استعرض الكاتب أندرياس كلوث، في مقال رأي نشرته وكالة “بلومبرغ“، بعض السيناريوهات المطروحة لإنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، في وقت تتواصل فيه الجهود الدولية لإيجاد حل للأزمة، وتجنب اندلاع حرب عالمية ثالثة.
الأوكرانيون ينتصرون
ورأى الكاتب أن انتصار أوكرانيا يدور حول استبسال الأوكرانيين في الدفاع بحيث يتمكنون من صد القوات الروسية، وهو أمر مستبعد من وجهة النظر العسكرية، لكنه بالطبع النتيجة المفضلة لمعظم دول العالم.
وأشار إلى أن أوكرانيا الجريحة المنتصرة ستتكامل مع الاتحاد الأوروبي المتماسك والحازم وسيتسارع اندماجها في الغرب الديمقراطي، حيث سيصبح لدى حلف شمال الأطلسي “الناتو” قوة محركة جديدة.
وأضاف: “إلا أن مثل هذا السيناريو سيضع بوتين في الزاوية، فهو لطالما أظهر نفسه المحارب الروسي ضد الغرب العدواني، والمنقذ للمنحدرين من أعراق روسية ومن إثنية السلاف (الهندوأوروبية) في كل مكان”.
وبين أن انتصار أوكرانيا سيجعل بوتين غير قادر على النجاة بنفسه من الهزيمة سياسياً، ولأنه يدرك ذلك، فإنه لن يسمح بحدوث هذا السيناريو. وبدلا من الانسحاب، سيضغط لحدوث واحد من ثلاثة مسارات أخرى.
عهد روسي من الإرهاب
وتوقع الكاتب أن يقوم بوتين بتصعيد الهجوم بشكل كبير، ولكن مع استمرار استخدام الأسلحة التقليدية، ما يعني “مواصلة قصف أوكرانيا حتى إجبارها على الخضوع”، موضحا أن الخسائر ستكون مرعبة في صفوف المدنيين والعسكريين، إلا أن بوتين لن يكترث، وسيضم أوكرانيا المضطربة والمستاءة إما كدولة دمية باسم مستقل أو كتابع لـ”روسيا العظمى”.
ولفت إلى أن بوتين ولقمع معارضيه في الداخل وفي أوكرانيا، سيمضي في تحويل روسيا لدولة أمنية، والقضاء على ما تبقى من حرية التعبير، لكن إمبراطوريته ستظل منبوذة بشكل دائم في المجتمع الدولي.
أفغانستان جديدة
ورجح أن يختار بوتين التصعيد بشكل أقل دراماتيكية، بحيث يرسل قوة عسكرية روسية إلى أوكرانيا تكفي لعدم إعلان هزيمة صريحة له، وفي هذه الحالة، يمكن أن تصبح البلاد بعد ذلك كما كانت أفغانستان للزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف بعد عام 1979، أو أن تصبح مستنقعا كما كانت للولايات المتحدة وحلفائها بعد 2001.
وأوضح أن السيناريو الأفغاني، ستكون فيه التكلفة البشرية مروعة – بالنسبة للأوكرانيين بشكل خاص، وكذلك للروس العسكريين والمدنيين الذين سيعانون من قسوة القمع وشدة العقوبات، إلا أن بوتين لن يأبه لكل ذلك، ما دام مكانه في الكرملين آمنا.
التصعيد من أجل خفض التصعيد
في هذا السيناريو، سيتذرع بوتين بمحاصرة الناتو والاتحاد الأوروبي له من خلال دعم أوكرانيا بالأسلحة وغيرها من الوسائل، ويمكنه شن واحدة أو أكثر من الضربات النووية “المحدودة” بما يسمى بالرؤوس الحربية التكتيكية (أي منخفضة القوة).
ووفق الكاتب، فسيراهن بوتين هذه المرة على أن الغرب لن ينتقم نيابة عن أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تبادل إطلاق نار نووي بأسلحة استراتيجية أكبر، وينتهي بـ”التدمير المتبادل المؤكد”، حيث لن يبقى أمام أوكرانيا، كما كان الحال لليابان في عام 1945، خيار سوى الاستسلام.
وبين أنه لهذا السبب يطلق العسكريون المحنكون على هذه الاستراتيجية اسم “التصعيد من أجل خفض التصعيد”، ولكن العالم بعدها لن يكون كما كان، وستنضم إلى هيروشيما وناجازاكي أسماء مدن أخرى على قائمة خزي البشرية، إلا أن بوتين سيرى أنه أخرج نفسه من موقف محرج.
ثورة روسية أخرى
ولفت الكاتب إلى وجود سيناريوهات أكثر تفاؤلا، رغم ستار الدعاية والتضليل الذي ينشره بوتين، يدرك عدد كاف من الروس ظروف غزوه غير المبرر ومخاطره المأساوية، وهؤلاء يمكنهم أن يثوروا، مشيرا إلى أن مثل هذه الثورة قد تتخذ شكل حركة واسعة النطاق تدار من الخارج وتتمحور حول زعيم معارض مثل أليكسي نافالني، أو قد يكون انقلابا، أو انتفاضة داخل النخبة.
وأكد أن أيا من هذه الصور للتمرد غير واردة في الوقت الراهن، إلا أنه شدد على أن اندلاع ثورة محلية في روسيا سيكون أفضل نتيجة إلى حد بعيد. فالنظام الجديد في موسكو يمكن أن يُحمّل بوتين وحده المسؤولية، وهو أمر صحيح في الواقع.
واعتبر أنه في حال اندلاع ثورة في روسيا، فيمكن للنظام الانسحاب من أوكرانيا دون أن يبدو ضعيفا، كما سيرحب المجتمع الدولي بعودة روسيا بأذرع مفتوحة، وسيصبح العالم، بما في ذلك روسيا، مكانا أفضل.
الصين تتدخل
ورأى الكاتب أن ثاني أفضل سيناريو والأكثر منطقية يتعلق ببكين، فإن الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ ترى نفسها، إن لم تكن حليفا لروسيا، فهي على الأقل شريك لها في الصمود في وجه الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
ولكن في الوقت نفسه، ترى الصين نفسها قوة صاعدة بينما روسيا قوة آفلة. ويرى شي أن بوتين قد يكون مفيدا في بعض الأحيان، ولكن العلاقات معه تمثل أيضا عبئا محتملا.
وبحسب الكاتب، فإنه إذا ما قررت الصين تكبيل يد بوتين، فإنها ستستفيد بلا شك. وهي في الواقع قادرة على سحب أطواق النجاة الاقتصادية والدبلوماسية التي تحتاجها موسكو.
المصدر: عربي 21