كان من المستحيل على أي من قياصرة روسيا أو بلاشفتها أن يتصور بأنه سيأتي يوم يشهد فيه زعيماُ مسلماً يؤدي الصلاة في الكرملين. في اليوم الأول لزيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو الأربعاء المنصرم، وبعد خطابه في البرلمان الروسي (مجلس الدوما) واختتام محادثاته مع الرئيس الروسي بوتين، مدت سجادة الصلاة في قاعة كاترين الثانية التي كانت تحتوي يوماً عرشها، وأدى عليها الرئيس الإيراني صلاة المغرب.
مفتي المسلمين في روسيا، وفي لقائه الرئيس الإيراني في مسجد موسكو الكبير وإمامته الصلاة بالرئيس الإيراني، وصف صلاة رئيسي في الكرملين بأنها “رمزية وذات مغزى”.
الصحافية الناشطة في متابعة الشأن الإيراني في موقع RT الرسمي يوليا يوزيك، قالت ل”المدن” في تعليقها على صلاة رئيسي في الكرملين بأنها لا تحب “العراضات والمسرحيات”. وكانت قد كتبت في موقعها على الفايسبوك بعنوان “البيض في سلة واحدة” قالت فيه بأنه لو حدثت في إيران تغييرات سياسية في السنوات القليلة القادمة، فسوف تبقى روسيا هي الخاسرة. فحتى نواة الحرس الثوري، والتي يعتبر أحمدي نجاد أحد ممثليها الآن، سوف تتوجه نحو الولايات المتحدة. ومن الواضح أن استقبال موسكو المميز لإبراهيم رئيسي يشير إلى أنها تراهن على رئاسته 8 سنوات، وهي تستقبل ليس رئيساً فحسب، بل خليفة خامنئي. لكن الإيرانيين الآخرين لن ينسوا السجاد الأحمر للملالي والرهان المطلق على عمائمهم السوداء وشهادات الدكتوراه الفخرية لمن أنهى 5 صفوف مدرسية، “لا لن ينسوا”. وسيكون كل ذلك حملاً ثقيلاً جديداً في سلة الذاكرة التاريخية الروسية الإيرانية الطويلة المثقلة بالأحمال.
وبعد أن تتحدث عن خط إئتمان روسي بمليارات الدولارات لإيران، تقول يوزيك بأنه لو حدثت تطورات “زلزالية” في إيران خلال السنتين القادمتين، فلن تسدد لروسيا هذه المليارات، وسيرد الإيرانيون الجدد على مطالبة الروس لهم بالقول ” أقرضتم الملالي، منهم واستردوهم”.
رئيسة المركز الثقافي الشرقي لمعهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، والباحثة في معهد الإستشراق الروسي لانا رواندي فداي الروسية من أصل إيراني، قالت ل”المدن” بإن أداء رئيسي الصلاة في الكرملين يظهر تدينه العميق. والوفود الإيرانية التي تزور موسكو تطلب دائماً وقتاً لإقامة الصلاة، وهو ما لا يمكن رفضه لما يمكن أن يفسر عداء لديانتهم وثقافتهم. لكن إقامة الصلاة للمرة الأولى في الكرملين يمكن النظر إليه من جانب آخر وإضفاء بعد تاريخي ثقافي عليه.
وتشير لانا إلى ما يقال بأن الجنرال قاسم سليماني سبق رئيسي للصلاة في الكرملين، وذلك حين استقبله الرئيس الروسي بصورة غير رسمية لمساعدة الجنرال في العثور وإنقاذ الطيار الروسي الذي أسقطت طائرته من قبل تركيا. وقد يكون لهذا قرر رئيسي تكرار “مأثرة” سليماني وتذكير الرئيس الروسي بالتضحيات التي قدمتها إيران في سبيل الأهداف المشتركة بمحاربة الإرهاب. وتقول بانها سابقة مثيرة للاهتمام، وتحولت إلى مركز الصدارة في اهتمام الجمهور.
وعما إذا كان سيتم التوقيع على معاهدة التعاون الروسي الإيراني لمدة 20 عاماً، قالت الباحثة بأنه إذا ما أخذنا بالاعتبار التقارب السريع بين روسيا وإيران، يمكن القول بأنها ستوقع. وتلفت إلى وجود إتفاقية تعاون شاملة بين البلدين، لكن المعاهدة الجديدة التي يجري العمل عليها على قدم وساق، تهدف إلى تحديث الإتفاقية الموجودة وتفعيل مجالات تعاون جديدة لم تكن تلحظها الإتفاقية الحالية. وعلى ضوء الأحداث الأخيرة، لن يكون للتوقيع على هذه الوثيقة اهمية عملية فحسب، بل ورمزية أيضاً لما يعنيه من الإعلان عن مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين.
وعن قول بعض المحللين الروس بأن الزيارة وقصف الحوثيين لمطار دبي هي إحدى أوراق الإيرانيين الرابحة في محادثات فيينا، تقول لانا بأنه من الصعب إعتبار ذلك أوراقاً رابحة في المفاوضات. فسياسة “بلدينا” الخارجية مستقلة، ويمكن لمصالح البلدين ان تتطابق. ومساعدة موسكو في تسوية البرنامج النووي الإيراني، هي نتيجة تجلي البراغماتية وتطابق مصالح البلدين اللذين تتسم العلاقات بينهما بطابع الشراكة الإستراتيجية.
وكيف ستنظر دول الخليج إلى زيارة الرئيس الإيراني إلى موسكو، وبما سينعكس ذلك على علاقات هذه الدول مع روسيا. تقول لانا بأن موقف دول الخليج السلبي من تنامي نفوذ إيران في الشرق الأوسط وتقاربها السياسي مع روسيا، سوف ينعكس ولا شك على تقويم زيارة رئيسي إلى موسكو. والعامل الأساسي في هذا الاختلاف الجذري، إضافة إلى تأييد إيران حوثيي اليمن، يتمثل في الموقف من سوريا، حيث تدعم روسيا وإيران الأسد، بينما تدعم دول الخليج المعارضة السنية. لكن موقف السعودية والإمارات حيال سوريا أصبح أقل تشدداً في الفترة الأخيرة، كما تبذل إيران محاولات لاستعادة العلاقات مع السعودية، ولذلك لا ينبغي توقع تدهور علاقات دول الخليج مع موسكو بسبب زيارة رئيسي. كما لابد من الإشارة في هذا السياق إلى أن ولي العهد السعودي استقبل في 20 من الجاري ممثل روسيا الخاص في سوريا، مما يشير إلى الاستعداد للحوار حول المسائل الخلافية. وترى لانا بأن الدول العربية سوف تحاول دفع مصالحها عبر روسيا التي بوسعها أن تكون وسيطاً في تسوية العلاقات بين إيران والدول العربية الموالية للغرب.
وهل ستترك الزيارة تأثيرها على سلوك إيران في منطقة الشرق الأوسط، ترى الباحثة أن طهران ستواصل، على الأغلب، دعمها لحلفائها من الحركات والبلدان الحليفة لها. وتفترض أن إيران سوف تنشط سياستها باتجاه أفغانستان إذا ما أسفرت الزيارة عن إقامة تعاون بين روسيا وإيران بشأن المسألة الأفغانية، والتي عبر بوتين مطلع الزيارة عن القلق المشترك الذي تثيره لدى الطرفين.
وبشأن الشراكة الإيرانية الروسية في سوريا، تشير لانا إلى تأكيد الرئيسين خلال الزيارة على أهمية التعاون الثنائي في سوريا، وتتوقع مواصلة هذا التعاون والشراكة بنتيجة الزيارة.
وما إن كانت روسيا تحاول لعب دور الوسيط بين إيران وإسرائيل، تقول الباحثة باستحالة لعب هذا الدور لجذرية التناقض بين البلدين. وتشير إلى وقوف روسيا ضد إي نزاع بين الطرفين، وتتذكر تصريحاً سابقاً لوزير الخارجية لافروف بأن على الجانبين إقامة حوار بينهما والإمتناع عن التصعيد اللاحق للصراع.
في اليوم الثاني للزيارة نشرت نوفوستي نصاً لأحد معلقيها السياسيين بعنوان “لماذا روسيا ستساعد إيران”، عدد فيه أسباب صمود إيران اكثر من 40 سنة بوجه محاولات الغرب جعلها ديموقراطية بالقوة. ولهذا فإن زيارة رئيسي لموسكو “ليست حدثاً إعتيادياً” برأيه. وعلى الرغم من أن رئيسي هو الرئيس الإيراني الرابع بالنسبة لبوتين، إلا أنه مع وصوله هو بالذات إلى السلطة في إيران، أصبح من الممكن للعلاقات بين البلدين أن تكتسب طابعاً إستراتيجياً. واكتسب رمزيته في هذا السياق إعلان رئيسي لدى بدء المفاوضات بأنه حمل معه مشروع إتفاقية بشأن التعاون الإستراتيجي، وتصريحه بأن إيران وروسيا كان بوسعهما إقامة “نظام تعاضد للمواجهة مع الغرب”. كما يرى رئيسي أن تراجع النظام العالمي الأطلسي ، وبناء عالم جديد متعدد الأقطاب هي المهمة الرئيسية لكل من روسيا وإيران. ويعتبر أن ما يوحد البلدين ليس مبدأ “ضد من نتصادق”، وكراهية الأنكلوساكسون المشتركة للبلدين ليست كافية. فلدى إيران وروسيا العديد من الموضوعات والمصالح المشتركة، سواء على المسرح العالمي أو على صعيد التعاون بين البلدين.
المصدر: المدن