سياسيون سوريون: ثورة سورية كانت ضحية لموقعها الاستراتيجي في المنطقة

قد لايحق للسوريين الاحتفال بذكرى ثورة ظنّوا أنها ستكون وجه التغيير من حال إلى أفضل، فحين هبوا إلى الشوارع آملين في دولة حرة ديمقراطية تضمن مقومات الحياة الكريمة لم يخطر ببالهم أن تتحول انتفاضتهم السلمية إلى أكبر حروب القرن الحادي والعشرين وحرب بالوكالة تخللتها تدخلات أجنبية مقيتة خلقت انقساما بين أبناء الشعب الواحد وفرقتهم بل وأردت ملايين منهم بين شهداء ومشردين.. لم تكن إحدى عشرة سنة سهلة على السوريين بين اللجوء في الخارج والتشرّد بين المخيمات في الداخل، بل كانت سنوات مرّة لم تترك مجالا إلا ودمرته.
وبرغم كل المرارة والألم والمعاناة يظلّ الأمل قائما من أجل غد أفضل في صورة فرض الحل السياسي والتسوية الشاملة على أساس القرارات الأممية .
إحدى عشرة سنة مرت على ثورة ظن السوريون أنها ستكون الخلاص لوضعهم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي الصعب، لكن ما وقع لم يكن يتوقّعه أحد، حيث يرى المعارض السوري وعضو الهيئة السياسية للائتلاف السوري، عبدالله كدو، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ الشعب السوري انطلق في ثورته السلمية، مدفوعاً بعفويته الثورية و توقه اللامحدود إلى الحرية و استعادة كرامته نظرا لحرمانه لأكثر من نصف قرن من حقه في ممارسة السياسة وحرية التعبير وتشكيل الأحزاب، الوضع الذي خلق تصحراً سياسياً لم يُتح للسوريين تجميع عناصر الخبرة السياسية الكافية لفك طلاسم المعادلة السياسية الصعبة التي تحقق التوازنات الإقليمية والدولية في ظل التجاذبات المتغيرة المرتبطة بالأهمية الجيو-سياسية لسورية.. ظن السوريون أن ثورتهم ستنتصر خلال أشهر، إلا أن الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة بما فيها تلك التي كانت تعرّف نفسها بأنها صديقة للشعب السوري، تقاعست عن الاستمرار في تقديم الدعم المادي والمعنوي بدعوى عسكرة الثورة وأسلمتها، إلا أن تلك الأطراف لم تقدم الدعم والرعاية حتى للتيارات السورية الرافضة للعسكرة والأسلمة أيضا، الأمر الذي يؤكد أن مبدأ المصالح والتوازنات السياسية الآنية هو الذي ظل مسيطرا، وليس مبدأ احترام حقوق الإنسان وتحقيق الأمن والاستقرار على المدى البعيد.

ووفق كدو، يبدو أن الموقع الجغرافي لسورية -الواقع على حدود فلسطين، إضافة إلى المصالح الروسية في سورية التي كانت بمثابة منطقة نفوذ سوفياتية ثم روسية،وخاصة على الصعيدين العسكري والسياسي، إضافة إلى التدخل الإيراني الثقافي الطائفي والسياسي والاقتصادي الذي يمتد إلى بداية سلطة الخميني- كل ذلك كان له الأثر البارز في تعقيد الأوضاع حيث جيّرت جميع الأطراف صاحبة النفوذ في سورية، القضية السورية لمصالحها ومقايضتها بقضايا في دول أخرى .
واستطرد قائلا: “باختصار أصبحت القضية السورية التي تمثلها المعارضة الرافضة للنظام، أسيرة تجاذب مختلف الأطراف التي تنتظر توازن مصالحها وتحقيق توافقها الصعب، في ظل غياب التأثير الملموس للأمم المتحدة، برغم إدانة النظام باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً وارتكابه الجرائم، ومنها جريمة قتل أحد عشر ألف سجين تحت التعذيب، والتي عرفت باسم “صور ضحايا قيصر”.
وبخصوص سؤال المرصد عن دور المعارضة في الفترة السابقة، أفادنا محدثنا بأن “قوى الثورة والمعارضة السورية ظلت متمسكة بالشعار الذي رفعه المتظاهرون ” الشعب يريد إسقاط النظام ” إلا أنها لم تتمكن من تجاوز الجمود الذي خلفه تقاعس وتجاذب الأطراف الدولية والإقليمية، وظلت بانتظار انتهاء ذلك الجمود المتمثل في عدم فرض القرارات الدولية، أو جر رموز النظام إلى المحاكم الدولية، أو تجديد الثورة في الداخل السوري، أو أي تغيير آخر”.
بدوره يرى العميد أحمد حمادة، في تصريح للمرصد، أن إحدى عشرة سنة مضت من عمر ثورة الشعب السوري ضد نظام قمعي جائر قتل الشعب وباع البلاد لاحتلالات متعددة، وبقى فيها السوري قابعا على تلة من الجماجم والفقر والجوع والقهر
وأشار إلى إن الثورة خرجت لرفع الظلم والقهر والفساد والاستبداد وكانت نتيجتها قمع الشعب واستخدام كل الأسلحة ضده ومنها الكيماوية والفوسفور والبراميل.
وانتقد محدثنا غياب تدخّل المجتمع الدولي لإدارة الأزمة وليس لإنهائها حيث إنه منع السلاح عن الشعب السوري ليتصدى للنظام ولميليشيات إيران الطائفية ولآلة الحرب الروسية .
واعتبر أن قرارات الأمم المتحدة قوبلت بـ 16فيتو روسي، وظلت مخرجات جنيف دون أي تفعيل بل تم تقزيمها والالتفاف عليها من قبل روسيا وإيران.
ولفت إلى أنّ أوباما قد تخلى عن الخط الأحمر ووافق على دخول الروس الحالمين بالوصول إلى الشواطئ الدافئة بدون سقف زمني وهذا ما أكده الوزير الأول الفرنسي السابق دوفيلبان، فضلا عن تدخل إيران و ميليشياتها الطائفية مقابل الاتفاق النووي لتصبح دماء وآلام الشعب السوري الذي دفع مليون شهيد و12 مليون مهجر ولايزال 260 ألفا مغيبين ومعتقلين في مسالخ الأسد مزادا في إطار اللعبة الدولية.

وغير بعيد عن نفس الإطار، قال الكاتب والصحفي المعارض أحمد مظهر سعدو، في حديث مع المرصد، إنّ الأزمة الحالية في سورية تحيل الواقع السوري إلى حالة استنقاع بادية معالمها ومغرقة في الدوران حول الذات و المراوحة بالمكان إن لم نقل في حالة تراجع نسبي جغرافيا وكذلك سياسيا وعلى كل الأصعدة ولدى جل المعارضة السورية بكل تلاوين الطيف السياسي والعسكري.
وأوضح الصحفي السوري أن وضع المعارضة السورية كلَّ بيضها في سلة الخارج يعتبر أحد العوامل المساعدة التي أفضت بالوضع السوري إلى ماهو عليه من عثار كبير فاق كل حد وجعل من ديناميكية الحراك السوري المنتفض في وضع مستنقع ومتعثر، معتبرا أنّ التخلي المعولم الذي آلت من خلاله الأوضاع السورية هو السبب الآخر الذي ساهم في إنتاج واقع متعثر غير قادر على الخروج من عنق الزجاجة.
وبخصوص القرارات الدولية التي بقيت حبرا على ورق، أرجع محدثنا ذلك إلى ترك المجتمع الدولي للدولة الروسية وطموحات بوتين وكذلك مشروع إيران أن يفعلا فعلهما ويعبثا في الواقع السوري وكل القضية السورية وهو الذي أفسح المجال للاتحاد الروسي بأن يقيم مسارات أخرى التفافا على قرارات الأمم المتحدة ومسار جنيف ليتم استبداله بمسار أستانا سيء الصيت الذي أنتج المزيد من عمليات قضم الأراضي السورية لصالح النظام السوري وداعميه ثم تركت مسارات سوتشي وكذلك اللجنة الدستورية لتغرقنا بالتفاصيل وتعيد رحلة الشتاء والصيف واللعب بالواقع السوري دون إحراز أي تقدم يذكر فيما يفترض أنه إعادة إنتاج دستور جديد للسوريين يعبر عنهم، وبقيت المسألة السورية مركونة على الرف ضمن واقع داخلي سوري لايخفى على أحد ويعاني فيه السوريون ماهو أشد تعسفا من أي مرحلة تاريخية مرت به.
وختم بالقول: “المعارضة السورية المترهلة والملجمة لنفسها في أتون عبث غير مسؤول بالملفات السورية وانتظار الفرج من الدول الاقليمية والعالمية والعربية ،هي التي ساهمت في تعطيل الكثير من المؤسسات ليس آخرها مؤسسة هيئة التفاوض المعطلة منذ مايزيد عن سنتين دون أي قدرة لديها حتى على الاجتماع نتيجة خلافات داخل منصات المعارضة وسياسة المحاور التي اتبعتها المعارضة وارتماءاتها في حضن الخارج دون القدرة على اتخاذ أي قرار وطني يعيد الاعتبار لقوة الثورة السورية ويجعلها قادرة على التغيير عبر وحدة صفها و اللقاء الموسع لانتاج عقد اجتماعي يجمع الأثنيات والطوائف ويمنع حالات التشظي أو إنتاج دولا مصنعة غير قابلة لإنتاج سورية الموحدة” .
بعد إحدى عشرة سنة من اندلاع الثورة في سورية، والتي تبعتها حرب دامية ونزوح ، لا يزال مصير البلاد معلقاً،في غياب تنفيذ القرارات الدولية في أزمة اعتبرت الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، أزمة دمّرت الاقتصاد والبنى التحتية وهجّرت الملايين، ويتساءل السوريون اليوم: هل يحلّ يوم نرى البلد الذي ثرنا من أجلنا كما نريد؟

المصدر: المرصد السوري لحقوق الانسان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى