خصّت وزيرة الشهداء والأسرى والجرحى انتصار الوزير (أم جهاد)، صحيفة “القدس العربي”، بحديث إنساني عن زوجها الشهيد الراحل خليل الوزير (أبو جهاد)، وعن مسيرتهما النضالية والزوجية حتى استشهاده في مثل هذا اليوم الخميس من عام 1988 في تونس.
وكشفت أم جهاد في الحديث الهاتفي معها أمس أنها توشك على إصدار كتاب مذكرات يستعرض المسيرة النضالية والإنسانية الاجتماعية المشتركة لهما منذ تزوجا في غزة عام ،1962 آملة أن يصدر مع نهاية العام الحالي. موضحة أن الكتاب يتطرق لهما معا لأن طريقهما كانت واحدة وحياتهما ممزوجة بالثورة منذ البدايات، ولا يمكن فصل سيرتيهما عن بعضهما البعض.
وتشير أم جهاد الى أن الكتاب الجديد سيحتوي على تفاصيل جديدة تلقي الضوء على مسيرة الشهيد أبو جهاد وحياتها ومسيرتها حتى اليوم.
يشار الى أن انتصار الوزير هي ابنة عمّ الراحل أبو جهاد، وقد ولدت لعائلة في غزة، مرجحة أن أصلها يمني، والدها مصطفى محمود الوزير، ولها من الأعمام ستة: إبراهيم محمود الوزير وهو والد الشهيد الراحل أبو جهاد الذي ولد وأقام في غزة ثم الرملة، وحامد الوزير الذي أقام في غزة، وخميس محمود الوزير الذي بقي في غزة، وخليل محمود الوزير الذي أقام في يافا، وشاكر محمود الوزير الذي أقام في حيفا وروبين محمود الوزير الذي أقام في الرملة.
وتنوه أم جهاد التي استذكرت أسماء أعمامها أن العائلة الموسعة عملت في إدارة الحمامات العامة في المدن الفلسطينية ومنها الرملة داخل أراضي 48 ،حيث لا يزال لليوم حمام يعود لوالد زوجها الراحل أبو جهاد، ويعاني من حالة إهمال.
وردا على سؤال قالت إنهم تفرقوا لأن المدن الفلسطينية كانت متشابكة بعلاقات اجتماعية واقتصادية، وعمل كثيرون منهم في حمامات شعبية. وتابعت ” ضمن والدي حماما شعبيا في غزة من آل رضوان ثم اقتناه وأداره، وأظن أن عمي شاكر أيضا فتح حماما شعبيا في حيفا كما عمي روبين في غزة.
وتوضح أن لديهما ثلاثة أبناء وبنتان : الدكتور جهاد الذي يعمل في مجال العلوم السياسية والاقتصاد ومقيم في الوطن، وباسل وهو مقيم عمان ويعمل في الإدارة والإنترنت وأنظمة المعلومات، ونضال ويعمل في الاقتصاد ويقيم في كندا، وإيمان تعمل في الأعمال والمال، والدكتورة حنان باحثة في العلوم السياسية والاقتصادية. وتابعت “حنان ابنتي الصغرى في رام الله معي وإيمان في عمان”.
كاتب أو شاعر
وردا على سؤال عن أي رجل كان الراحل أبو جهاد عدا كونه سياسيا فدائيا ومناضلا، قالت إنها تستصعب وصفه والحديث عنه بلغة الماضي حتى اليوم لأنها أحبته جدا، مكتفية بالقول إنه كان رجلا رقيقا وحنونا ومخلصا وعاطفيا وحساسا وخلوقا. تابعت “لولا أننا ابتلينا بفقدان الوطن وانخرطا بالعمل الفدائي والسياسي لكان يمكن أن يكون أبو جهاد شاعرا وكاتبا”.
وردا على سؤال “القدس العربي” قالت في هذا السياق ” نعم هو أيضا كان يقول هكذا وهو فعلا شاعر وكتب كثيرا قصائد في مجالات متنوعة لم تنشر. أبو جهاد رجل مخلص لزوجته وقضيته ووطنه وشعبه ولأسرته وأبنائه، وكانت قضية فلسطين هي الأساس عنده والبقية أمر ثانوي”. وردا على تساؤل إضافي قالت “نعم فعلا لو ما طلعت في طريقه وأحببنا بعضنا البعض لربما ما تزوج، وتزوج القضية فقط. الحمد لله القدر جمعنا على نفس الخط ونفس الهدف وأنا سعيدة جدا أنني لم أعيق دربه النضالي يوما خدمة لوطنه وشعبه”.
ولأي مدى نجح الشهيد أبو جهاد في التوفيق بين فلسطين وبين زوجته وأسرته؟
عن ذلك تقول أم جهاد “طبعا، بالصبر. صحيح تغلبنا كثيرا وبعدنا عن بعضنا كثيرا وعانينا من الغربة ومن البعد. لم نلتق في كثير من الأوقات وكانت لحظاتنا المشتركة معدودة وأيامنا التي التقينا فيها كانت قليلة ولكن غلب عليها الحب والسعادة والعطاء والانتماء للقضية والوطن. تزوجنا في غزة وبقينا مع العائلة الموسعة لأسبوعين قبل أن ننتقل إلى القاهرة ومن ثم للكويت. افترقنا كثيرا وفي أول سنة زواج عام 1962 ابتعدنا عن بعضنا تسعة شهور وخلال ” شهر العسل ” كانت عندنا مهمة نضالية حيث زرنا قواعد ” فتح ” في الأردن والضفة الغربية. دخلنا الأردن تحت غطاء ” رحلة شهر عسل”. كانت بحوزتنا وثيقة سفر فلسطينية وهذه لم تمكنا من التنقل فبادر أبو جهاد لكتابة مذكرة لوزير الداخلية الأردني موضحا له أنه معلم مدرسة يدعى خليل الوزير مقيم في الكويت يرغب وعروسه انتصار الوزير بقضاء ” شهر العسل ” في ربوع الأردن الحبيب، فوافق الوزير ورد علينا مرحبا وقال إن تأشيرة الدخول في انتظاركما في مطار قلنديا في منطقة القدس. بالتالي أتيحت لنا فرصة لزيارة القدس وزرنا خلايا ” فتح” فيها وفي الخليل، ورام الله، وقلقيلية، وطولكرم وجنين وغيرها، وظل أبو جهاد يتنقل بين أرجاء الضفة الغربية طيلة 45 يوما تحت غطاء ” شهر العسل ” لترتيب أوراق حركة ” فتح ” في الضفة وبعد ذلك زرنا عمان وجرش وعجلون وإربد، وهناك أيضا قام مستغلا الرحلة بتنظيم قواعد ” فتح “. وتشير الى أنهما في سيرة التغريبة الفلسطينية المستمرة انتقلا من الأردن إلى لبنان حيث أمضيا شهرا ونصف الشهر في ترتيب أمور الحركة وكانت رحلتهما للبنان أصعب ثم عادا إلى مقرهما الجديد في الكويت حيث استقرا ستة شهور في البيت الأول”.
أبو عمار في الانتظار
وتستذكر أنها عام 1962 عادت وأبو جهاد من بيروت إلى الكويت، وهناك كان الراحل ياسر عرفات ينتظرهما في مطار العاصمة الكويت، ومن ثم ساعدهما في إيجاد البيت وتجهيزه. وتابعت “صار عندنا بيت وتحول لمقر للجنة المركزية لحركة فتح أو في بيت الأخ عادل عبد الكريم عضو اللجنة المركزية.
وتوضح أم جهاد أنها في مارس/ آذار 1963 اضطرت للعودة من الكويت إلى بيت والديها في غزة وهي حامل بجهاد بعدما كلف أبو جهاد من اللجنة المركزية بالسفر للجزائر من أجل تأسيس مقر لـ “فلسطين”، وهكذا بقي الزوجان منفصلين تسعة شهور في السنة الأولى من الزواج. وتتابع ” عدت إلى غزة وبقيت تسعة شهور منقطعة عن أبو جهاد في الجزائر ثم ولدت جهاد والتحقت بزوجي في الجزائر حيث بقينا إلى 1965 ثم انتقلنا للبنان وغيرها من التفاصيل التي يشملها الكتاب الذي سيصدر قريبا”.
وتكررت تجربة الجزائر والانقطاع بين الزوجين عدة مرات خلال مسيرتهما التي قطعتها سلطات الاحتلال باغتياله في العاصمة تونس قبل 32 عاما، في عملية قادها وزير الأمن الأسبق موشيه يعلون وأشرف عليها إيهود براك رئيس الوزراء الأسبق، وشارك في العملية 3000 شخص، كما أكدت مصادر إسرائيلية كثيرة جدا في السنوات الأخيرة. ومن ضمن الجهات الإسرائيلية التي كشفت عن حجم عملية الاغتيال ضابط كبير سابق في الاستخبارات العسكرية، حيث قال قبل سنوات إنه ما زال يكن التقدير والاحترام الكبيرين لشخصية أبو جهاد الذي تعرف عليه من خلال رصد أفعاله وأقواله في خدمة قضية آمن بها، لافتا إلى أنه يقدم شهادته كعدو لأبو جهاد، موضحا في حديث لصحيفة ” يديعوت أحرونوت ” قبل بضع سنوات أن إسرائيل ارتكبت حماقة في اغتيال خليل الوزير كونه قياديا بارعا قويا كان يمكن أن تجد فيه شريكا لعملية مصالحة تاريخية، لكنها تصرفت بـ ” قصر نظر ” وقتها.
وردا على سؤال آخر قالت أم جهاد إنها طيلة فترة الانقطاع عن أبو جهاد تبادلت الرسائل مع زوجها، رسالة واحدة ورسالة جوابية كل أسبوع، موضحة أنها ما زالت تحتفظ بها وتقدر أن تعدادها أكثر من عشرات. ونوهت أن المذكرات ستشمل معطيات نشرت من قبل خاصة ما يتعلق باستشهاده، ومعلومات إضافية جديدة لم تنشر من قبل تتعلق بمسيرتنا المشتركة. موضحة أنها أنهت صياغة كل الذكريات بتفاصيلها، فيما يقوم محرر بتولي متابعته حتى نشره.
وردا على سؤال قالت إنها لم تجد بعدعنوانا ملائما للكتاب الذي سيروي طريقها النضالية والإنسانية المشتركة.
الليلة الأخيرة
وفي حديث سابق قبل سنوات استذكرت انتصار الوزير ضمن حديث مع كاتب هذه السطور الليلة الأخيرة لزوجها، فقالت إنها كانت نائمة فيما كان زوجها في غرفة عمله حينما استيقظت على ضجيج اقتحام المنزل عند الساعة الواحدة إلا ربعا ليلا. وأضافت” كان أبو جهاد يكتب بيانا للقيادة الموحدة في الأراضي المحتلة وأنجز السطر الرابع منها واستهل الخامس حينما أحس بالاقتحام، فسارع للخزانة واستل مسدسا وأطلق النار نحو المقتحمين فارتدوا للخلف فحاولت احتضانه لحمايته فأبعدني عنه وحاول حمايتي، وما لبث أن أصيب فسقط مسدسه ولما هم لالتقاطه مجددا تعرض لوابل من الرصاص من مسدسات وبنادق كاتمة للصوت من قبل أربعة مسلحين ملثمين”.
وتوضح أنها ركعت أرضا لمساعدته وسرعان ما تنبهت إلى أنه استشهد، ولفتت إلى قيام أحد القتلة بتوجيه البندقية نحو ظهرها وأجبرها على الوقوف والانتحاء جانبا ووجهها باتجاه الحائط وبجوارها طفلتهما حنان. وأوضحت أن خمسة مسلحين تناوبوا على التثبت من موته بإطلاق الرصاص عليه بعد موته ثم دخل آخرهم لغرفة النوم وأطلق النيران بكافة الاتجاهات. وأضافت ” صار طفلنا نضال ابن العامين والنصف يصرخ باكيا فطمأنني بكاؤه بأنه ما زال على قيد الحياة بعدما اعتقدت أنهم قتلوه، وغرقت في دموعي على زوجي وابني فصرخت بكل ما أوتيت من قوة وقلت كفى كفى، وفي تلك اللحظة سمعت صوتا نسائيا ينادي المسلحين بالفرنسية يقول :تعالوا بسرعة”.
ودعت انتصار الوزير(أم جهاد) الفلسطينيين للتوحد، وأكدت في ذكرى اغتيال زوجها “المحافظة على عهد الشهداء بمواصلة مسيرتهم حتى التحرير.
المصدر: «القدس العربي»