قدم السيد غير بيدرسون، وسيط الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 2254، إحاطة أمام مجلس الأمن يوم الأربعاء 26/01/2022 وكانت تسير على نفس منهج إحاطاته السابقة، من حيث عدم تحميل المسؤولية لمن يتسبب بأعمال القصف والتهجير والقتل، وهم النظام وحلفاؤه والإيرانيون، بل ويذهب بعيداً بتحميل جميع الأطراف المسؤولية عن ذلك.
بل وحتى عندما يذكر المتسبب في بعض أعمال العنف والقتل، فإنه يذكر أطرافاً عديدة لكنه لا يذكر عصابة الأسد، وهي الطرف الرئيس الذي يرتكب تلك الأعمال. كما يتحاشى تماماً القول بأن الفشل الذي سببته ألاعيب تلك العصابة قد أوصل الأمور إلى حائط مسدود، خاصة في اللجنة الدستورية وفي عموم المسار السياسي ككل.
إن المطلع على إحاطة بيدرسون الأخيرة، يلاحظ بوضوح محاولاته لعدم توجيه أية مسؤولية للنظام عن ذلك بالرغم من أن الأخير لم يترك مجهوداً بذله الفريق الدولي، ولا مقترحاً تقدم به إلا أعاقه وخربه، ومع ذلك لم يحمل الطرف المسبب بتخريب العملية السياسية حتى بعضاً من مسؤوليته.
من الواضح أن السيد بيدرسون يهدف من وراء ذلك إلى جعل النظام يقبل بالانخراط في مبادرة الحل الجديدة التي ابتدعها الفريق الدولي مؤخراً وأطلق عليها اسم “خطوة مقابل خطوة”، وهذا يستدعي الوقوف عند النقاط التالية:
أولاً: يلاحظ أن المبعوث الأممي يحاول السير على خطى سابقه ستيفان ديمستورا في خلق مسارات بعيدة عن حقيقة مهمته، التي تنحصر بتنفيذ القرار الأممي 2254 الواضح في تراتبية بنوده، والبدء بتسويق ما سماه بمبادرة ال “خطوة مقابل خطوة”.
المستغرب أن بيدرسون يربط هذه المبادرة تعسفياً بالقرار 2254 والترويج إلى أنها تمثل خطة لتنفيذ هذا القرار، مع أن ذلك ليس وارداً، فضلاً عن أن القرار لا يشير إلى مثل ذلك لا من قريب ولا من بعيد، بل يوضح الخطوات التي يتعين تنفيذها – ودون تفاوض – للوصول بسورية إلى بر الأمان وإلى دولة ديمقراطية.
ثانياً: هذه المبادرة شديدة الغموض ولا توضح في أي من جوانبها ما هي الخطوات الرئيسية التي يتعين على كل طرف التقدم بها، ما جعل الجميع يتساءل: ما هي خطة “الخطوة مقابل خطوة” التي يسوق لها؟ هل هي خطوة من المعارضة مقابل خطوة من العصابة الأسدية؟
هذا يفترض تعسفياً أيضاً وجود التزامات على المعارضات في القرار ترفض أو تؤخر القيام بها، وهو افتراض غير صحيح كما هو معلوم، إذ لم يسبق للمعارضة أن تأخرت عن القيام بكل ما هو مطلوب منها من أجل الوصول إلى الحل السياسي المنشود. بل إنها بالفعل قدمت تنازلات من أجل ذلك، ما وضعها في موقف المتهم من قبل أنصارها والرأي العام، فماذا بقي لدى المعارضة لتقدمه سوى رفع العلم الأبيض؟
الاحتمال الآخر أن تكون هذه المبادرة مدعومة من بعض القوى المتداخلة في الملف السوري، وتشكل لبنة جديدة من قبلها على طريق إعادة انتاج النظام، بعد خطوات أخرى في هذا الاتجاه، كتخفيف العقوبات أو تقديم اعفاءات منها، مقابل خطوات وهمية تتخذها تلك العصابة.
في كلا الحالتين تبين التجربة بشكل واضح وأكيد أن الأسد لا يقبل بالتنازل عن أي من الصلاحيات التي اغتصبها دون وجه حق، وباع البلد وشرد شعبه مقابل بقائه على كرسي لم يعد فيه سوى التنازل أكثر فأكثر عما بقي من سورية، بل ويزداد يوماً بعد يوم تعنتاً في مواقفه وجرائمه، مستعيناً بالدعم الروسي المطلق في مجلس الأمن والمجتمع الدولي، والتراخي الدولي في مواجهته.
ثالثاً: بالرغم من أن القرار الدولي يطالب بإطلاق سراح المعتقلين ووقف إطلاق النار كبنود يتعين تطبيقها فوراً ودون تفاوض، إلا أن الوسيط الدولي لا يذكر هذه المحددات على الإطلاق ولا يطالب بتنفيذها، فلماذا ينتقل لخطوات أخرى يريد التفاوض عليها مادامت الخطوات فوق التفاوضية مرفوضة من الأسد؟!
من المؤسف أن نسمع من الوسيط الدولي محاولاته اليائسة لإقناع مجلس الأمن بجدوى التنقلات المكوكية التي يجريها، واللقاءات والاجتماعات الكثيرة التي يعقدها مع السوريين وغيرهم، سعياً منه لإثبات أن مهمته لاتزال على قيد الحياة.
لذا على المعنيين في مؤسسات المعارضة التوقف ملياً وجدياً في هذه المرحلة، وإعادة الحسابات التي جعلتها تدخل في خطوات تفاوضية لسنيين عديدة دون جدوى سوى تحقيق الوهم بأن شيئا ما يسير باتجاه الوصول إلى حل سياسي قريب.
على المعارضة البحث فيما إذا كان التفاوض العبثي في مسار اللجنة الدستورية هو فعلاً المنبر الدولي الوحيد المتبقي للمعارضة للبقاء على الساحة الدولية، أم أنه أصبح العائق أمام فرض حل آخر على الدول التي تتلطى وراء وهم التفاوض في اللجنة الدستورية لتفادي ضرورة إيجاد طرق أخرى للوصول إلى حل سياسي لإنقاذ الشعب المكلوم.
وبالتأكيد لم يعد لمسار أستانا وما نتج عنها، مما ابتدعته مخيلة الدبلوماسية الروسية سبباً يستدعي الاستمرار فيها بعد تجاوز المهمات التي رسمتها لها روسيا للسيطرة على مناطق خفض التصعيد، وبعد التصريحات الواضحة للمسؤولين الروس، وآخرهم المبعوث الرئاسي الروسي حول عبثية التفكير بأي تغييرات تمس بشار الأسد وعصابته.
المصدر: المجموعة المهنية الاستشارية