نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريراً أعده عبد اللطيف ضاهر عن الحركة الداعية للديمقراطية ذات الجذور الشعبية التي تحاول مواجهة جنرالات السودان.
وأشار إلى مئات اللجان غير المترابطة بشكل قوي والتي تنظم احتجاجات سلمية وتبحث عن الجرحى والقتلى وتطالب بحكومة يقودها المدنيون. وأشار إلى اجتماع عقد في شمال العاصمة الخرطوم حيث ناقش الحاضرون، كبارا وشبابا ونساء مع أطفالهم، طريقة التخلص من النظام العسكري الذي ثبت دعائمه بعد انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر وأنهى عملية الانتقال الديمقراطي في السودان.
وقال إن اجتماعات “لجان المقاومة” تعقد في عدة مناطق بين سكان البلد البالغ تعداده 43 مليون نسمة. وتنظم الاجتماعات بشكل منظم للاتفاق على الاحتجاجات وكتابة الشعارات السياسية ومناقشة موضوعات السياسة الاقتصادية وحتى جمع النفايات. ويقول إن أعضاء اللجان ملتزمون بالسلمية رغم أنهم دفعوا ثمنا باهظا. ففي حي كافوري في الخرطوم علقت صورة امرأة و15 رجلا “شهداء” الانتفاضة من الحي، وهم من بين 79 شخصا قتلوا منذ سيطرة الجيش على السلطة نهاية العام الماضي.
ونقل عن ريم سنيدة، المحاضرة في علوم البيطرة بجامعة الخرطوم “قتل الناس وجرحوا وسجنوا لمنعنا من التنظيم والاحتجاج” و”لن نتوقف”. ويقود لجان المقاومة شباب في أكثر الأحيان ويلتقون في العلن، بالمحلات والمقاهي أو تحت الأشجار ويرفضون لقاءات الغرف المغلقة أو القيادة من فوق إلى أسفل والتي علمت السياسة السودانية لعقود. ولهذا لا يوجد للجان قائد واحد، فهي لا مركزية وتنظم احتجاجاتها بشكل مستقل وتعلن عنها وعن مطالبها من خلال منصات التواصل، المنشورات والكتابات الجدرانية واللوحات الجدارية.
وتشترك اللجان الإعلامية بحساب موحد على تويتر لكن اللجان تدير -كل على حدة- حساباتها على منصات التواصل. وبحسب مزن النيل، الزميلة غير المقيمة في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في واشنطن “يتمنى الجيش لو تعامل مع عدد من الأحزاب السياسية والنخب، وليس شبكة واسعة على طول البلاد”. ولم يرد المجلس السيادي الذي يقوده الجنرال عبد الفتاح البرهان على مكالمات الصحيفة المتكررة. وبدت المواجهة بين الشعب والجنرالات في الشوارع حيث نظمت اللجان 16 تظاهرة كبيرة منذ استيلاء الجيش على السلطة وتخطط لأربع تظاهرات في شهر شباط/فبراير. وفي واحدة من الأمسيات تدفق المحتجون نحو محطات الباص والمتنزهات والساحات وانطلقوا نحو القصر الجمهوري وهم يهتفون “ثورتنا سلمية”.
وواجهت قوات الأمن المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع لمنعهم من الوصول إلى شارع القصر. ومع بدء تراجعهم صرخ أحدهم “الانسحاب مستحيل”. وبحسب نقابة الأطباء السودانيين فقد جرح أكثر من 2.000 شخص في هذه الاحتجاجات. وقالت إن من قتل منهم فقد أطلق الرصاص على رؤوسهم وصدورهم ورقابهم. وداهمت قوات الأمن المستشفيات وأرعبت العاملين الصحيين واعتقلت مرضى، حسب مقابلات مع الأطباء وشهود العيان.
ولم يمنع القمع محتجين مثل أكرم الواثق، 29 عاما، الذي يقود التظاهرات بهتافاته وأشعاره الجذابة. وقال “الديمقراطية هي حياة” و”في الوقت الحالي نحن مثل الموتى وعلينا الخروج إلى الشوارع لاستعادة حياتنا”. وناشد والدته في أغنية احتجاج ألا تقلق عليه “أريد دموعك أن تتحول إلى صلاة” و”أرفض حكم العسكر وأرفض حكم الجاهل”.
وعاش السودان موجة احتجاجات قبل 3 أعوام عندما قاد المتظاهرون انتفاضة أنهت حكم عمر البشير. وأدى اتفاق بين الجيش والقوى المدنية إلى مرحلة انتقالية تقود في النهاية إلى حكم مدني، لكن أحلام الديمقراطية توقفت فجأة بانقلاب العسكر العام الماضي وسجن رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. وعندما اتفق الأخير على صفقة مع الانقلابيين رفضها المتظاهرون، وهو ما دفعه للاستقالة الشهر الماضي. وردت الولايات المتحدة والمنظمات المالية الدولية على انقلاب البرهان بتعليق المساعدات المالية، بشكل بدد الآمال من خروج هذا البلد من عزلته الطويلة والعقوبات الأمريكية.
وقال بعض المشاركين في الاحتجاجات إن مشاركتهم منحتهم ضوء أمل في زمن قاتم. وقالت سنيدة، المحاضرة الجامعية إنها شعرت بالكآبة بعد الانقلاب وظلت في سريرها مدة أربعة أيام. إلا أن اللقاءات منحتها فرصة وهدفا نادرا. “لجان المقاومة تكتب فصلا جديدا في التاريخ السياسي السوداني”. وتقول الصحيفة إن اللجان تحولت إلى شبكة واسعة غير مترابطة وتجاوزت العمر والطبقة والعرق وانتشرت من المدن إلى الأرياف.
وتقول النيل من معهد التحرير إنها ظهرت أول مرة عام 2013 في احتجاجات الطلاب على زيادة أسعار الغاز. وفي عام 2018 ساعدت نقابة المهنيين السودانيين على توسيع صورتها في الاحتجاجات ضد نظام البشير. وبالإضافة إلى تنظيم الاحتجاجات توفر اللجان خدمات للأحياء تتراوح من جمع النفايات وتوفير الفحوص الطبية إلى مساعدة الطلاب في دروسهم. وعلا صوتها بشكل واضح وطالبت بتحقيق العدالة لمن قتلوا أثناء الاحتجاجات المضادة للبشير. كما وتحدت السياسة الاقتصادية للحكومة الانتقالية وعقدت تجمعات ضد الجيش وقبل أيام من تنفيذه الانقلاب. ورفضت اللجان منذ ذلك الوقت أي تنازلات للجيش الذي حكم البلاد منذ استقلاله. وأغلقت اللجان الشوارع في الشمال التي تقود إلى مصر بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء.
ويرى مراقبون أن اللجان تواجه مع زيادة أعدادها وتأثيرها الكثير من التحديات. وقد تحاول الأحزاب السياسية أو قوى الأمن دمجها، إلا أن توزعها يزيد من صعوبة توحيدها.
وتحدثت النساء في اللجان عن تمييز ضدهن. وقالت سارة معاوية، 23 عاماً، من حي المزملين في أم درمان إن بعض الرجال شككوا في معرفتها بسياسة الثورة أو تاريخ السودان، مع أنها نشأت وهي تناقشها. وفي تظاهرة نظمت بشهر كانون الأول/ديسمبر تعرضت للضرب من الرجال لأنها تقدمت في الخطوط الأمامية بعدما تعرضوا للضرب من قوات الأمن. وأصيبت بعبوة غاز مسيل للدموع ضربت جبهتها ولكنها أصرت أن أيا من الرجال لم يكونوا قادرين على منعها للوصول إلى القصر. وفي الوقت الحالي لا تزال لجان المقاومة تجذب إليها مزيدا من الشباب من أنحاء السودان.
المصدر: “القدس العربي”