في غضون بضعة أيام تبدلت زعامة عائلة الحريري اللبنانية من رئيس الحكومة الأسبق سعد إلى شقيقه الأكبر بهاء، في عملية انتقالية تثير جدلاً في الأوساط السياسية اللبنانية.
وربما ينال بهاء ما خسره في عام 2005، حين اغتيل والده رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط من العام نفسه.
في ذلك الحين، سارع أنصار الحريري إلى مبايعة ابنه الأكبر عبر رفع شعارات تضمّ مصطلحات مثل “أبو بهاء”. غير أن عائلة الحريري دفعت سعد إلى الواجهة، ليغادر عندها بهاء لبنان.
سقوط سعد الحريري
وطيلة 17 عاماً لم ينجح سعد في تحقيق التوازن السياسي انطلاقاً من قوته البرلمانية، التي كسبها في الانتخابات النيابية لعامي 2005 و2009، ثم تراجعه في انتخابات 2018 البرلمانية بشكل كبير.
سجّل سعد الكثير من النقاط السلبية عليه، خصوصاً زياراته إلى سورية ولقاءاته مع رئيس النظام بشار الأسد، ثم تأييده ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية في عام 2016، وصولاً إلى موافقته على قانون انتخابي أضعف قدرته الانتخابية.
لكن المأخذ الأكبر عليه تمحور في مهادنته حزب الله في الكثير من المحطات، خصوصاً بعد اجتياح الحزب بيروت في 7 مايو/أيار 2008.
بهاء الحريري ومواجهة حزب الله
لكن بهاء، الراغب في عكس مسارات شقيقه، وفقاً لكل المعطيات الصادرة عنه، يهدف بالدرجة الأولى إلى إعادة توجيه البوصلة باتجاه “المواجهة مع حزب الله انطلاقاً من الانتخابات النيابية“، المقررة في 15 مايو المقبل.
هذا الأمر يطرح تحديات حول قدرة بهاء على استثمار إرث الحريرية السياسية، وعلى استقطاب أنصار شقيقه، فضلاً عن إقناع البيئة الحاضنة لـ”تيار المستقبل”، بأنه “سائر على درب رفيق الحريري”.
غير أن المشكلة لا تكمن عند هذا الحدّ، فبهاء ابتعد عن لبنان طيلة السنوات الماضية، ولم يشارك في حوار أو لقاء سياسي مع أحد، فضلاً عن أنه لم يقم بأيّ تحالفات محلية بعد، قبل ثلاثة أشهر ونصف الشهر على موعد الانتخابات.
إلا أن بهاء الحريري مهّد لخطوته المقبلة بطريقة غير مباشرة، مع إعلانه تعيين صافي كالو ممثلاً سياسياً له في لبنان.
الأمر الذي أثار تساؤلات حول السبب وراء إقدامه على هذه الخطوة واختيار شخصية وازنة مثل كالو، الذي تربطه به علاقة وطيدة منذ عقود.
وسيعمل كالو على تحضير الأرضية لمجيء بهاء إلى بيروت. كما قال مستشار بهاء، الإعلامي جيري ماهر لوكالة “رويترز” إنّ بهاء لن يرشح نفسه في الانتخابات بل سيساند قوائم انتخابية في أنحاء لبنان تحت شعار “سوا للبنان” وهي الحركة التي أسسها ويمولها.
حول هذه التطورات داخل عائلة الحريري، يؤكد رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام في بيروت (يتبع دار الفتوى اللبنانية) الشيخ خلدون عريمط، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنّ “الشارع هو الذي يقرّر ما إذا كان بهاء الحريري قادراً على الحلول مكان سعد الحريري أو لا، فالشارع الإسلامي خصوصاً أهل السنّة في قسمٍ كبيرٍ منهم يرون الرئيس سعد ممثلاً لهم، وبهاء حتى الآن لم يقدم أي شيء على الأرض أو يؤكد إذا كان بمقدوره أن يلعب هذا الدور أو لا”.
ويستبعد عريمط أن يتمكن بهاء من استكمال مسيرة والده من خارج جمهور “تيار المستقبل”، الذي يشكل امتداداً لجمهور رفيق الحريري، خصوصاً أن بهاء وعلى مدى 16 عاماً تقريباً لم يتواجد على الساحة اللبنانية، ولم يدخل في مشاكل لبنان والتحديات التي عاشتها البلاد بعكس سعد الحريري، الذي كان يزور كل المناطق اللبنانية”.
ويشدّد عريمط على أنه “حالياً لا بحث عن بديل للحريري الذي ترك فراغاً على الصعيد الوطني والإسلامي على الساحة اللبنانية، أما وجود رئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة في صلاة أول من أمس الجمعة، إلى جانب مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في المسجد العمري الكبير في وسط بيروت فهو أمر طبيعي، فالسنيورة ركن أساسي من أركان نادي رؤساء الحكومات”.
ويضيف: “هناك تكامل في الرؤية بين دار الفتوى والسنيورة وكذلك مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس الوزراء الأسبق تمام سلام، وإن كانت المقاربات مختلفة فالهدف واحد وهو الحرص على الدور الإسلامي والوطني للمسلمين للنهوض بالدولة ومؤسساتها”.
ويشير إلى أنه “لدينا الثقة بأن المسلمين في لبنان لديهم القدرة على التكيف مع الواقع الجديد”.
في السياق، تقول أوساط سنّية من خارج دائرة الحريري إن كل ما يحصل منذ يوم الإثنين، من لقاءات ومواقف، وتصريحات، خير دليل على أن سعد الحريري أو تيار المستقبل لا يختزلان الطائفة السنية التي تمتاز بتنوعها وتعددها.
وتؤكد الأطراف المعارضة أنها حتماً ستدرس كيفية التعاطي مع بهاء “في حال تمكن من إثبات نفسه على الساحة اللبنانية”، خصوصاً أنّ الأوراق كلها اختلطت وكذلك الحسابات الانتخابية والتحالفات ستدرس بدقة تامة.
لا مقاطعة سنيّة للانتخابات النيابية اللبنانية
وكان ميقاتي قد عقد أمس الأول خلوة مع دريان في السرايا الحكومية، قبل صلاة الجمعة، معلناً: “لن ندعو إلى مقاطعة سنّية للانتخابات النيابية لما فيه خير الطائفة”.
وكان تأكيد أيضاً من السنيورة في تصريح تلفزيوني أن لا قرار لديه بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات.
بدوره، زار رئيس الجمهورية ميشال عون دار الفتوى، أمس السبت، ملتقياً دريان. وعقب اللقاء شدّد عون على أننا “نقوم بجميع التحضيرات اللازمة لإجراء الانتخابات في مواعيدها، ولا أجد أي سبب لتأجيلها”.
حول هذه التطورات، يشير الكاتب جورج علم في حديثٍ مع “العربي الجديد” إلى أنّ “بهاء الحريري يواجه مشكلتين. الأولى مرتبطة بقدرته على السيطرة على تيار المستقبل لا سيما في ظل وجود معارضة جدية له في الداخل، والثانية تتمثل في الخط والنهج السياسي الذي سيحمله على الساحة اللبنانية، فهل سيدخل بمشروع ضد حزب الله وبأيّ معنى؟”.
في المقابل، كانت لافتة تغريدة النائب عن “الحزب التقدمي الاشتراكي” (بزعامة وليد جنبلاط) فيصل الصايغ، التي أكد فيها أنّ “السياسة لا تعرف الجمود والفراغ، والواضح أنّ الشيخ بهاء الحريري قد اتخذ قراره بالحفاظ على الإرث الوطني للرئيس الشهيد رفيق الحريري والعمل على تعزيزه وإعادة تصويب مساره، وهو يتوقع من المخلصين وفي طليعتهم شقيقه مواكبة جهوده ودعم عملية إنقاذ لبنان وإعادته إلى الحاضنة العربية والمنظومة الدولية”.
وتعرّض الصايغ لهجوم كبير من جمهور “تيار المستقبل” عبر “تويتر”، ممن شددوا على أنّ موقفهم معروف وهو أنّ سعد الحريري ممثلهم والوحيد وأصواتهم الانتخابية لن تذهب إلى بهاء الحريري وكلّ من يتحالف معه.
مع العلم أنّ “الاشتراكي” حليف أساسي للحريري منذ عام 2005. في السياق، يؤكد مصدر في “التقدمي الاشتراكي” لـ”العربي الجديد” أنّ “هذا الموقف لا يمكن البناء عليه فقط لتحديد قرار التقدمي الاشتراكي، فهو ما زال يدرس خطواته وكيف سيتعاطى مع هذه التطورات كلها”.
المصدر: العربي الجديد