عادت الأنظار لتتجه إلى النظام السوري وعلاقته بنيترات الأمونيوم التي تسببت بانفجار مرفأ بيروت، في الرابع من أغسطس (آب) 2020. وبحسب ما كشفت مصادر مطلعة على الملف لـ”اندبندنت عربية”، فإن الشركة الدنماركية دان بانكرينغ Dan-Bunkering التي لجأ إليها النظام السوري بالتعاون مع الجانب الروسي للتحايل على قرار فرض العقوبات الأميركية ومنع دخول النفط على أنواعه إلى الأراضي السورية، قد صدر بحقها في أواخر عام 2021 حكم من جانب السلطات الدنماركية بعد تحقيقات بدأت في عام 2015.
قصة الشركة الدنماركية
ويكشف مصدر مطلع على الملف لـ “اندبندنت عربية” فضل عدم الكشف عن اسمه، أن شركة “دان بانكرينغ” تعمل في مجال النقل ومركزها الدنمارك. واستخدمت كوسيط من قبل شركتين روسيتين لإيصال النفط إلى سوريا بطريقة غير مباشرة لتجنب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية على النظام السوري. وقد تقاضت الشركة مبالغ مضاعفة لقاء هذه المهمة. وبحسب المعلومات، فإن الشركة الدنماركية كانت تستخدم موانئ عدة في منطقة الشرق الأوسط، منها قبرص واليونان وشمال أفريقيا. وفي التحقيقات التي أجرتها السلطات الدنماركية، تبين أن للشركة أكثر من 33 عملية نقل في المتوسط. أما طريقة نقل النفط إلى سوريا، فكانت تتم عبر الموانئ التي كانت ترسو فيها السفن التابعة للشركة الدنماركية، حيث كانت تتم علميات نقل النفط إلى سفن أخرى. وفي بعض الأحيان، كانت تتم عمليات النقل في عرض البحر. ولتجنب تعقبها كانت ناقلات النفط تطفئ جهاز التعقب “GPS” فور خروجها من الميناء وتوجهها إلى الساحل السوري.
الحكم على “دان بانكرينغ
أثارت طبيعة عمل الشركة الدنماركية شكوكاً لدى السلطات الأمنية في البلاد، وبدأت عمليات بحث وتحر حول عملها منذ عام 2015. وفي نتيجة التحقيقات، صدر في نهاية عام 2021 حكم بحقها قضى بفرض غرامة مالية تخطت 500 مليون دولار، وبالسجن عامين لاثنين من المسؤولين فيها. لكن التحقيقات لم تصل إلى دليل مباشر في شأن أي رابط بين السلطات الروسية وعمليات نقل النفط إلى سوريا والشركة الدنماركية، باستثناء أن التحويلات المالية التي وصلت إلى الشركة الدنماركية لقاء تلك العمليات كانت تصل من شركتين روسيتين، إضافة إلى أن النفط الذي أدخل إلى سوريا واستخدم للطائرات هناك كان وقوداً روسياً. علماً أن “دان بانكرينغ” كانت اضطرت إلى وقف عملها في نقل النفط إلى سوريا عام 2015، مع بدء التحقيقات معها. وفي معرض دفاعها عن نفسها، كانت الشركة تدعي أنها لم تكن تعلم بالوجهة النهائية للنفط الذي كانت تنقله، وأنها كانت تكتفي بنقله إلى عدد من الموانئ في الشرق الأوسط بحسب ما كان يطلب منها.
ما علاقة الشركة الدنماركية بسفينة الموت “روسوس”
بين “دان بانكرينغ” وسفينة “روسوس” التي حملت نيترات الأمونيوم إلى بيروت، والتي تسببت بانفجار العصر في الرابع من أغسطس (آب)، دعوى قضائية رفعتها الشركة الدنماركية ضد “روسوس”، بتهمة عدم سداد ثمن الوقود الذي وفرته “دان بانكرينغ” لـ”روسوس”. وطالب مكتب بارودي للمحاماة في بيروت، الذي تقدم بالدعوى القضائية بصفته وكيلاً عن الشركة الدنماركية، بتعويض قدره 300 ألف دولار أميركي، فيما كان ثمن الوقود لا يتعدى 45 ألف دولار. وتلك الدعوى، كما قيل، منعت سفينة “روسوس” عام 2013 من مغادرة مرفأ بيروت. وباستثناء الدعوى القضائية التي هي الرابط الوحيد المؤكد حتى الآن بين الشركة الدنماركية و”روسوس”، فإن القرار القضائي الذي أصدرته السلطات الدنماركية بحق شركة “دان بانكرينغ” سجل مفارقة لافتة. فخلال تعقب عمليات التبادل التجاري بين النظام السوري والشركة الدنماركية، تبين من جهاز التعقب الخاص بسفينة الشركة أنها كانت ترسو في المرفأ اليوناني نفسه، وفي الفترة الزمنية نفسها، التي رست فيها سفينة “روسوس” لمدة شهر قبل توجهها إلى بيروت. فهل هي صدفة أم أن الرابط بين الشركة الدنماركية و”روسوس” كان تجارياً وله علاقة بعملية نقل النفط أو غيره إلى سوريا؟
“حزب الله” لا يرد
مصادر في “حزب الله” رفضت التعليق على ما يتردد عن الشركة الدنماركية وارتباطها بالنظام السوري. وأكدت أن الحزب لا يرد على كلام صحف، وحتى لو تبين أن النيترات كانت للنظام السوري فإن الحزب لن يعلق.
وجددت مصادر مطلعة على موقف “حزب الله” قولها لـ”اندبندنت عربية” أن لا علاقة للحزب بالنيترات، ولا وجود لعناصره في المرفأ، ولا عمل له في العنبر رقم 12.
وختمت المصادر بالقول “إذا كان الحزب لم يعلق على الاتهام الذي وُجه إليه في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فهل يعلق على أقاويل من هنا وهناك لا قيمة لها بالنسبة إليه؟”.
انكشاف الدنماركية سيعقد عمل بيطار
مع تكشف خيوط إضافية للعلاقة بين الجهات المستوردة لنيترات الأمونيوم والنظام السوري، لا شك في أن ذلك سيعقّد مهمة قاضي التحقيق الأول. فإذا كانت الشكوك بارتباط النظام السوري بشاحنة النيترات واستخدامها في البراميل المتفجرة التي رميت على المواطنين السوريين، فإن ذلك يعني أن حلفاء الأسد في لبنان سيجهدون أكثر في اتجاه منع القاضي طارق البيطار من الوصول إلى الحقيقة بالأدلة الدامغة، خصوصاً إذا صحت المعلومات التي تفيد بأن نيترات الأمونيوم كانت تُخزن في العنبر رقم 12 بحماية “حزب الله”، ومن هناك كان يتم نقلها إلى الأراضي السورية، بمساعدة الحزب وبعض الأجهزة الأمنية اللبنانية الموجودة في المرفأ. كل ذلك، يفسر، بحسب مصدر قضائي، الارتياب الزائد الذي يبديه “حزب الله” من استكمال القاضي البيطار في التحقيقات، وصولاً إلى إصدار قرار اتهامي قد يتضمن هذه الوقائع. والمعلوم، بحسب المصدر القضائي، أنه تحت عنوان الإهمال، فإن القرار الاتهامي سيحمل المسؤولية للسياسيين الذين كانوا في موقع المسؤولية وعلموا بوجود النيترات ولم يفعلوا شيئاً، إما لتواطئهم مع قوى الأمر الواقع أو لمجرد الإهمال.
هل يستأنف البيطار التحقيقات هذا الأسبوع؟
لا تزال التحقيقات في انفجار الرابع من أغسطس متوقفة نتيجة كف يد المحقق العدلي القاضي البيطار عن القضية، بعد تقدم النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر بطلب رده لدى رئيس الغرفة الأولى في محكمة التمييز القاضي ناجي عيد. ولا يستبعد مرجع قضائي أن يكون زعيتر وخليل تقصدا المماطلة بالتعطيل بعدما تقدما بدعوى رد القاضي ناجي عيد بحجة وجود خصومة معه لأنه رفض سابقاً دعوى الرد التي تقدم بها النائبان المدعى عليهما بحق البيطار.
وحتى الاثنين 10 يناير (كانون الثاني)، كان القاضي عيد يستكمل النظر في طلب رد البيطار، لأنه لم يكن بعد قد تبلغ طلب رده، لعدم تعيين رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي اضطر إلى حجر نفسه بعد إصابته بفيروس كورونا، الغرفة المناسبة للنظر في دعوى رد القاضي عيد. ومطلع الأسبوع، أعيد تحريك الملف، فحول الرئيس الأول لمحكمة التمييز دعوى رد القاضي عيد إلى القاضية رلى المصري في الغرفة الثانية للنظر في رد عيد عن القضية أو بحقه في الاستمرار بالنظر في طلب رد البيطار. ويفترض أن لا تتأخر القاضية المصري في إصدار قرارها.
في المقابل، اجتمعت الهيئة العامة لمحكمة التمييز، الاثنين، في قصر العدل، للنظر في دعوى مخاصمة الدولة التي قدمها الوزير السابق المدعى عليه يوسف فنيانوس بسبب ما اعتبره خطأ ارتكبه البيطار بالادعاء عليه. لكن الهيئة لم تتمكن من التوصل إلى قرار، علماً أن هيئة التمييز مجبرة على اتخاذ قرار في دعوى فنيانوس، الثلاثاء، قبل إحالة أحد أعضائها، القاضي روكز رزق، على التقاعد. ما سيؤدي إلى فقدانها النصاب وعدم تمكنها بعد ذلك من النظر في أي ملف والبت فيه، بما في ذلك عودة البيطار إلى متابعة التحقيقات.
المصدر: اندبندنت عربية