هل أسهمت الأزمة الأوكرانية في التقارب الموريتاني – المغربي؟

نوفل الشرقاوي

قال عزيز أخنوش إن الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة بين البلدين كانت ناجحة وشكّلت لقاء عملياً تميز بتوقيع اتفاقات مهمة في شتى المجالات

أمل أخنوش أن “يتعزز التعاون المشترك بروح عملية خاصة تسهم في تفعيل الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة في شكل مشاريع استثمارية تعود بالنفع على البلدين والشعبين الشقيقين” (موقع رئيس الحكومة المغربية)

انعقدت في العاصمة المغربية الرباط الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية – الموريتانية، بعد تسع سنوات من عقد الدورة السابعة، ويأتي التقارب بين البلدين إثر ما يعتبره المغرب توالي المكاسب المهمة في قضية الصحراء، جراء تأمين المملكة معبرها الحدودي مع موريتانيا (معبر الكركرات) في عام 2020، وفتح بعض الدول قنصليات في الجنوب المغربي، إضافة إلى تداعيات الأزمة الأوكرانية.

تطوير التعاون

وبعد أن كانت موريتانيا تُبدي إحباطها من غياب التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ قال رئيس الوزراء الموريتاني، محمد ولد بلال مسعود، في وقت سابق، “على الرغم من التطور في العلاقات السياسية، فإنه لا بد من تطوير العلاقات الاقتصادية، التي تبقى دون مستوى الطموح السياسي”، بالتالي كانت نواكشوط تأمل في تعديل الوضع خلال الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة التي شهدت توقيع البلدين على 13 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم في مجالات، من بينها، الزراعة والإنتاج الحيواني والصحة والصيد البحري وحماية البيئة والتنمية المستدامة والسياحة والأمن والاستثمار والمقاولات، وفي تعليقه على مخرجات اجتماع اللجنة المشتركة، قال رئيس الوزراء المغربي، عزيز أخنوش، إن الدورة الثامنة للجنة العليا المشتركة المغربية – الموريتانية كانت ناجحة بالنظر إلى كونها شكلت لقاء عملياً تميز بتوقيع العديد من الاتفاقات المهمة في شتى المجالات، آملاً أن “يتعزز التعاون المشترك بروح عملية ودينامية خاصة تسهم في تفعيل وبلورة كل هذه الاتفاقات ومذكرات التفاهم الموقعة في شكل مشاريع استثمارية تعود بالنفع العميم على البلدين والشعبين الشقيقين”.

من جانبه، أشاد رئيس الوزراء الموريتاني، بنجاح دورة اللجنة العليا المشتركة في مؤتمر صحافي عقب اختتامها، موضحاً أن الاتفاقات العديدة التي تم عقدها، والتي شملت مختلف المجالات الحيوية التي تهم شعبي البلدين تؤكد جودة العلاقات بين البلدين.

ميل التوازنات لصالح المغرب

ويشير الباحث في العلاقات الدولية، عصام لعروسي، إلى ضرورة أن يفهم عقد اجتماع اللجنة العليا على واجهات عدة، منها ما هو متعلق بالتحول الطارئ على مستوى توازن القوى في المنطقة، وذلك بعد سيطرة المغرب على معبر “الكركرات”، إضافة إلى كسبه العديد من جولات الصراع مع الجزائر على إثر القطيعة الدبلوماسية التي أعلنتها الأخيرة في صيف عام 2021. ويضيف لعروسي أن الاجتماع يأتي أيضاً بعد أن تبين لموريتانيا أن اعتماد الحياد الإيجابي في قضية الصحراء لم يعد يخدم مصالحها، بخاصة أن المصالح الجوهرية تشير من جهة إلى أن توازن القوى والتقاطبات أصبحت لصالح المغرب، وأنتجت بالمقابل عزلة الجزائر، ومن جهة ثانية، فإن المصالح الاستراتيجية الموريتانية قد تضاعفت مع المغرب، لا سيما بعد تأمين معبر “الكركرات”، موضحاً أن “المصالح الاقتصادية الحيوية لموريتانيا تمر عبر ذلك المعبر، بالنظر لحاجة نواكشوط للمغرب في مجال التموين بالمواد الغذائية والخضر والفواكه والحبوب وغيرها من المنتجات المستوردة من المملكة، بالتالي هذه المصالح أجبرت موريتانيا على الابتعاد نسبياً عن المواقف والضغوط الجزائرية، وأصبحت تدرك أن موضوع الصراع بخصوص قضية الصحراء المغربية قد حسم بشكل نهائي لصالح المغرب، على الرغم من عدم وجود تسوية سياسية”.

الموقف من الأزمة الأوكرانية

وفي خطوة مفاجئة، قرر المغرب عدم التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي دان الهجوم الروسي على أوكرانيا، وأوضحت وزارة الخارجية المغربية أن بلدها “يعرب عن أسفه إزاء التصعيد العسكري الذي خلف مئات القتلى وآلاف الجرحى، والذي تسبب في معاناة إنسانية للجانبين”، مضيفة أن المملكة المغربية تجدد تشبّثها القوي باحترام الوحدة الترابية والسيادة والوحدة الوطنية لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وأنها “تحرص على تشجيع عدم اللجوء إلى القوة لتسوية الخلافات بين الدول، وتدعو إلى مواصلة وتكثيف الحوار والتفاوض بين الأطراف من أجل وضع حد لهذا النزاع، وتشجيع المبادرات والإجراءات لتحقيق هذه الغاية”.

وأشار مراقبون إلى أن قرار المغرب يعد خطوة تكتيكية باتجاه ضمان توازنات علاقاته الدولية، لأنه بالموازاة مع حفاظه على قوة شراكته مع الغرب، تمكن من خلال خطوته الأخيرة من كسب ود روسيا، وهو ما يمكن فهمه على الأقل من خلال تصريح صحافي للممثل التجاري لروسيا في المغرب، رتيم تسينامدز غفريشفيلي، الذي قال إن المغرب يعد الشريك التجاري الأفريقي الأهم لبلاده في عام 2021 بنسبة مبادلات وصلت إلى 1,6 مليار دولار، بارتفاع وصل إلى 42 في المئة، مؤكداً توجيه مؤسسات رسمية ببلاده دعوات للمواطنين الروس والمؤسسات التجارية في البلاد لاتخاذ المغرب وجهة سياحية بديلة عن أوروبا في ظل فرض العقوبات على روسيا.

وأشار الباحث لعروسي إلى أن عدم تصويت المغرب على قرار الجمعية العامة يُعد تحولاً منهجياً في علاقته مع روسيا، الحليف الكلاسيكي للجزائر، مضيفاً أن موسكو عبرت عن رغبتها في القيام بمناورات عسكرية مع المغرب، بالتالي، فإن انعكاس التقاطب الجديد والأزمة الأوكرانية على المنطقة يدفع موريتانيا في اتجاه المغرب أكثر من الاتجاه نحو الجزائر.

وأوضح الباحث في العلاقات الدولية أنه من ناحية أخرى، تؤكد موريتانيا من خلال انعقاد دورة اللجنة المشتركة، بعد تسع سنوات من الغياب، أن خيارها الاستراتيجي يتبنى تجديد التعاقد والشراكة القوية مع المغرب في مسار يخدم مصالح البلدين، مشيراً إلى أن توطيد العلاقة بين البلدين تأثر كذلك بالمحور الجديد المغربي الأميركي – البريطاني – الإسرائيلي، وهو محور عسكري يمكن موريتانيا من دعم التنسيق الأمني العسكري مع المغرب، ما يعزز مكانتها ويقوي موقفها في مواجهة التهديدات الإرهابية، مضيفاً أنها نقطة أساسية محورية تعتقد موريتانيا أنها تمكنها من الانتصار على الصراعات والاضطرابات الأمنية في منطقة الساحل، باعتبار أن المغرب يُعد فاعلاً أمنياً مهماً على المستوى الإقليمي.

 

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى