انطلاق “الدستورية السورية”.. والمعارضة بين “انسحاب وتريث وانخراط”

ضياء عودة

انطلقت الجولة السابعة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية”، صباح الاثنين، في مدينة جنيف السويسرية، على الرغم من “خيبة الآمال” التي سادت على مشهد الجولات الست الماضية، بحسب أعلن مؤخرا المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، وشخصيات في المعارضة السورية.

وكان الرئيسان المشتركان للجنة من وفدي النظام السوري والمعارضة، أحمد الكزبري وهادي البحرة، قد اجتمعا، الأحد، بحضور بيدرسون، وقال الأخير في أعقاب ذلك: “لن أحكم مسبقا على نتيجة هذه الدورة، لكن سأحاول تقديم إحاطة في نهاية الأسبوع”.

وأوضح بيدرسون، بحسب بيان نشر الاثنين، أنهم استعرضوا خلال الاجتماع جدول الأعمال لهذا الأسبوع، بينما اتفاق الكزبري والبحرة “على المبادئ أو العناوين الأربعة التي ستتم مناقشتها”.

والمبادئ هي: أساسيات الحكم، هوية الدولة، رموز الدولة، تنظيم وعمل السلطات العامة، وأشار بيدرسون: “سوف نقضي يوما واحدا على كل مبدأ”.

“بين 3 أطراف”

وإضافة إلى أن الجولات الست الماضية من “الدستورية” لم تقدم أي شيء على صعيد كتابة “الدستور السوري”، كانت روسيا قد “أوضحت على العلن ما يراه الكثير من السوريين” بالفعل.

وفي تصريحات له، في ديسمبر العام الماضي، أكد ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي إلى سوريا لوكالة “تاس” الرسمية أن “كتابة وإعداد دستور جديد ينبغي ألا يهدف إلى تغيير السلطة في دمشق”.

وأوضح أن حكومة النظام السوري “راضية عن الدستور الحالي، ولا ترى ضرورة لإحداث أي تغيير فيه، مضيفا: “طبعا إذا رأت المعارضة ضرورة إجراء تغييرات، فيجب النظر في القضايا التي تهمها وطرحها على التصويت سوءا عبر الاستفتاء أو من خلال طرق أخرى لإقراره”.

ويطرح ذلك تساؤلات عن أسباب استمرار وفد المعارضة السورية بالانخراط في هذا المسار، الذي يراه معارضون بأنه “فاشل” تحت العبارات المتداولة بأنه “مخيبٌ للآمال”.

وتشي تصريحات لمعارضين، تحدث إليهم موقع “الحرة” إلى وجود حالة من التوتر داخل المعارضة السورية، فأطراف تريد “التريث” من جهة بشأن مسار “الدستورية”، وآخرون يرفضون المتابعة بهذا المسار؛ بينما مضى قسم ثالث لحضور الجولة السابعة التي تعقد في الوقت الحالي، ليومين.

الدكتور يحيى العريضي عضو  “هيئة التفاوض السورية” قال لموقع “الحرة” إنه قرر “عدم المتابعة في طريق اللجنة الدستورية البائس، ومسارها العبثي”.

وتحدث العريضي عن اجتماع عقدته “هيئة التفاوض” قبل أسابيع لاتخاذ موقف تجاه منهجية “خطوة بخطوة” التي يروّج لها بيدرسون، “وخاصة أنه لم يلتفت لكتاب اعتراض رسمي من الهيئة تجاه هذه المنهجية التي تخرج عن ولايته…”.

ويضيف العريضي: “في اجتماعنا الأخير رفضنا مقاربة بيدرسون (خطوة بخطوة) ودعواته لعقد الجولة السابعة، حيث كنا أرسلنا كتابا بخصوص ذلك، لكنه ضرب كل شيء بعرض الحائط ودعا للمشاركة في الجولة الحالية”.

ويوضح العريضي: “رغم كل تلك المخاطر والتطورات الكارثية التي تحيط بالحق السوري، دأب البعض في مؤسسات المعارضة السورية على التفرد والإقصاء وتسيير المؤسسات بالاتجاه الذي يريدونه”.

ما هي “خطوة بخطوة”؟

وقبل أشهر قليلة بدا توجه يقوده المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون تحت مقاربة تسمى بـ”خطوة مقابل خطوة”، من أجل التوصل إلى حل سياسي للملف السوري “المستعصي”.

وهذه المقاربة تتلخص في أن تُقدم واشنطن مع حلفائها على رفع أو تخفيف بعض العقوبات عن النظام السوري، مقابل دفع موسكو الأخير لتنازلات من شأنها أن تحرز تقدما في مسار عملية الحل السياسي.

ورغم تأكيد بيدرسون عليها كسبيل للحل، إلا أن النظام السوري سبق أن رفضها على لسان وزير خارجيته، فيصل المقداد، وكذلك الأمر بالنسبة لـ”هيئة التفاوض السورية” و”الائتلاف الوطني السوري”.

وقبل الموقف الذي أبداه العريضي خلال حديثه لموقع “الحرة” كان المعارض السوري، إبراهيم الجباوي قد أعلن قبل أشهر انسحابه من مسار اللجنة الدستورية.

ويقول الجباوي لموقع “الحرة”: “اللجنة الدستورية لم تقدم أي شيء سلبي أو إيجابي. هي متماهية مع إملاءات الدول عليها. قيادات اللجنة تتماهى مع التعليمات الجغرافية أو القطرية أو الإقليمية والدولية”.

ويضيف السياسي المعارض، في إشارة له عن وفد المعارضة: “ذهبت هذه القيادة باللجنة إلى ما هو أبعد من ذلك، حينما اعتبرت أنها كيان مستقل عن هيئة التفاوض ولا تتشاور مع اللجنة الموسعة وهيئة التفاوض”.

وزاد الجباوي: “الرئيس المشترك عن وفد المعارضة يذهب باللجنة المصغرة، ويتماهى مع جميع القرارات. اللجنة عبثية ولم تحقق أي شيء ولن تنتج أي شيء”.

وحاول موقع “الحرة” التواصل مع الرئيس المشترك للجنة، هادي البحرة، للحصول على رد يتعلق بأسباب الانخراط في هذا المسار “المخيب للآمال”، إلا أنه لم يتلق ردا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.

ويوضح الجباوي في تعليقه على جدول أعمال الجولة السابعة: “كل بند يحتاج نقاشه يوم. بذلك ستنعقد مئات الجولات لوضع دستور جديد، وهذا إن انخرط النظام السوري فيه”، مستدركا: “ولن ينخرط!”.

“على قيد الحياة”

وكانت فكرة اللجنة الدستورية لصياغة دستور جديد لسوريا برزت في مؤتمر سوتشي بروسيا، الذي عقد في يناير من العام 2018 برعاية الدول الثلاثة الضامنة روسيا وتركيا وإيران، بيد أن العديد من المعارضين والحقوقيين أشاروا إلى أن فكرة تلك اللجنة ومنذ انطلاقها لم تكن موجودة في الوثائق الدولية، ولا في كل قرارات مجلس الأمن، التي هي في الأصل الحاضنة القانونية للحالة السورية.

وعقدت آخر جولات اللجنة (الجولة السادسة)، في 18 أكتوبر 2021، بعد تعطيل دام أكثر من 9 أشهر، ولكنها وكسابق الجولات لم تسفر عن أي تقدم، وجرى الاتفاق على عقد جولة سابعة عقب شهر، إلى أن أعلن عنها ليومين في أواخر مارس الحالي.

وكانت الفقرة الرابعة من قرار مجلس الأمن “2254” نصت على أن العملية السياسية في سوريا تتضمن تأسيس حكم شامل وغير طائفي خلال ستة أشهر، وعقب ذلك يتم النظر في النظام الدستوري للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في 18 شهرا، أي أن الدستور حسب الوثائق يأتي ما بعد “هيئة الحكم الانتقالي”.

ويرى الدبلوماسي السوري السابق، بشار الحاج، أن “المسار الدستوري في جنيف جزء من العملية السياسية التفاوضية، التي بدأت بدعم وتوافق دولي تحت مظلة الأمم المتحدة وقرارت مجلس الأمن، وبسبب تعثر المفاوضات السابقة وفشل المبعوثين الأمميين ماقبل السيد بيدرسون. ليس بسببهم باعتقادي بل بسبب الوضع الدولي العاجز”.

ويقول الحاج علي لموقع “الحرة”: “لم يتبق من العملية السياسية تحت هذا العنوان حتى الآن سوى اللجنة الدستورية بجولاتها غير المنتجة، كدليل على بقاء ما يسمى الحل السياسي على قيد الحياة”.

وبوجهة نظر الدبلوماسي السوري السابق: “في ظل العجز المتراكب دوليا ووطنيا عن الوصول لحل من الجيد لنا كقوى ثورة ومعارضة الاستمرار في وضع المجتمع الدولي أمام عجزه، وأمام مسؤليته عن المأساة السورية، وهنا تقع المشاركة في جولات اللجنة الدستورية ضمن هذا السياق”.

و”ليس من الحكمة”، بحسب السياسي المعارض “التخلي عن الدستورية دون مقابل أو مكسب سياسي”، لاسيما أنها تعمل “تحت القرارات الأممية ذات الصلة وخاصة القرار 2254، وتم تشكيلها بالمساواة بين قوى الثورة والمعارضة من جهة والنظام من جهة أخرى، بإلاضافة لثلث المجتمع المدني”.

وحول إمكانية الوصول لنقاط مشتركة من خلال النقاشات في جولات الدستورية، يعتقد الحاج علي أن “ذلك ممكنا، لكن ارتهان النظام القمعي لأعضاء وفده يجعلهم يرتبكون ويتراجعون، كما حدث في الجولة السابقة”.

ولم يخف النظام السوري مؤخرا موقفه الرسمي من “اللجنة الدستورية السورية” بل كان صريحا، وبشكل خاص على لسان بشار الأسد، في أثناء مقابلة له مع “زيفيردا” التابعة لوزارة الدفاع الروسية، في أكتوبر 2020.

وقال الأسد حينها إن “تركيا والدول الداعمة لها، بما فيها الولايات المتحدة وحلفاؤها، غير مهتمة بعمل اللجنة الدستورية بصورة بناءة، ومطالبها تهدف إلى إضعاف الدولة السورية وتجزئتها”، وإنه يرفض التفاوض حول قضايا تخص استقرار سوريا وأمنها.

ووصف الأسد محادثات اللجنة في جنيف بأنها “لعبة سياسية”، وأنها ليست ما يركز عليه عموم السوريين، في لقاء آخر مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في أكتوبر 2020.

والشعب السوري، برأي الأسد “لا يفكر بالدستور، ولا أحد منه يتحدث عنه، واهتمامات الشعب السوري تتعلق بالإصلاحات التي ينبغي تنفيذها، والسياسات التي يحتاج تغييرها لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري”.

المصدر: الحرة. نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى