عاد ملف التوتر بين الجزائر والمغرب ليطفو على السطح مع الجولة التي باشرها المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، في سياق مهمته المتعلقة بحل قضية الصحراء الغربية، وبعد فشل الجولات السابقة في إيجاد مخرج للأزمة.
تنقل وسط توتر
وبدأ دي ميستورا جولته من المغرب الذي يتمسك بضرورة استئناف العملية السياسية تحت الرعاية الحصرية لهيئة الأمم المتحدة، للتوصل إلى حل سياسي على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي. وانتقل من هناك إلى منطقة تندوف جنوب غربي الجزائر، حيث التقى مسؤولين من “جبهة البوليساريو” التي ترفض المقترح المغربي، وتشدد على إجراء استفتاء لتقرير المصير من أجل الاستقلال.
وتأتي جولة المبعوث الأممي في وقت تشهد المنطقة توتراً متصاعداً، دبلوماسياً بين الجزائر والمغرب، وعسكرياً بين جبهة “البوليساريو” والمغرب. الأمر الذي من شأنه التأثير على مهمة دي ميستورا ويهددها.
وتولى دي ميستورا، منصبه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، تزامناً مع قطع الجزائر في نهاية أغسطس (آب) 2021 علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب إثر اتهامها الرباط بارتكاب “أعمال عدائية” ضدها، فيما أعربت الأخيرة عن أسفها للقرار وأعلنت رفض مبرراته.
أهمية ومسؤولية
وفي السياق، يعتقد المتخصص في الشؤون المغاربية، يحيى بن الطاهر، أن “جولة دي مستورا الحالية لن تكون سهلة بالنظر إلى المستجدات الطارئة في المنطقة”. ويقول “إذا كانت مهمة المبعوث الأممي محاولة لحلحلة المشكل والبحث عن طريق لأجل العودة إلى أسلوب الطاولة المستديرة بما يضمن مشاركة الأطراف المعنية بالنزاع، فإنها ستصطدم بحالة الإغلاق الشامل التي فرضها القرار الجزائري بقطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية، إذ لا يمكن تصور أي حل لهذا النزاع الذي عمّر طويلاً من دون الجزائر التي تستضيف المخيمات، ودأبت على رصد ميزانيات مهمة لتمويل مؤسسات دولة البوليساريو، من هنا تكمن أهمية ومسؤولية الجزائر في البحث عن إيجاد حل للمشكل”.
ويضيف بن الطاهر أن “هناك عقبة أخرى ستواجه دي مستورا لا محالة، إذ إن منهجية الطاولة المستديرة تتأسس على الثقة والإرادة السياسية في البحث عن حلول للنزاعات، لكن في الحالة الجزائرية – المغربية يبدو أن لا ثقة ولا إرادة سياسية متوافرة، بل إن الجزائر رفضت الوساطات التي قدمتها بعض الدول العربية لحل مشكل العلاقات مع المغرب، ما يؤكد أن المشكل أعمق من قضية الصحراء الغربية”.
الطاولة المستديرة
وكانت الجزائر أكدت في رسالة وجهتها إلى الأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رفضها المشاركة في أي مفاوضات بين المغرب و”جبهة البوليساريو” بصيغة الطاولة المستديرة. وشددت عبر بعثتها على أنه “بناء على تعليمات من حكومتنا، أكتب لكم لتأكيد موقف بلدي مجدداً بخصوص ما يشار إليه في مشروع اللائحة حول تجديد عهدة بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية، من خلال ما يسمى بالموائد المستديرة”.
وقال مكتب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان أصدره بعد وصول المبعوث الأممي إلى الصحراء الغربية إلى الرباط، إن دي ميستورا يتطلع إلى الاستماع إلى آراء المعنيين بشأن كيفية إحراز تقدم في أفق استئناف بناء العملية السياسية في الصحراء الغربية، غير أنه لم يضبط جدول أعمال هذه الزيارة ومحطاتها، علماً أن الطرفين المعنيين مباشرة بهذا الملف هما المملكة المغربية و”جبهة البوليساريو”.
لا تقدم
إلى ذلك، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، رابح لونيسي، أن “المبعوث الأممي للصحراء الغربية كان دائماً تحت تأثير العلاقات الجزائرية – المغربية، ونعتقد هذه المرة أن التأثير سيكون أكبر، ليس في ظل التوتر بين الدولتين فحسب، بل بسبب شعور المغرب أنه أصبح قوياً على حساب الجزائر بعد تجديد علاقاته مع إسرائيل، واكتسابه دعماً من قوى كبرى”، مشدداً على أن المغرب سيعمل على تمرير طروحاته بشأن هذه القضية مع المبعوث الأممي.
ويتابع لونيسي، في ما يتعلق بمخرجات الجولة، أنه “إذا كان في السابق وفي ظرف توازن للقوى، وجد كل مبعوث أممي صعوبات لتطبيق القرارات الأممية، فإنه اليوم سيجد صعوبات أكبر بسبب تطرف المغرب الذي يشعر بأنه في موقف أفضل، مقابل رفض أي تنازلات من البوليساريو التي تلقى دعماً من الجزائر على اعتبار أنها مسألة استراتيجية بالنسبة إليها من أجل أمن المنطقة واستقرارها”.
المصدر: اندبندنت عربية