الكاتب: ابراهيم صالح. ضمن سلسلة تصحيح المفاهيم التي تنشرها مكتبة الأسرة العربية أصدرت كتاب الولاء والبراء، وهو كتاب مهم في موضوعه، جاء في أوانه حيث ان اغلب الحركات الاسلامية السياسية وكذلك التنظيمات المسلحة التي تواجدت في العالم العربي والإسلامي في العقود السابقة للآن، تعود مرتكزاتها الفكرية الدينية والسياسية إلى هذا المفهوم. لذلك كان لا بد من بيانه وتوضيحه ونقده وتصحيحه، سواء من أرضية إسلامية ومن القراءة العلمية للواقع الاجتماعي الإنساني.
- إشكالية المفهوم.
بدأ مفهوم الولاء والبراء بالظهور والتداول على يد شيخ الإسلام ابن تيمية الذي عاش في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي، وكان الدافع الأساسي لتوليد المفهوم عنده، مقاومة الهجمات المغولية على العالم الإسلامي التي أدت لسقوط بغداد والخلافة الإسلامية.
كان لابد من إعادة بلورة موقف ديني مواجه ومقاوم حيث اعتبر الولاء للإسلام والذود عنه والبراء من جميع الأفكار والمعتقدات الأخرى مقدمة للتحشيد والمقاومة.
ثم أُعيد إحياء مفهوم الولاء والبراء على يد محمد بن عبد الوهاب الشيخ الذي أعاد التركيز على الأصول الأولى للإسلام من قرآن وسنة ورفض كل مستجدات علقت بالاعتقاد والسلوك الديني واعتبرها بدع وضلالات، كما تحالف مع محمد بن سعود في أواسط القرن الثامن عشر الميلادي، ودعمه عقائديا ليقوم بدوره التوحيدي في الجزيرة العربية التي أنتجت بعد ذلك المملكة العربية السعودية.
ثم أعيد تداول المفهوم في أواسط القرن العشرين على يد سيد قطب الذي نظّر للإسلام بصفته دين ودولة وأن الحاكمية لله.
- التجارب العملية.
توالدت حركات سياسية إسلامية من تأثير اعتقاد الولاء والبراء غطت بلاد العرب والمسلمين.
اولا: حركة جهيمان العتيبي التي تبلورت في مكة المكرمة والتي تمتد بعقيدتها إلى أفكار محمد بن عبد الوهاب في الولاء والبراء، حيث وجد أن الدولة السعودية لم تكن ملتزمة بها كما يجب، فخرج ضد الدولة في الحرم المكي عام ١٩٧٩م، معلنا صهره محمد القحطاني الامام المهدي المنتظر، وتمت مواجهة حركته ومن معه من السلطات السعودية وتم القضاء عليهم جميعا.
ثانيا: جماعة التكفير والهجرة بقيادة شكري مصطفى الذي أعاد إحياء مفهوم الولاء والبراء وضرورة الانفصال الشعوري والواقعي عن المجتمع الجاهلي. كما تورط ومن معه باختطاف الوزير الشيخ الذهبي وقتلوه. مما دفع السلطات المصرية لمحاربتهم والقضاء عليهم عام ١٩٧٨م. ومن بقي منهم تشتت وانتصر للعزلة عن المجتمع وخلق مجتمع مسلم على مقاس أفكارهم.
ثالثا: جماعة الجهاد المصرية التي اعادت احياء مفهوم الولاء والبراء وأن يجب محاربة الدولة الكافرة وكان دليلهم كتاب الفريضة الغائبة ل عبد السلام شرف. حيث قام خالد الاسلامبولي ومعه آخرين من الجماعة باغتيال أنور السادات عام ١٩٨١م. الذي كان قد أبرم صلح مع الكيان الصهيوني. تم اعتقال الجماعة، اعدم البعض وسجن البعض وهرب البعض واصبحوا نواة لحركات اسلامية جذرية كالقاعدة، منهم أيمن الظواهري.
- تحرير مفهوم الولاء والبراء.
فنّد الكاتب مفهوم الولاء والبراء وأنه يعتمد على ركيزتين أساسيتين وهما وحدانية الحق الديني ضمن رؤية المتبعين، وتكفير كل المختلف حتى داخل الدين الإسلامي، مع ما يتبع ذلك من عداء وصراع وعنف. كذلك اعتماد مبدأ الحاكمية الذي أسسه سيد قطب واستفاد من أبو الأعلى المودودي الذي يعني ضرورة وحتمية بناء الدولة الاسلامية باعتبارها فرض عين. مع ما يتبع ذلك من حرب على الأنظمة الحاكمة والعمل لتغييرها.
ثانيا: تحرير مفهوم الولاء والبراء.
حيث عاد الكاتب إلى تحليل وقراءة للدين من نصوصه ومن سيرة النبي ص واكد على واقع التمييز بين دائرة الدين وضروراته ومحرماته وأنه تعبدي قلبي ، وان الحق متعدد حسب الواقع وحسب مواقف الناس وان الاسلام لم يأتي ناقضا اعتقادات الآخرين بالعموم، بل مكملا لها ومصححا للبعض . وبين دائرة المجتمع التي تم التعامل معها وفق المصلحة المعتبرة فرديا وجماعيا. وان مفهوم الولاء والبراء دينيا تشوبه كثير من التعدي على الاعتقاد والحرمات للمسلمين وغيرهم. وكذلك في دائرة المجتمع حيث يحكم الحياة قوانين ونواميس، والاختلاف بين الناس أمر واقع، وأن مفهوم المصلحة هو من يحكم هذه العلاقة. ونفس المنطق ينطبق على العلاقات الدولية والصراعات العسكرية وغيرها مما يحكمه منطق الدولة والمصلحة العامة من اتفاقات ومعاهدات.. الخ، في التعامل مع الآخرين.
يختم الكاتب كتابه في نتائج يجمل فيها اغلب افكاره التي طرحها في الكتاب، كذلك توصيات تنصب على ضرورة الدراسة العميقة للإسلام فكرا ونصوصا وممارسة عملية بحيث يتم تقديم الرؤية الأقرب لجوهر الإسلام والمصالح الاجتماعية التي جاء الإسلام للحفاظ عليها وتحقيقها.
في التعقيب على الكتاب نقول:
اولا: نؤكد على أهمية الكتاب والموضوع الذي طرحه سواء على العقل الإسلامي وضرورة تنويره وتحريره. وعلى القراءة العلمية للمجتمع والبحث عن إمكانية الربط بين القيم الإنسانية العليا التي يطرحها الإسلام ومقاصد الشريعة وتحقيق أعلى توازن بين المصالح والمعتقدات، في المجتمع ومع الإنسان في واقعة وحقوقه محققين جميع مصالحه في كل الأوقات.
ثانيا: كان اولى ان يتابع الكتاب بحثه في الجانب الممارس للولاء والبراء فقد توقف عند جماعة الجهاد الاسلامي المصرية منذ اربعة عقود. لقد استجد في المفهوم والسلوك الكثير، مما يجعل الكتاب ناقصا من هذا الجانب. لقد مرت كل الدول العربية تقريبا بتطورات في الفكر والممارسة للجماعات الإسلامية السلمية والمسلحة، وعاشت صراعات مع الدول المستبدة الظالمة وداخل المجتمعات. ليس اولها الطليعة المقاتلة في سوريا والاخوان المسلمين في سوريا والاردن ومصر وكل البلاد العربية، وممارسة الحركات الإسلامية في الجزائر والمغرب والخليج العربي. على تنوعهم واختلافهم. وما فرز من ثناياها من أفكار وحركات ليس أولها القاعدة وليس آخرها داعش.
ثالثا: ان الاهم في مبحث الولاء والبراء والذي لم يسلط الضوء الكاتب عليه وهو المظلومية المجتمعية من انظمة استبدادية قبائلية عشائرية طائفية احيانا. تابعين كل الوقت لقوى خارجية، تعمل لخدمة مصالحها الخاصة ومصالح القوى العظمى التي تدعمها وكل ذلك على حساب الشعب الذي يعيد انتاج رأسماله الديني مواجهة هذه الانظمة التي تسبيح البلاد والعباد.
ليس غريبا ان اغلب الفكر الإسلامي الجهادي توالد في السجون والمعتقلات.
أخيراً: لا نستطيع أن نمر على هكذا كتاب دون التحدث عن ثورة السوريين في ربيع ٢٠١١م مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل، رافعا راية الله اكبر كتعبير عن حقوقهم ومطالبهم وكيف تم استثمار ذلك من بعض الإسلاميين داخل الثورة ومن القوى الإقليمية والدولية، بحيث تم استلاب الثورة نصاعتها الاولى وتشويه الاسلام و وصمه بالإرهاب وتم انتاج نسخ مشوهة من الإسلاميين على رأسهم داعش والنصرة… ما أحوجنا لتنوير ديني ومجتمعي علمي…