لقد أبدعتِ العقولُ البشريةُ مع بدايةِ الألفيةِ الجديدة ما أطلقت عليه مصطلحَ “الفوضى الخلاقة- Creative Chaos ” التي ذهبت لهندسة كلِّ ما توصّل إليه البشرُ من أدوات لتكريس سيطرةِ بشرٍ على حساب بشرٍ آخرين دون رادعٍ أخلاقي، بل حتى تسويقُ تلك المنظومةِ وتغليفُها بلبوس ديني رسالي على مبدأ كلماتِ بوش الابن وهو يتحدث عن غزو العراقِ الذي مثل منعطفًا تاريخيًّا في السقوط الأخلاقي لدولة تحكمُ العالمَ وترسي قواعدَه عندما قال: “أشعرُ أن اللهَ يريدُني” ,أما ما نشاهدُه اليوم فيمكن أن نطلقَ عليه لقبَ “الفوضى الموازنة- balancing chaos ” التي تُدار بأدوات غيرِ بشرية .
بدايةً حتى لا يأخذَنا المصطلحُ إلى مكان لا يشرحُه ولا يقصدُه، فالفوضى هي فوضى لمن لا يفهمُ قواعدَها، لكنها في وجهها الآخرِ هي صناعةَ نظام. فالفوضى الخلاقةُ جلس وراءها مؤسساتٌ ومراكزُ أبحاثٍ وميزانياتٌ هائلةٌ اتخذت من العلم والتجربة والعمل الدؤوب شعارًا لها، فهي تبدو لمن هو خارجها فوضى بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، أما بالنسبة لمن يحركُ خيوطَها فتبدو عمليةً هندسيةً دقيقةً، تحاول أن تحيطَ وترسمَ أغلبَ المتغيراتِ والسيناريوهات، فتخطط وتنفذ وتراقب وتصحح، كذلك الفوضى الموازنة فهي للبشر شيءٌ فوضويٌّ غيرُ مفهوم، يعاكس الربطَ المنطقيَّ للأحداث، ويغلب كلَّ القواعدِ العلمية والتجريبية، لكنها بالنسبة لخالق البشرِ تسيرُ وفقَ قواعدَ وسننٍ أبلغنا بها تكرمًا ونبهنا إلى مفاتيحها. الفوضى الخلاقة مفتاحُها العلمُ والسببيةُ والعملُ الدؤوب بكل الوسائلِ والأدوات للسيطرة على البشر، وما ينقصُها منظومةٌ أخلاقيةٌ فلسفيةٌ عميقةٌ لتبريرها؛ لذلك ترى قواعدَها سريةً غيرَ معلنة، أما الفوضى الموازنةُ فأساسُها الأخلاقُ والعدل وقواعدُها معلنةٌ لمن أراد رؤيتها، وهي للخالق سبحانه وتعالى الذي حرم على نفسه الظلم تجري وفق قواعد وسنن دقيقة محكمة يعجزعن فك شفرتها كل العقول البشرية لو اجتمعت لذلك اطلقنا عليها مصطلح الفوضى الموازنة تبسيطًا لا توصيفاً “رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَٰطِلًا سُبْحَٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ”.
ينقسم الناسُ إلى قسمين: قسمٍ كبيرٍ يؤمنُ ويمارس الفوضى الخلاقةَ حتى دون أن يدري، وقسمٍ نادرٍ قليلٍ يؤمن بالفوضى الموازنة لكنه يعيش في الزوايا؛ لأنه غيرُ مُتبَنٍ من قوة بشرية بعد! بمعنى دولة أو فئة اجتماعية تتخذها قواعدَ ناظمةً للحياة بغض النظرِ عن قوانين الدول.
الفوضى الموازنة نادرًا ما تظهر بحوادثَ كبيرةٍ بعينها بحيث لا يستطيع الملاحظُ أن يتغافلَ عنها. وهي في زمن الأنبياء والرسل تسمى معجزاتٍ وخوارقَ للقواعد، أما في غياب الرسلِ والأنبياء فتكاد تكون معدومةً، وأتذكر منها على سبيل المثال حادثةَ أبرهة وطيور الأبابيل، لذلك نُعَدُّ عزيزي القارئ من البشر القلائلِ المحظوظين لمشاهدتها فيما يحصل هذه الأيام!
لنأخذْ مشاهدَ متفرقةً مما نشاهدُ هذه الأيام، علِّنا نتلمسُ شيئًا من بوادر الفوضى الموازنة: في وقت السلم، تعدُّ الولاياتُ المتحدة الأمريكية وأوروبا “النازيين الناعمين”، لما لا، وقد ملأتهم مشاعرُ الاستثنائية (كما قال وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو Michael Pompeo ، عن الولايات المتحدة الأمريكية). أن ثقةَ أوروبا والولاياتِ المتحدة في أن العالمَ يدور حولها، وأنها نموذجٌ يُحتذى به للعالم بأسره، بحيث يتعين على الجميع أن يكررَه وراءها، بغض النظرِ عمّا تفعلُه، بما في ذلك إجبارٰ العالمِ على تقبُّل زواجِ المثليين والطاقةِ الخضراء والعالم الافتراضي، ليس ذلك كلُّه سوى مظهرٍ من مظاهر النازية، والثقةِ في تفوّقها على بقية الشعوب الأخرى.
كقاعدة عامة، فإن الحروبَ والإبادةَ الجماعيةَ عادةً ما تستندُ إلى سبب اقتصادي. والقاعدةُ هي السيطرةُ على مواردَ حيويةٍ في ظروف النقصِ الحاد في هذه المواردِ على الأراضي التي يقطنُها الجاني والضحيةُ في عملية الإبادةِ الجماعية. فتصبح الإبادةُ الجماعيةُ هي الحلَّ الأساسيَّ لقضية المواردِ مع عدوٍّ لا يستطيعُ الدفاع عن نفسه.
بالتوازي مع الحربِ في أوكرانيا، وبغض النظرِ عنها، يدخل الغربُ والعالمُ أكبرَ أزمةٍ اقتصاديةٍ في العصر الحديث، على الأقل منذ سقوطِ الإمبراطورية الرومانية. حيث ستنخفض كميةُ المواردِ في السنوات العشرِ المقبلةِ على نحو كبير، ومعها مستوى المعيشةِ بشكل حاد للبشرية جمعاء. ولن تكون أوروبا استثناءً في ذلك: بطالةٍ هائلة، جوعٍ، برودة في الشتاء، أعمال شغب شديدة القسوة. وسوف يكون ردُّ الفعلِ الطبيعي للحكومات حينها، وربما الطريقةُ الوحيدةُ لإبقاء المجتمعِ تحت السيطرةِ في مثل تلك الظروفِ القاسيةِ للغاية هو الديكتاتورية. في الوقت نفسه، وفي الغرب، تتحول المجتمعاتُ بشكل اعتيادي إلى ديكتاتوريات نازية؛ لأن الغربَ معتادٌ على حل مشكلاته على حساب الآخرين، والنازيةُ، يتقنُها الغربُ جيدًا كأداةٍ لسرقة الشعوبِ الأخرى، وسوف يستخدمُها مرة أخرى.
لقد تسبب الغربُ، بسياساته الماليةِ الرعناءِ وتبنيهِ للرأسمالية الجديدة المتوحشة، في زيادة التضخمِ العالمي، وأصبح الغذاءُ أكثرَ تكلفةً في جميع أنحاء العالم. والآن، نتيجة للعقوبات المفروضة على روسيا، تمت إزالةُ جزءٍ كبيرٍ من إمدادات الحبوبِ في العالم من السوق. ومع اقترابِ خريفِ هذا العامِ، سيكون هناك فعليًا انفجارٌ اجتماعي في البلدان العربية. وعلى مدى السنواتِ والعقود القادمة، وبسبب الكارثة الاجتماعية من إفريقيا والشرق الأوسط، ستبدأ “هجرة كبيرة” جديدة للأمم إلى أوروبا.
إنشاءُ ديكتاتوريات نازيةٍ في أوروبا، التي ستدمر ببساطة كلَّ الوافدين حديثًا والعرب والمسلمين والأفارقة الذين يعيشون هناك لفترة طويلة، وإلا فإن المجتمعاتِ الأوروبيةَ الأصلية على النحو الذي عهدناه ستختفي من على أراضيها، مثلما اندثرتِ الإمبراطوريةُ الرومانية.. أعتقد أن مئاتِ الآلاف وربما ملايين اللاجئين والمهاجرين العرب والمسلمين الذين يعيشون في هذه البلدان سيذهبون ضحية لهذه العملية.
في الوقت الراهن تمر تجارةُ الصين الرئيسية من خلال البنوكَ الأمريكية. وبالتالي، فالعقوباتُ التي تؤثر في تجارة الصين مع روسيا، ستؤثر أيضًا في تجارة الصين مع الولايات المتحدة. الصينُ غيرُ متحمسةٍ لمساعدة روسيا. فعلى الرغم من العلاقات المعقدةِ بين بكين وواشنطن، من الواضح أن السوقَ الأمريكيةَ والعلاقاتِ الاقتصاديةَ مع الولاياتِ المتحدة أكثرُ قيمةً للصينيين من الصداقة مع جارتهم الشمالية.
في الشرق الأوسط قطرُ واحدةٌ من أكبر المستثمرين في الاقتصاد الروسي، والاتصالات بين البلدين لم تنقطعْ حتى الآن. تتعرض الدوحةُ لضغوط من الولايات المتحدة، لإجبارها على التخلي عن التعاون الاستثماري مع روسيا، ويحاول شركاءُ الدوحةِ الغربيون إقناعَها بإخراج موسكو من المنافسة في سوق الغازِ الأوروبية. السعودية خادمة الحرمين وبيضةُ القبان في معادلة الطاقة العالمية تتبنى مرغمةً الفوضى الخلاقة؛ لتبيعَ أخلاقَ المجتمع بثمن بخسٍ في سوق المتعة العالمي. إيران كذلك تتبنى الفوضى الخلاقة، وتصنع نسخةً خاصةً بها تسمى الفوضى الخلاقةَ الإسلامية، محورُها عرقي نازي يحصد أرواحَ المستضعفين بشراسة تضاهي النسخة الأصلية بل تتفوق عليها.
تَسارعَ التضخمُ السنوي في منطقة اليورو، فبراير الماضي، ليصل إلى 5.8%. وعلى عكس الروس، فإن المواطنين الأوروبيين ليسوا معتادين على الإطلاق على مثل هذه الأرقام، وحتى وقت قريب، كان تضخمُهم عند مستوى 1-1.5%. بينما بلغ معدلُ التضخمِ في الولايات المتحدة الأمريكية 7.9%، وهو رقم قياسي منذ 40 عامًا. لم يلجأ بايدن إلى اختلاق الذرائع، وإنما قال بوضوح: إن ذلك كان بسبب العقوبات المفروضة على روسيا.
روسيا وأوكرانيا استحوذتا على ثلث صادراتِ القمح في العالم و80% من إمدادات زيت عباد الشمس. لذلك قفزت أسعارُ القمحِ في البورصات العالمية بنسبة 50% بمجرد الحديث عن العقوبات ضد روسيا وانفصالها عن نظام “سويفت” SWIFT، حيث يشير عددٌ من الصحف الأجنبية إلى أن الحالةَ الراهنة في سوق الحبوب العالمية هي “الفوضى”. ووفقًا للتقديرات التي نقلتها “رويترز”، كانت روسيا تزوّدُ أوروبا بنحو 25% من أهم أسمدة النيتروجين والبوتاس والفوسفات. وتشكل روسيا 80 % من السوق العالمية لطبقات الياقوت، المستخدمة في الإلكترونيات الدقيقة. وعلى وجه الخصوص في أي معالج. وكذلك العناصر الأرضية النادرة، والتي من دونها يستحيل إنتاجُ دوائرَ كهربائيةٍ دقيقة، حيث تمتلك روسيا 100% من سوق بعض هذه العناصر. وحتى وقت كتابة هذا المقال، لم تتوقف روسيا عن تصدير الياقوت الاصطناعي والعناصر الأرضية النادرة.
كذلك يظن الكثيرون وهم في جانب معين على حق , بأن حملةَ نابليون على أوروبا كان خلفها روتشيلد رجلُ المال اليهودي، و اليهود هم من يملكون الفيدرال ريزيرف Federal Reserve Bank مطبعة الدولارات الأميركية وهم أصحاب عملية الحمام الزاجل التي بها تملكوا أسهمَ البنك المركزي البريطاني، آدم وايسهاوبت (1748-1830)Adam Weishaupt وشبتاي تسفي (1676-1626) Sabbatai Zevi هم من كان وراء يهود الدونمة الذين أسلموا ليتمكنوا من دخول البرلمان العثماني، وهم من باع الشرق الأوسط بأبخس الأثمان للغرب بعد أن أسقطوا الخلافة العثمانية.. اليهود الخازر تسببوا بمقتل 26 مليونا من بين الـ 62 مليون روسي، اليهود وراء إسقاط العملات والتحكم بتجارة السلاح الغربية، وهم خططوا -على الأغلب- لإسقاط برجي التجارة العالمي، وهم وراء المسيحية البروتستانتية الإنجيلية الأميركية Evangelical والمرمونية Mormon والمالية البابوية، وهم وراء اغتيال جون كينيدي عندما حاول إغلاق الفيدرال ريزيرف، وهم وراء سرقةِ ذهبِ أباطرة الصين وإشعال الحرب الصينية اليابانية، وهم خلف شايلوكات فينيسيا المقنعين، ودوقاتها…
تلك المشاهدُ التي لا يمكن وصفُها إلا بالفوضى؛ ستكون مقدماتٍ للفوضى الموازنة العادلة التي ستعيد ظهورَ شيءٍ عملت الفوضى الخلاقة على دفنه لسنوات، وهي الأخلاق والميزان العادل الذي من دونه لا تستوي الحياةُ على الكرة الأرضية , هنالك قلائلُ فقط يؤمنون بالفوضى الموازنة كما آمن بها عبد المطلب جد رسول الله (ص) وهو يحادث أبرهة الأشرم بعظمته , ولكي نكون على الجانب المنتصر في الفوضى الموازنة نحن بحاجة الى أن يُسوِّقَ هؤلاء القلةُ لمفهوم الأخلاقِ من جديد حتى يصبحَ مبدأً تتبناه فئةٌ اجتماعيةٌ مهما صغرت أو ربما دولة إذا كنا متفائلين , لأن أولئك فقط من سيقودون العالم الجديد أو على الأقل ينجون من تلك الفوضى.
والله من وراء القصد