سواء أكان الأمر يتعلّق بتحويل سوريا حقل تجارب لصنوف الأسلحة الروسية الحديثة، بهدف اختبار قدراتها وفاعليتها في أرض معركة حقيقية، أم كان مرتبطاً برغبة موسكو في توجيه رسائل إلى خصومها الغربيين في خضم تصاعد الأزمة الأوكرانية، فممّا لا شك فيه أن نكهة الحرب السورية بكل تفاصيلها وبكل ما تنطوي عليه من فرص وتحديات، وما تسببت به من خراب وتدمير، ستبقى مرتبطة بترسانة الأسلحة الروسية لزمن طويل جداً، وخصوصاً أن أسلحة نوعية من أحدث ما تتضمنه هذه الترسانة لم تكن لتصل إلى مستوى تطورها الحالي لولا الدروس المستفادة من تجربتها وإعادة تجريبها فوق الأراضي السورية منذ التدخل الروسي عام 2015.
وأخيراً كُشف عن اختبار اثنين من أقوى الأسلحة الروسية وأكثرها تطوراً، كلٌّ في مجاله. وبينما كشفت مصادر عسكرية دبلوماسية روسية عن استخدام الجيش الروسي نسخة مطورة للغاية من المسيّرة الروسية الانتحارية “لانتسيت”، قادرة على حمل رأس حربي أكبر، “ضد الإرهابيين في سوريا”، ذكرت صحف روسية أن التدريبات التي أجرتها القوات الروسية قبالة الساحل السوري شهدت للمرة الأولى استخدام صواريخ “كينجال” الفرط صوتية.
“لانتسيت” مسيّرة بخواص مطوّرة
في إطار الاختبار، استخدم الجيش الروسي أخيراًَ نسخة جديدة من الطائرة الانتحارية “لانتسيت -3” مرات عدة ضد “مواقع إرهابية” في سوريا، وفق ما نقلت وكالة “نوفوستي” عن مصدر دبلوماسي عسكري روسي.
وأوضح المصدر أن النسخة الأكثر تطوراً من هذه الطائرة الانتحارية “حصلت على ديناميكيات هوائية مطوّرة، والآن لديها جناح كبير على شكل إكس، وذيل على شكل إكس، لا جناحان متماثلان على شكل الحرف إكس، كما كان من قبل”.
وأشار المصدر العسكري إلى أن “المسيرة الجديدة زادت مدة طيرانها ونطاقه، وهي قادرة على حمل رأس حربي بقوة أكبر”.
وتصل مدة طيران هذا الإصدار الجديد من الطائرة المسيرة الانتحارية 40 دقيقة، والسرعة القصوى 110 كيلومترات في الساعة، فيما يبلغ وزن الرأس الحربي الذي تحمله ثلاثة كيلوغرامات.
ويمكن لهذه المسيرة الانتحارية التحليق في المنطقة المستهدفة المقصودة لفترة طويلة أثناء وضع البحث، وحين يُكشف عن الهدف، تنقضّ عليه المسيّرة مثل صاروخ موجه جو – أرض، وتدمّر نفسها تماماً.
وفي الأسبوع الأخير من العام الماضي، عرضت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو يوضح تدمير مصنع صغير لتكرير النفط تابع للمسلحين في ريف حماة، باستخدام طائرات “لانسيت”.
وكانت وزارة الدفاع قد عرضت قبل ذلك شريط فيديو لـ”تدمير أوكار إرهابيين سوريين وأسلحتهم”، بمساعدة “لانسيت”. وأظهرت اللقطات، في نيسان (أبريل) 2020، القضاء على الإرهابي الملقب بـ”Sniper ToY” ، والذي تفاخر بأنه دمّر نحو 30 دبابة ومروحية لقوات الحكومة السورية بمنظومات صواريخ TOW الأميركية، وكذلك القائد الميداني أبو الوليد.
وتم تصميم المسيرة “لانسيت” الانتحارية في شركة ZALA AERO، إحدى مؤسسات مجموعة “كلاشنكوف” الروسية المتخصصة في تصنيع الأسلحة.
ومن خواص هذه الطائرة أنها لا تعود إلى نقطة إقلاعها (انتحارية)، بل يتم توجيهها للهدف المعادي بعد تحديد إحداثياته وتحركاته بواسطة أجهزة تتبع خاصة، بما فيها عبر الأقمار الاصطناعية.
“كينجال” ارتبط بسوريا مرتين
وشهدت المناورات العسكرية التي أجرتها القوات الروسية فوق البحر الأبيض المتوسط، قبالة الساحل السوري، استخدام صاروخ “كينجال” الفرط صوتي للمرة الأولى. وليست هذه المناسبة الوحيدة التي ارتبط بها اسم “كينجال” بسوريا، فقد كانت الأخيرة أول جهة خارجية يتم نشر صواريخ “كينجال” فيها، وذلك منتصف عام 2021.
ونشرت روسيا صاروخ “كينجال” في الخارج، بعدما أرسلته إلى قاعدة تابعة لموسكو في سوريا، في مهمة لمراقبة القوة الضاربة للبحرية الملكية البريطانية التي تُبحِر في شرق البحر المتوسط، وفق ما ذكرته صحيفة The Times البريطانية الثلثاء 29 حزيران (حزيران) 2021.
الصحيفة قالت إن روسيا أرسلت طائرتين مقاتلتين مسلّحتين بـ”صاروخ قاتل لحاملة طائرات” تفوق سرعته سرعة الصوت إلى قاعدة في سوريا لمراقبة سفينة “إتش.إم.إس كوين إليزابيث” التي تبحِر في شرق البحر المتوسط، على رأس مجموعة القوة الضاربة التابعة للبحرية الملكية البريطانية.
وكانت هذه هي المرة الأولى التي تنشر فيها روسيا صاروخها “كينجال” في الخارج. ويُزعَم أنه قادر على الطيران بعشرة أضعاف سرعة الصوت (12350 كم/ساعة) ويبلغ مداه نحو 2000 كم.
ويعتبر صاروخ “كينجال” “كيه إتش إم 2” – أو “الخنجر” – أحد صواريخ الجيل الجديد من الأسلحة، الذي سلَّط الضوء عليه الرئيس بوتين عام 2019، منوهاً أنَّ روسيا هي أول دولة تنشر سلاحاً تفوق سرعته سرعة الصوت. ويمكن تسليح الصاروخ برأس حربي نووي.
ويُنقَل صاروخ “كينجال” بواسطة طائرتين مقاتلتين من طراز “ميغ-31 كيه” الأسرع من الصوت، اللتين أُرسِلتا إلى قاعدة حميميم الجوية في محافظة اللاذقية الساحلية في سوريا. وشاركت طائرات من هذا الطراز، التي يطلق عليها الناتو اسم “فوكس هاوند” – وهو اسم كلب صيد الثعالب – في مناورة بحرية روسية في المنطقة نفسها مع سفينة “الملكة إليزابيث”.
وقالت صحيفة “الوطن” السورية شببه الرسمية في عددها الصادر الأحد، إنه “عقب وصولها أخيراً إلى قاعدة حميميم في ريف اللاذقية على ساحل البحر الأبيض المتوسط لإجراء تدريبات بحرية، اختبر الطيارون الروس صواريخ “كينجال” الأسرع من الصوت لأول مرة في سوريا، وذلك وسط تصاعد التوتر ين موسكو والغرب بشأن الملف الأوكراني”.
ونقلت “الوطن” عن صحيفة “إزفيستيا” الروسية أن “فوجاً جديداً منفصلاً من طراز ميغ -31 ك مزود بصواريخ “كينجال”، حلق فوق البحر المتوسط لأول مرة لإجراء التدريبات”، وذلك وفق ما ذكر موقع قناة “روسيا اليوم” الإلكتروني.
وبحسب الصحيفة، حلقت، إضافة إلى ذلك، طائرة متوسطة المدى مضادة للغواصات من طراز “إيل-38” ومجموعة تغطية من مقاتلات “سو-35″ و”سو-30إس إم”.
وأوضحت أن مجموعة طائرات تزوّدت بالوقود في الجو فوق البحر، وأطلقت الناقلة “إيل-78” خرطوماً بمخروط وحلقت مقاتلات “سو” نحوها.
والثلثاء الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن مقاتلات من طراز “ميغ -31 ك” حاملة لصواريخ “كينجال” وقاذفات “تو-22م” وصلت إلى قاعدة “حميميم” في إطار التدريبات البحرية.
وذكرت الوزارة، أنه «تم نقل هذه الطائرات الحربية، على خلفية وجود مجموعات جوية تابعة لحلف شمال الأطلسي في منطقة البحر الأبيض المتوسط»، موضحة أن هذه المقاتلات والقاذفات ستشارك في التدريبات البحرية الروسية في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط.
وتزامن وصول مقاتلات “ميغ -31 ك” الحاملة لصواريخ “كينجال” وقاذفات “تو-22م” إلى قاعدة “حميميم”، مع وصول وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى دمشق، حيث استقبله الرئيس بشار الأسد، و”تم بحث التعاون القائم بين الجيشين الروسي والسوري، وبخاصة في موضوع مكافحة الإرهاب”.
وحينها، أكدت مصادر واسعة الاطلاع لـ”الوطن”، أن قاعدة “حميميم” لم تعد مجرد قاعدة لمحاربة الإرهاب، وأن دورها تجاوز بكثير حدود الجغرافيا السورية، لتكون عسكرياً رأس حربة في حوض المتوسط والاشتباك الدولي الروسي الغربي.
وفي اليوم التالي تفقد وزير الدفاع الروسي مقاتلة “ميغ 31ك” الحاملة لصواريخ “كينجال”.
ومن أهم ما يتميز به صاروخ “كينجال” قدرته الفائقة على إصابة الأهداف بدقة متناهية، تشبه تماماً دقة القنص، لأن انحرافه عن الهدف لا يتجاوز متراً واحداً.
تبلغ سرعة هذا الصاروخ وترجمته إلى العربية “الخنجر القناص”، 10 ماك نحو 12 ألف كيلومتر في الساعة. وهو قادر على تدمير الأهداف على مدى 2000 كيلومتر، ما يستوجب دخول طائرة “ميغ – 31 كا” الحاملة للصاروخ منطقة الدفاع الجوي للعدو.
ذلك أن مقاتلة “ميغ – 31 كا” يمكن أن تصل سرعتها إلى 2.3 ماك، الأمر الذي يضمن السرعة اللازمة لإطلاق الصاروخ.
وتجدر الإشارة إلى أن صاروخ “كينجال” مخصص لتدمير السفن الكبيرة بدءاً من مدمّرة وانتهاءً بحاملة طائرات. أما رأسه القتالي بوزن 500 كيلوغرام فيكفي لتدمير تلك السفن أو إلحاق أضرار بها تفقدها صلاحيتها.
المصدر: النهار العربي