المرأة السورية، معاناتها في بلدان اللجوء، ومشاركتها الخجولة في العمل السياسي، والظلم الواقع عليها من كل الاتجاهات. وأمور أخرى مرتبطة بأوضاع المرأة السورية. هو ما أردنا الحديث فيه مع بعض السيدات الناشطات السوريات، في محاولة جادة للإمساك بقضية المرأة السورية ومعاناتها، بينما تتحرك بشكل ملحوظ بعد ثورة الحرية والكرامة، وضمن مفاعيل دراماتيكية غاية في الأهمية.
صحيفة إشراق فتحت بوابات الملف على مصراعيه في سياق وعيها لضرورة إعادة وضع المرأة السورية في أتون الحراك السوري المنتج عبر 11 سنة مضت من عمر الثورة /ثورة الحرية والكرامة. وقد تحدثت إلى صحيفة إشراق
السيدة أحلام الميلاجي الكاتبة والناشطة السورية المعروفة حيث أكدت لنا قائلة: ” عاشت البشرية قرونًا طويلة لا تعي دور المرأة الحقيقي، ولعل ذلك ما أدى إلى تأخر مسيرتها لفترات طويلة، ولكن أصبح العقل البشري على درجة عالية من النضج لتقبل فكرة المساواة والمشاركة، وما إن بدأت المرأة في حمل شعلة التقدم بالمشاركة مع الرجل حتى قطعت الإنسانية دروبًا أطول في التقدم والخير والرخاء للبشرية جمعاء ومن المتوقع المزيد حيث لم تدخل المرأة مجالًا إلا وأثبتت جدارة منقطعة النظير بل وتفوقت على الرجل في بعضها.
تكمن أهمية مشاركة المرأة سياسياً فيعدة أمور منها: _المشاركة السياسية للمرأة جزء لا يتجزأ من حقوقها، وبما يُحقق التنمية البشرية المتكاملة التي تُمكن المرأة من تحقيق أدوارها المجتمعية. _المشاركة السياسية للمرأة تجعل من مساهمة المرأة في قضايا بلادها متساوية مع الرجل، وتقضي على سيطرة النخبوية الذكورية، وتمكنها من القضاء على هذا التفرد الذي يعمل على القضاء شيئاً فشيئاً على التمييز ضد المرأة.
وتلعب التنشئة الاجتماعية دورًا معوقًا للمرأة سواءً في الأسرة، أو في المدرسة أو الشارع، فكل هذه المؤسسات لا تنشئ المرأة على أساس أنها مساوية للرجل في كل المجالات، بل تكرس فكرة أن لكل منهما مجاله، وأن الرجل هو الأقدر على خوض المجالات الصعبة بما في ذلك السياسة وأمور الحكم. كما أن هذه المؤسسات تعمل على أن يتوارث الأطفال مفاهيم معينة عن المرأة تحمل معانٍ تمييزية وتفضيلية للرجل، وبالتالي نجد أن الفتاة نفسها تنشأ وهي تعرف أن لها حدودًا لا يمكن تخطيها، وأن قدراتها دون قدرات الرجل خاصةً في المجال السياسي. وثَمَّة دور وسائل الإعلام للأسف كان سلبيًا حيث قدم المرأة العاملة في مجال السياسة على أنها امرأة مسترجلة، أو إظهارها في قالب كاريكاتوري بأنها امرأة معقدة وفاشلة في حياتها الزوجية، وهو ما يثير السخرية والاستخفاف من تلك النوعية من النساء.” وأضافت : ” إن استمرار تهميش دور المواطن في الحياة السياسية، وفي عمليات صنع القرار أدى إلى عزوف المواطنين رجالًا ونساءً عن المشاركة، هذا بالإضافة إلى أن الأحزاب لم تقم بدور فعال في تحفيز ودفع مشاركة المرأة سياسيًّا، بل لم تقم بأي تغيير في النظرة السائدة للمرأة باعتبارها دون الرجل في المسائل السياسية. كما إن فشل الأداء السياسي للمعارضة السورية كان من الأسباب الهامة التي أدت لعزوف الرجل والمرأة على حد سواء عن المشاركة السياسية”.
أما السيدة غزوة الميلاجي الناشطة السورية والاختصاصية الاجتماعية فقالت لصحيفة إشراق” إن المعاناة واقعة على كل المكونات السورية نساء ورجالًا وأطفالًا في بلدان اللجوء، طبعًا باختلاف تلك البلاد، جميعنا نرى ما يحصل الآن من مشكلات تواجه العوائل السورية في أوروبا نتيجة تغير نمط الحياة المعتاد لدى السوريين وباتت قضية أخذ الأطفال من ذويهم من قبل هيئة الخدمات الاجتماعية تعد أكبر هاجس للمرأة والرجل في دول اللجوء. ومن أكبر التحديات التي تواجه اللاجئات السوريات هي الزواج المبكر وهو ثقافة مجتمعية موجودة سابقاً في مجتمعنا إلا أن ظروف اللجوء زادته وفاقمته لتخلق نوعاً آخر من المشاكل يتمثل بعدم مقدرة الفتاة على إنشاء أسرة والتعامل مع الأطفال وأحياناً الطلاق. وكذلك الظروف الاقتصادية السيئة التي اضطرت بسببها بعض السيدات السوريات في دول اللجوء للتوجه إلى سوق العمل وتعرضهم لانتهاكات عديدة وسيئة في بعض الأحيان، ويعد جهل النساء السوريات بقوانين تلك الدول سببًا لتعرضهن للعديد من المشاكل. وتمتد معاناة اللاجئات السوريات للصورة النمطية ضمن خطاب كراهية تبثه وسائل إعلامية في بعض الدول المضيفة بحيث ألصقت بهن بعض الممارسات كانتشار الدعارة والتسول والزواج السهل الرخيص. وبرزت مشكلة عزوف الشباب عن الزواج لأسباب كثيرة أولها الحالة الاقتصادية وليس آخرها تباعد الأسر والعوائل ووجودهم في دول متفرقة، ناهيك عن تغير واضح في العادات والتقاليد والمفاهيم وضياع اللغة لدى جيل كامل من أبنائنا ويبقى الهاجس الأكبر هو التنمر والعنصرية التي برزت في الآونة الأخيرة وأصبحت تشكل حاجزاً يستحيل تجاوزه في بعض تلك البلدان. أما بالنسبة للعمل السياسي فأنا أرى أنه بحاجة للتحسين لإكسابه المصداقية التي فقدت مع الأسف، فالفاعلين سياسياً حالياً فقدوا مصداقيتهم رجالاً ونساء وأصبح العمل السياسي مجهداً جداً بالنسبة للجميع بسبب المناخ السياسي المتردي. لابد من تحسين أداء المرأة مجتمعياً وسياسياً لملء الفراغ الكبير والعمل على زيادة التمثيل النسائي في الميدان السياسي والمجتمعي وتحفيز النساء على المشاركة و تمكين المرأة في العديد من المجالات الصحية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى توعيتها في المفاهيم الديمقراطية كالدستور والانتخابات والعدالة الانتقالية وأنظمة الحكم ورفع قدراتها الأمر الذي يتطلب قوة ومعنويات عالية وصبرًا وقدرة على التحمل فعمل المرأة السياسي يُقابل بتهميش كبير وغير مبرر لاعتبارات نمطية ومجتمعية وقد تكون دينية أيضاً، فعدد النساء العاملات بالسياسة قليل جداً ويعذى هذا الانكفاء لالتزامها بمسؤوليات مضاعفة وهيمنة التيارات الأيديولوجية على عمل المعارضة والتي تريد قولبة دور النساء وتقييده وهيمنة الفكر الذكوري الأمر الذي يُشعر المرأة بالوحدة وعدم الجدوى من هذا التمثيل.” ثم انتهت إلى القول : ” مع ذلك أنا متفائلة بأن العمل السياسي والمجتمعي للمرأة وعبر كل الإخفاقات وكل التحديات التي ذكرتها، بات أكثر نضوجاً بعد أن تمت ممارسته بشكل متكرر عبر هذه السنوات بحيث اكتسبت المرأة الخبرة والتدريب والمساحة الكاملة لهذا العمل.”
المصدر: إشراق