هذا الكتاب مرجع مهم ومناسب للمهتمين بالاطلاع على الفكر الناصري ووجهة نظره التاريخية والفكرية. الأحداث التي وقعت سوف تروى من وجهة نظر ناصرية، لكنها في الوقت نفسه ستتحرى الموضوعية، بمعنى أنه لن يتم إخفاء أجزاء من الصورة وإظهار أخرى، كذلك لن يتم تجاهل الاعتراف بأخطاء وقعت فعلا، وهي تسيء للتجربة العملية التي شرع نظام عبد الناصر في تطبيقها. من مميزات الكتاب أنه في معظم الحوادث التاريخية التي يسردها، لا يكتفي بعرض وجهة النظر الناصرية بل يعرض أيضا وجهة النظر المضادة لها أو وجهات نظر أخرى حول نفس الحادثة ثم يقوم بالرد عليها أو تفنيدها وهذا طبيعي، لكن يحسب له أنه لا يخفيها عن القارئ.
بهذا المعنى فإن الكتاب يحقق هدفا مزدوجا:
جانبه الأول: تقديم الفكر الناصري في صورته الحقيقية والعميقة للأجيال الجديدة التي تأخذ فكرتها عن هذا الفكر من خلال أقوال دارجة عنه تشيع في بعض وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، دون الرجوع لمصدر الفكر نفسه وهي كتابات المفكرين الناصريين وأقوالهم. وربما لهذا السبب أهدى المؤلف كتابه للأجيال الجديدة.
(في الحقيقة، هناك اختلافات أساسية في الرأي بين الناصريين وبعض التيارات السياسية الأخرى، حول تفسير حوادث تاريخية معينة، وكذلك حول النظرة الفكرية لبعض الأحداث التاريخية الكبرى والموقف منها مثل الموقف من ما شاع تسميته “ثورة يوليو”، ومن يسمع لوسائل الإعلام فقط في الوقت الحالي هو في الحقيقة يسمع من طرف واحد، لأن كثير من هذه الوسائل يشن حملة ضد الفكر الناصري دون أن يسمح بنفس المساحة للطرف الآخر. وقد تعرض الفكر الناصري منذ عصر السادات لحملات تشهير وهجوم لأسباب سياسية، منذ ذلك الوقت حتى الآن. وقد دخلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا في هذه الحملة مثل موقع الفيس بوك، فعلى موقع الفيس بوك مثلا انتشرت بعض البوستات التي تهاجم عصر عبد الناصر وهي تحتوي على معلومات مغلوطة تاريخيا تماما مثل فكرة أن “الرجل خسر كل الحروب التي دخلها” وهذا غير صحيح تاريخيا فقد كان في هذا العصر انتصارات مثلما كانت فيه هزائم وهي حروب وحقائق تاريخية ثابتة لا يمكن إنكارها ، في مثل هذا الوضع فإن الاطلاع – لمن يبحث عن الحقيقة- على كتابات الناصريين أنفسهم ومعرفة وجهة نظرهم مثلما يستمع إلى وجهات نظر أخرى تصبح ضرورة)
جانبه الثاني: تقديم مراجعة صريحة، ونقد ذاتي لأخطاء التجربة الناصرية العملية وسلبياتها.
لتحقيق هذا الهدف، اتبع المؤلف أسلوبا مميزا في العرض يتمثل في جوانب ثلاثة تطرق لها مضمون الكتاب:
أ. الجانب التاريخي والمعلوماتي: فالكتاب يقدم معلومات تاريخية، وسردا لحوادث مهمة من التاريخ، اكتنفتها تلك الفترة، وهو يبدأ منذ حرب فلسطين 1948 مرورا بأحداث يوليو وفترة حكم عبد الناصر كلها، ثم وفاته، وأحداث وقعت في فترة السبعينيات حيث حكم السادات، ويعقد في نهايات الكتاب فصلا عن 25 يناير وتجربة جيلها.
ب. الجانب الفكري: فالمؤلف يترك تعليقاته الخاصة ووجهة نظره الفكرية حول الأحداث التاريخية التي يسردها، وهو بتعليقاته وآرائه يمثل نموذجا للفكر الناصري بشكل عام.
ج. الجانب الأدبي والفني: حيث يتطرق الكتاب إلى الحديث عن “روايات” أدبية أو قصائد شعرية أو أعمال فنية سينمائية أو درامية، ترتبط بالأحداث أو الفترة التاريخية التي يتحدث عنها داخل كل فصل، من حيث ارتباط هذه الأعمال الأدبية والفنية بظروف الواقع الاجتماعي في حينها وتعبيرها عنه وما حملته من تعبير عن وجدان الناس وآلامهم وآمالهم، وما حملته أيضا من موقف تجاه أحداث سياسية جارية. أحد أشكال هذا الجانب الأدبي في الكتاب هو فصل طويل حملت صفحاته ما يشبه مذكرات لخالد جمال عبد الناصر حول أحداث ومواقف شهدها مع والده أو تتعلق به، رواها للمؤلف حيث قام المؤلف بصياغتها أدبيا.
هذه الجوانب الثلاثة، تمتزج داخل كل فصل من فصول الكتاب، فكل فصل هو عبارة عن وجبة مشوقة للقراءة تجمع بين التاريخ والفكر والأدب والفن، بحيث لا يملك حتى من لم يعجب بأفكار الكتاب أو وجهة نظره التاريخية أن لا يعجب بهذا الأسلوب في طريقة العرض، فهذا في حد ذاته من مميزات الكتاب بغض النظر عن توجهه الأيديولوجي.
جاء عنوان الكتاب “أخيل جريحا” كعنوان نخبوي، أكثر من أن يكون عنوانا جماهيريا ، وذلك من خلال توظيف الأسطورة فيه، حيث أخيل هو شخصية أسطورية، في الميثولوجيا الإغريقية. صورة جمال عبد الناصر على غلاف الكتاب مع العنوان، حملت شحنة عاطفية تجاه شخصية عبد الناصر. لكن هذه الشحنة العاطفية لم تؤثر حقيقة على نزعة النقد الذاتي ومحاولة توخي الموضوعية بقدر الإمكان داخل الكتاب، غير أن هذا العنوان جاء متناسبا مع الجانب الأدبي في مضمون الكتاب الموصوف في النقطة (ج) أعلاه، فبدون العنوان الفرعي “إرث جمال عبد الناصر” كان يمكن للقارئ أن يتخيل أن “أخيل جريحا” هو كتاب أدبي أو رواية أدبية. لذلك يمكن القول إن العنوان يقارب الجانب الأدبي من مضمون الكتاب، وهو ليس عنوانا تقليديا لكتاب يفترض في المقام الأول أنه يتحدث في الفكر والسياسة والتاريخ، فهو عنوان مميز، لكتاب لا يتحدث في التاريخ أو الفكر أو السياسة أو الأدب فقط، بل يجمع بين هذه الأشياء كلها وإن كان يوظفها بنسب مختلفة. كتاب متقن في طرحه، ممتع في أسلوب عرضه، يستحق القراءة.
المصدر: جريدة “الكرامة“