابل الذي يمكن أن تحصل عليه الإمارات إزاء تطبيع العلاقة مع الأسد؟ وهل من ثمار يمكن جنيُها جراء الانفتاح عليه في وقت قد يتسبب فيه ذلك بانتقادات لدولة الإمارات في بعض دول الغرب كما حصل في بعض الصحف البريطانية مثلاً، وفي بعض الأوساط العربية والسورية؟ فالمزاج الغربي هذه الأيام في ظل الحرب في أوكرانيا لا يحتمل ما يظهر على أنه لمصلحة روسيا أو حلفائها. والاصطفافات الدولية الناجمة عن الصراع الأميركي – الروسي، تحتاج إلى وقت كي تتبلور.
إلا أن بعض المطلعين يشير إلى أنه سبق لتحرك عماني في اتجاه دمشق آخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، أن توخى من الأخيرة دوراً في إقناع طهران والحوثيين بوقف اعتداءاتهم على السعودية والإمارات، ولم يعرف ما إذا كان وقف إطلاق الصواريخ على أبو ظبي ودبي حصل منذ حينها بفعل وساطة سورية في هذا السياق، إذ إنها استمرت ضد السعودية وحدها.
ويرى كثير ممن يتابعون التوجهات الأميركية والأوروبية في العلاقة مع إيران، مصدر الشكوى الرئيس من قبل دول الخليج بفعل تدخلاتها والحروب التي تفتعلها في المنطقة، ولا سيما في اليمن، أن المراهنة على جذب سوريا بعيداً عنها باستعادتها إلى الحضن العربي تستحق المحاولة. فالأسد يحتاج في المقابل إلى مساعدة دول الخليج المالية على المدى القصير، من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سوريا منذ سنتين، وعلى المدى الطويل من أجل إعادة إعمار البلد المهدم، لا سيما أن المساعدات الدولية ستتقلص على الصعيد العالمي بعد الحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، خصوصاً أن هذه المساعدات يتوجه جزء غير قليل منها إلى أوكرانيا والدول المحيطة التي تحتضن النازحين، لكن حاجة القيادة السورية للمساعدات المالية قد لا توازي قدرتها على أخذ المسافة المطلوبة من قبل الدول العربية عن إيران، بحيث يتحول الانفتاح عليه إلى تحرك يستفيد منه النظام من دون أن يعطي شيئاً في المقابل. فهناك توجهات في دمشق قضت بتخصيص بعض المناطق المدمرة لشركات روسية، وأخرى إيرانية كي تُعيد إعمارها، وفق مذكرات تفاهم تشمل توزيعاً للحصص على شركاء سوريين، ينتظرون ضوءاً أخضر سياسياً.
المصدر: اندبندنت عربية