نيويورك تايمز: بايدن يريد تشكيل تحالف ديمقراطي لتحدي التعاون الروسي- الصيني

إبراهيم درويش

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعده إدوارد وانغ، قال فيه إن الرابطة القوية بين الصين وروسيا تُقلق الولايات المتحدة وأوروبا وسط أزمة في أوكرانيا.

وقال الكاتب إن إدارة الرئيس جو بايدن تخطط لبناء تحالف دولي مضاد للرابطة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشي جين بينغ، مما ينذر بنوع جديد من الحرب الباردة. فعندما دعا وزير الخارجية الصيني شي وانغ يي يوم السبت إلى المحادثات لحل الأزمة في أوروبا، فإنه طالب بـ”احترام وحماية” سيادة أوكرانيا، إلا أنه وقف مع روسيا في موقفها من توسيع حلف الناتو الذي قال إنه يزعزع استقرار القارة.

وقال أثناء مشاركته عبر الفيديو بمؤتمر ميونيخ للأمن الذي شاركت فيه نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس: “لو استمر الناتو بالتوسع شرقا، فهل يساعد هذا على السلام والاستقرار في أوروبا؟”. وكان هذا موقفا واضحا من الصين ضد الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، وعندما قالت رأيها في قضية تتعلق بالأمن الأوروبي ودعمت روسيا التي حشدت أكثر من 150 ألف جندي على الحدود الأوكرانية، مع أن أوكرانيا لم تنضم بعد إلى حلف الناتو.

وقال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون حاليون وسابقون إنهم شعروا بالقلق من معاهدة عدم الاعتداء بين الصين وروسيا بشكل يعيد رسم النظام العالمي، مما ينذر بنوع جديد من الحرب الباردة. وقال المسؤولون في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة ستعمل على بناء تحالفها من الدول الديمقراطية، بما فيها الدول الأوروبية ودول المحيط الهادئ والآسيوية ومساعدة الدولة النامية على تطوير قدراتها العسكرية.

وقال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون في الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة تراقب “العلاقات المتنامية” بين الصين وروسيا. وقال إن البيان المشترك بين بوتين وشي بداية شهر شباط/ فبراير، يظهر أن الصين تقف إلى جانب بوتين وحشوده العسكرية حول أوكرانيا. وقال: “دعمهم التكتيكي، لو أردت، لروسيا مثير للقلق وبصراحة يزعزع استقرار وأمن أوروبا”.

واتفق البلدان خلال الأسابيع الماضية على  30 اتفاقية، توفر فيها روسيا الغاز للصين عبر أنابيب غاز جديدة. وتعاونت موسكو وبكين في مجلس الأمن لمنع الأمم المتحدة من فرض عقوبات إضافية على كوريا الشمالية لأنها قامت باختبارات صاروخية جديدة، مع أن البلدين وافقا على عقوبات مماثلة في الماضي. وحركت روسيا عددا من قواتها من سيبيريا إلى الغرب،  كعلامة على ثقة موسكو بالصين على  الحدود المشتركة بينهما.

وتقول الصحيفة إن التقارب بين البلدين وصل ذروته في البيان المكون من 5.000 كلمة وتحدث عن شراكة “غير محدودة”، وهو ما رآه المسؤولون في إدارة بايدن نقطة تحول في العلاقات الصينية- الروسية. وهذه هي المرة الأولى التي شجبت فيها الصين توسع الناتو وخطط أمريكا في منطقة إندو- باسيفيك وشركاتها الأمنية الجديدة “أوكوس” والتي تضم بريطانيا وأستراليا.

ووصف البلدان أيضا تايوان بأنها “جزء لا يتجزأ” من الصين. ويقول المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون إن الصين وروسيا اتفقتا على بناء “ديمقراطية حقيقية” ومواجهة الأيديولوجية والمؤسسات الأمريكية بحيث لا يمكن مواجهة وتحدي الديكتاتوريات. وقال أورسلا فون دير لاين، رئيس المفوضية الأوروبية أمام مؤتمر ميونيخ يوم السبت: “يريدون عهدا جديدا كما يقولون، واستبدال النظام الدولي الحالي. يفضلون حكم الأقوياء على حكم القانون، التخويف بدلا من تقرير المصير، الإكراه بدلا من التعاون”.

وتقول الصحيفة إن تقوية العلاقات الصينية- الروسية قد يشير إلى إعادة تشكيل مثلث القوة الذي طبع الحرب الباردة والذي حاول ريتشارد نيكسون استغلاله قبل نصف قرن. وتحل ذكرى زيارته يوم الإثنين المقبل إلى بكين وتطبيعه العلاقات معها. وهو ما ساعد الولايات المتحدة والصين على مواجهة الاتحاد السوفييتي. ففي تلك الفترة، كانت الخلافات بين بكين وموسكو واضحة بشأن الأيديولوجيا والسياسة الخارجية، لكن الوضع اليوم هو العكس.

وقالت سوزان شيرك، مديرة مركز الصين في القرن الحادي والعشرين بجامعة كاليفورنيا- سان دييغو: “هذا بالتأكيد يثير القلق، وهو ليس تطورا إيجابيا من موقف الأمن القومي الأمريكي أو مصالح الأمن القومي الأمريكية”. و”لديهما المنظور المشترك من الولايات المتحدة في الوقت الحالي والعلاقة الودية بين الزعيمين”. لكن شيرك ترى أهمية في محاولة بايدن دفع شي للتعاون مع الولايات المتحدة في الأزمة التي خلقها بوتين في أوكرانيا. وتشير إلى أن الصين وروسيا ليستا متحدتين في الأيديولوجية  وعلاقتهما هي “زواج مصلحة” وحاجة كل منهما للآخر.

وفي الوقت الذي يعجب فيه شي بتحدي بوتين للولايات المتحدة، إلا أنه لا يريد الغموض الاقتصادي الذي ستتسبب به الحرب في أوروبا. وتؤكد الصين على احترام سيادة كل دولة كما جاء في خطاب وانغ أمام مؤتمر ميونيخ. وهناك محدودية لما يمكن أن تقدمه الصين لروسيا حالة اندلاع الحرب، فهي قد تشتري الغاز والنفط وتساعد في ملء الفجوة التكنولوجية بسبب العقوبات الغربية، إلا أن المصارف الصينية المرتبطة بالدولة ستتردد في خرق العقوبات حتى لا تُمنع من المنافذ على السوق المالي العالمي.

والتقى شي وبوتين 38 مرة كقادة لبلديهما وكلاهما لديه هوس باستعادة أمجاد بلديهما التي أخذها الغرب والولايات المتحدة منهما، وفي حالة الصين، اليابان. وكلا الزعيمين لديه هوس بفكرة انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، ويريد بوتين أن يعيد عقارب الساعة لما قبل فترة الانهيار. أما شي فيهدف لمنع مواجهة الصين نفس المصير. وكلاهما يتهم الولايات المتحدة بإثارة الاحتجاجات الجماعية ودعم حركات الديمقراطية حول العالم والإطاحة ببقية الحكومات.

وعودة النزاع بين الصين وروسيا سيكون له شكل مختلف عن الحرب الباردة، فالاقتصاد الصيني بات مندمجا مع الدول الأخرى بما فيها الولايات المتحدة. أما روسيا فهي مصدر مهم للطاقة إلى أوروبا. ولأسباب عملية، فلن تمنع الدول الثلاث التبادل التجاري بينها تماما، كما في أيام الستار الحديدي. لكن صناع السياسة والمسؤولين والمعلقين عبروا عن قلق. ففي مقال كتبه جون بولتون، مستشار الأمن القومي لدونالد ترامب في صحيفة “وول ستريت جورنال”  بعنوان: “الوفاق يضاعف تهديد روسيا والصين” ناقش فيه أن التحالف بين البلدين سيستمر نظرا لتكميل مصالح البلدين لبعضهما البعض في المستقبل المنظور.

ووصف ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي لجورج دبليو بوش البيان بأنه “مانفيستو لقيادتهم العالمية”، أما كيفن راد، رئيس الوزراء الأسترالي السابق، فقد قال إن الموقف الصيني المؤيد لروسيا  بشأن الأمن الأوروبي: “جديد ومهم وتحول جذري عن الماضي”. وشجب سكوت موريسون، رئيس الوزراء الأسترالي الحالي، سكوت الصين بشأن الحشود العسكرية الروسية حول أوكرانيا وأنهما تتعاونان معا.

لكن مسؤولا أمريكيا بارزا يرى العكس وهو أن القوتين تحاولان بناء “راوبط قوية” مع الشركاء الديمقراطيين للولايات المتحدة، وهي روابط تذهب أبعد من التحالفات الإقليمية. وهو رأي كان في مركز حملة بايدن الذي قال عام 2020 إن روسيا هي أكبر تحد للولايات المتحدة على المدى القريب والصين على المدى البعيد.

ودفع بايدن الناتو لإصدار بيان في حزيران/ يونيو، أكد فيه على التحديات التي تمثلها الصين على الحلف، وهو موقف أكده سكرتيره يان ستولتنبرغ. وعقد الرئيس قمة افتراضية للديمقراطية  في كانون الأول/ ديسمبر وشاركت فيها 100 دولة. وفي استراتيجية إندو- باسيفيك أكدت فيها إدارة بايدن على دعم دول المنطقة وتزويدها بالقدرات العسكرية ومساعدة أستراليا بناء غواصات نووية.

وشجب شي وبوتين تحركات الولايات المتحدة القائمة على شعبيتن: نشر الديمقراطية ونشر القدرات العسكرية باعتبار هذا تهديدا لهما. وقال المتحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن ليو بينغيو: “آمل بأن تخلع الولايات المتحدة نظارتها السوداء وتتخلى عن عقلية الحرب الباردة وتتعامل مع العلاقات الصينية- الروسية والتعاون بموضوعية والاعتراف بالتوجهات القائمة في هذا الوقت وعمل شيء مفيد للسلام والتنمية في العالم”.

وقال ألكسندر غابيو، مدير مركز كارنيغي في موسكو أن البيان هو حجر أساس للعلاقات الروسية- الصينية، لكن التعاون الأهم يجري تحت السطح وهي مبيعات الأسلحة الروسية للصين والتي يجب أن تثير خوف صناع السياسة الأمريكيين. وقال غابيو إن الصين وروسيا توصلتا للتسوية بينهما بشأن الحدود الممتدة على 2.700 ميلا عام 2018 وزادتا من التعاون العسكري، ولهذا شعرت موسكو بالثقة لسحب قواتها من الشرق إلى أوكرانيا بشكل خفضت قواتها على الحدود الصينية والمنغولية لأدنى مستوياتها منذ 1992.

ومع ذلك يختلف البلدان ويتنافسان، فالصين لها علاقات مع دول وسط آسيا التي تعتبرها روسيا مجالها وهي قوة في منطقة القطب الشمالي التي تريد روسيا السيطرة عليها وأقامت الصين علاقات مع دول أوروبا الشرقية. وتقيم الصين شراكة مع أوكرانيا وتعترف بسيادتها ولم تعترف بضم شبه جزيرة القرم عام 2014.

المصدر: “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى