من الملاحظ أن موسكو في غزوها لأوكرانيا كانت متحدية للمجتمع الغربي، حتى أنها قد تكون مستعدة للتضحية بملف نقل الغاز إلى أوروبا، فكانت أوكرانيا أولوية لروسيا بينما في سوريا لم تكن روسيا على نفس هذا المستوى من الجدية في مواجهة القوى الغربية، فما هي أسباب ذلك؟
سوريا مهد للتجارب الروسية
يقول المحلل السياسي، أحمد سعدو، إن هناك فرقا كبيرا بين سوريا وأوكرانيا بالنسبة للاتحاد الروسي، حيث يدرك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن جل ما يبتغيه من مصالح روسية في سورية كان هو التمدد نحو المياه الدافئة، والهيمنة على منطقة بعيدة نسبيا عن روسيا، من أجل مصالح اقتصادية وجيوسياسية وهي ليست منطقة استراتيجية بالنسبة للروس.
لكن المسألة بالنسبة لهم في أوكرانيا تختلف كثيرا، فوفقا لسعدو، فهي الخاصرة الرخوة لجنوب غرب روسيا، وهي التي كانت أهم جزء كان قد انفصل عن الاتحاد السوفياتي، وفيها الكثير من الروس، وهي البوابة التي يتم العبور منها وعبرها إلى الأوربيين، علاوة على الموقع الاستراتيجي الأهم، وهي أيضا فيما لو انضمت إلى حلف “الناتو” فسوف تشكل تهديدا مباشرا للروس.
ويضيف المحلل السياسي، في حديثه لـ”الحل نت”، أنه مع العلم أن مباحثات سابقة بين رئيس الاتحاد السوفياتي، ميخائل غورباتسوف، كان أخذ فيها وعدا خطيا من الدول الغربية، أنه يمكن أن يعترف بوحدة ألمانيا الشرقية والغربية مقابل عدم السماح بضم أوكرانيا، وكل ما حولها من دول متفلتة من هيمنة روسيا كي لا تكون أعضاء في حلف “الناتو”.
ومن جهته يرى الباحث في مركز “جسور للدراسات، وائل علوان، أن روسيا اليوم تعتمد على الكثير من الجمهوريات التي أصبحت تابعة لها، وينظر في ضمير بوتين إلى هذه الدول على أنها جزء من الجمهوريات الروسية.
أولوية سوريا لبوتين
في السياق ذاته، يعتقد علوان، خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن سوريا تكتسب أهمية بالغة، وأهم خاصة بالنسبة للجمهوريات الروسية في نظر بوتين. حيث وجود القوات الروسية والقواعد الروسية على البحر الأبيض المتوسط، هو عامل استراتيجي. وهو موقع مهم جدا بالنسبة للمشروع الروسي العالمي.
وبنظر القيادية الروسية، لا يوجد نظام سوري أو حكومة سورية، وهذا تدركه حتى القيادات الصف الأول في النظام السوري وتدركه روسيا اليوم بتعاملها مع الرئيس السوري، بشار الأسد، وتعاملها مع من حوله على أنهم مجرد موظفين محليين تابعين لروسيا وحتى الوجود الإيراني والنفوذ الإيراني والضغوطات الإيرانية لا تعيق روسيا بشكل كبير. وفق نظر علوان.
ومع احتدام الأزمة الروسية الغربية، يقول علوان، إن هناك دور كبير على مستوى أمن القوات الروسية في شرق البحر المتوسط. وهذا بالتأكيد سيشهد ضغوط روسية على الحكومة السورية. مضيفا، “لا أعتقد أن تطور العمليات في أوكرانيا سينعكس بشكل مباشر على الخريطة السورية. فهناك تفاهمات أميركية روسية في سوريا لن تتأثر كثيرا بما يحصل على الطرف الشرق الأوروبي”.
أوراق سوريا على طاولة المفاوضات
ويشير سعدو، إلى أن المصالح الروسية في سوريا تتمحور حول مزيد من استنزاف ثروة الفوسفات وضمان موانئ البلاد، وممارسة بعض التجارب الحربية للسلاح الروسي، ضمن عملية توازن مع الإسرائيليين ليستطيعوا ضرب ما يهددهم داخل الجغرافيا السورية.
أما المصالح الروسية في أوكرانيا وفق منظور سعدو، فهي أكبر بكثير من ذلك، فأوكرانيا ستكون جزءا من الاتحاد الروسي المرتقب توسعته أمام رخاوة الرد الأميركي والأوروبي. وبالتالي سوف تكون المصلحة في أوكرانيا هي الأكبر والأشمل، لتكون جزءا من ترسانة الأسلحة الروسية في مواجهة الغرب وتهديداته المفترضة، حتى لو كان ذلك على حساب الشعب الأوكراني المسالم.
ويعتقد المحلل السياسي السوري، أن سوريا لم تكن بالأساس ملفا أساسيا بالنسبة للروس حتى تكون الآن غير ذلك. فهناك الكثير من الملفات الروسية الأكثر سخونة وأهمية من سوريا، منها مسألة التحالف مع الصين مثلا. أو إعادة لملمة دول الاتحاد السوفياتي السابق، ليكون هناك امبراطورية روسية متمددة.
وعلى العكس تماما، يرى الباحث وائل علوان، أن الملف السوري سيزداد أهمية مع كل الأوراق على طاولة المفاوضات ما بين الروس والغرب. بمعنى أن روسيا تحتفظ بمجموعة كبيرة جدا من الأوراق التفاوضية. وفي الخريطة السورية لا يعني ذلك الاستغناء الكامل عن الوجود في سوريا أو إن سوريا ليست بذات أهمية استراتيجية لروسيا. أو يمكن أن تنسحب منها لمصلحة الغرب.
ويذكر علوان، أن هناك تفاصيل كثيرة، لذلك سيكون لسوريا أهمية كبيرة جدا في إرسال رسائل الضغط. أو في تحقيق بعض التنازلات هنا أو هناك أو الصفقات. “أو ربما حتى التصعيد الذي أسميناه بالضغط في حال لم يحصل هناك تفاهمات”.
وتهيمن الأوضاع الميدانية المتصاعدة في أوكرانيا على السياسة الدولية، خاصة مع بدء هجوم روسيا فجر الخميس الفائت على أوكرانيا، واحتمالية زيادة التصعيد خلال الأيام القادمة، ما سيترك العديد من الانعكاسات السلبية على الكثير من الملفات الدولية العالقة، ومن بينها الملف السياسي لسوريا.
المصدر: الحل نت