ضوء في نهاية النفق

معقل زهور عدي

 لنتفق في البداية أن ليس ثمة سياسات دائمة وثابتة , فالسياسات تتغير وتتغير معها مواقف الدول والحكومات , أيضا : أن سياسات الحرب تختلف عن سياسات السلام أو لنقل سياسات الأوضاع العادية . منذ تدخلت روسيا عسكرياً لحماية النظام في سورية بغطاء دولي , وتحول تدخلها إلى وجود عسكري دائم فقد أدرك كثيرون أن موازين القوى الداخلية في سورية قد اختلت بصورة يصعب تغييرها من الداخل , وأن مصير سورية أصبح مرهوناً بتوازنات القوى الاقليمية والدولية . وحتى الأمس كان يظهر أن تلك التوازنات مازالت تقف في وجه أي تغيير حقيقي في سورية . وكان ذلك يعني أن النفق المظلم الذي يعيشه الشعب السوري يبدو بدون بصيص من نور . مالذي تغير اليوم ؟ ربما كان علينا أن ننسى كل السياسات الدولية التي حملت معها ذلك الاستقرار الزائف في الوضع السوري اليوم , وأن نبحث عن الدوافع والمصالح التي ستنبع منها السياسات الدولية الجديدة في زمن الحرب . فالحرب بين أوكرانيا وروسيا قد اشتعلت , وهي تتحول بسرعة إلى حرب عالمية لكن بالوكالة , ومع استبعاد استخدام أسلحة التدمير الشامل ( رغم التهديد باستخدامها ) , وروسيا لن تتمكن بسرعة من الخروج من أوكرانيا ولا من استعادة وضعها السياسي والاقتصادي – المالي , أي أن حربا عالمية لابد أن تنتهي إما بإخضاع روسيا وكسر شوكتها العسكرية والاقتصادية أو بهزيمة الغرب هزيمة لا سابق لها منذ الحرب العالمية الثانية . وهناك حتى الآن ثلاثة عناصر هامة مؤكدة : الأول أن الولايات المتحدة تمكنت من حشد أوربة ومعظم دول العالم وتعبئتها ضد روسيا . والثاني أن موقف روسيا العسكري في أوكرانيا أظهر أن قوتها العسكرية ليست بتلك القوة الأسطورية التي لاتقهر طالما أن جيشا كجيش أوكرانيا ليس لديه تصنيف بين الجيوش العشرين الأقوى في العالم قد استطاع ايقاع خسائر فادحة بالجيش الروسي خلال الأيام الستة من بدء الحرب . كما ظهرت روسيا معزولة عالميا واهتزت عملتها قبل اكتمال تطبيق العقوبات الاقتصادية والمالية . والثالث أن الشعب الأوكراني ظهر موحدا ومصمما على مقاومة الاحتلال الروسي , وذلك كاف لتوقع استمرار مقاومته حتى لو سقطت العاصمة كييف بيد الروس ومعها مدن رئيسية . نأتي لانعكاس الحرب على سورية . منذ اليوم وحتى تنتهي الحرب فالعدو للغرب هو روسيا وسوف تتم محاربته بكل الوسائل وجميع الأمكنة لكن بالوكالة دون المجابهة العسكرية المباشرة . وسورية في هذا السياق مرشحة بقوة لتكون ميدانا للنيل من روسيا عسكرياً وسياسياً , والغرب قادر على ذلك بأكثر من وسيلة . وروسيا التي تضع اليوم كل ثقلها في أوكرانيا لن تعود قادرة على الاهتمام بسورية كما كانت حتى الأمس . باختصار لقد انهار التوازن الدولي التي استندت إليه روسيا في بقاء وجودها العسكري في سورية , وهي الآن بحاجة لكل جندي وكل طائرة حربية وكل جهد سياسي وعسكري لزجه في معركتها المصيرية هناك . أما الغرب فهو الآن بحاجة لايقاع أية خسائر بالعدو الروسي , ولم يعد مستعدا لغض النظر عن تدخله في سورية بل لابد أن يفكر في تحويل ذلك التدخل إلى هزيمة سياسية وعسكرية تضاف لرصيد حربه ضد روسيا . ينام التاريخ سنوات كأنها أيام , ثم يستيقظ ليتغير كل شيء في ايام كأنها سنوات أو كأنها الدهر . هل لمع ضوء التغيير في نهاية النفق .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى