حمدوك يستقيل ويضع الأزمة على “طاولة مستديرة”

إسماعيل محمد علي

قتلى في الاحتجاجات المناهضة للعسكريين وقطع خدمة إنترنت الهواتف الجوالة وجلسة طارئة لمجلس الأمن. فقد أعلن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك، الوجه المدني للمرحلة الانتقالية، استقالته من منصبه، الأحد الثاني من يناير (كانون الثاني)، بعد أكثر من شهرين من انقلاب أعقبته حملة قمع خلفت 56 قتيلاً، قائلاً إن حل الأزمة السياسية في البلاد “لن يكون إلا بالحوار على مائدة مستديرة”، وإن الاتفاق السياسي مع العسكريين كان “محاولة لجلب الأطراف إلى طاولة الحوار” عبر أفكار “لوقف التصعيد وإعلاء مصلحة السودان”.

وقال حمدوك في خطاب نقلته وسائل الإعلام، إن هناك “صراعات عدمية” بين مكونات الانتقال في السودان، وإن “أفق الحوار انسد بين الجميع ما جعل مسيرة الانتقال هشة”. وأضاف أنه التقى خلال الأيام الماضية المكونات السودانية كافة وحاول “تجنيب البلاد خطر الانزلاق نحو الكارثة”، لكن الأزمة الكبرى في البلاد “هي أزمة سياسية وتكاد أن تكون شاملة”.

وفيما شدد على أن الحوار هو “الحل نحو التوافق لإكمال التحول المدني الديمقراطي”، أكد حمدوك أن “الثورة ماضية إلى غايتها والنصر أمر حتمي”.

وأضاف “قرّرت أن أرد إليكم أمانتكم وأعلن لكم استقالتي من منصب رئيس الوزراء مفسحاً المجال لآخر من بنات أو أبناء هذا الوطن المعطاء، لاستكمال قيادة وطننا… والعبور به خلال ما تبقى من عمر الانتقال نحو الدولة المدنية الديمقراطية”.

ويزيد هذا الإعلان من حالة الغموض إزاء المستقبل السياسي في السودان بعد ثلاث سنوات من الاحتجاجات التي أفضت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وجاءت استقالة حمدوك عقب احتجاجات مناهضة للعسكريين الأحد سقط فيها قتيلان بالرصاص في أم درمان، أحدهما بـ”إصابة مباشرة بالرأس” وآخر بإصابة “بالصدر”، وفق ما أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية، في وقت أطلقت قوات الأمن السودانية قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق آلاف المحتجين بالقرب من القصر الرئاسي وسط الخرطوم، على ما أفاد صحافي وكالة الصحافة الفرنسية، إذ خرج آلاف السودانيين للمشاركة في “مليونية الشهداء” للمطالبة بحكم مدني وإدانة العنف الدموي الذي تعرضت له احتجاجات الأسبوع الماضي وأسفر عن سقوط ستة قتلى.

وفي خطوة تصعيدية مفاجئة وغير معلنة ضمن البرنامج الثوري لشهر يناير (كانون الثاني)، قررت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم إقامة مسيرات احتجاجية مركزية، الأحد، الثاني من يناير (كانون الثاني)، ستكون وجهتها القصر الرئاسي في الخرطوم، حاملة شعار “مليونية الشهداء”، وفاء لضحايا “مليونية 30 ديسمبر” (كانون الأول) البالغ عددهم، بحسب لجنة أطباء السودان المركزية، ستة قتلى سقطوا برصاص حي أطلقته قوات الأمن السودانية على المتظاهرين بكثافة وبطريقة مفرطة، ما أدى إلى استنكار محلي ودولي واسع.

وبحسب وسائل إعلام سودانية، فإن السلطات الأمنية في البلاد أغلقت الجسور والكباري التي تربط الخرطوم بمدينتي أم درمان والخرطوم بحري بالحاويات الثقيلة لمنع تدفق المتظاهرين لمنطقة وسط الخرطوم وعرقلة حركة وصولهم إلى القصر الرئاسي الذي يعتبر وجهة المتظاهرين الرئيسة، فضلاً عن تطويق هذه المنطقة بطوق أمني كثيف وآليات عسكرية ثقيلة مع إطلاق تحذيرات من الاقتراب إليها، ويتوقع أن تقوم السلطات السودانية بقطع خدمات الإنترنت والاتصالات في مدن السودان كافة خلال هذا اليوم لعرقلة عمليات التنسيق بين المتظاهرين وبعثرة خططهم عند قيام قوات الأمن بتفريقهم باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع.

ودعا تجمع المهنيين السودانيين الذي يقود هذا الحراك الثوري إلى جانب لجان المقاومة، جماهير الشعب السوداني إلى المشاركة الفعالة في المواكب المليونية لهذا اليوم، وقال في بيان، “ندعو جماهير الشعب السوداني وجموع المهنيين السودانيين والعاملين بأجر في كل مدن وقرى السودان للخروج والمشاركة الفعالة في المواكب المليونية المقررة، الأحد، للمطالبة بإبعاد العسكر عن المشهد السياسي في البلاد وتسليم السلطة كاملة للمدنيين”.

خدمة إنترنت الهواتف الجوالة

وتزامناً مع الدعوات، قطعت خدمة إنترنت الهواتف الجوالة في العاصمة، الأحد، حسب ما أكد صحافي وكالة “الصحافة الفرنسية”، كما أفادت مجموعة “نت بلوكس” التي تتعقب أعطال شبكات الإنترنت في حسابها على “تويتر” بأنه “تم تأكيد تعطل الإنترنت عبر الهاتف المحمول في السودان منذ حوالى الساعة العاشرة بالتوقيت المحلي قبيل احتجاجات مناهضة للانقلاب في الخرطوم”.

تطبيق القانون

وللمرة الأولى، تكشف الشرطة السودانية على لسان مديرها العام عنان حامد عن قيامها بتحقيقات عما حدث من تجاوزات أو إفراط في استخدام القوة في تظاهرات الخميس الماضي، مؤكداً أن التحقيقات ستطال الأفراد والضباط المسؤولين الذين قاموا بتلك التجاوزات سواء بإطلاق الرصاص أو من أصدر الأوامر، وبين حامد أن القانون يطبق علينا قبل الآخرين ولا كبير على هذا القانون، مشيراً إلى أن الشرطة لا تمتلك سلطة مطلقة وأن حفظ الأمن يتم بالقانون وليس بالإفراط.

تحقيق ومحاسبة

وعقد مجلس الأمن والدفاع، السبت، جلسة طارئة برئاسة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان للوقوف على الأوضاع الأمنية في البلاد، وبحسب بيان، فإن مجلس الأمن والدفاع استمع إلى تقارير الأجهزة الأمنية حول الأحداث التي صاحبت التظاهرات خلال ديسمبر، وأمن على الإجراءات كافة التي اتخذتها للحفاظ على سلامة وأمن المواطن والممتلكات العامة، وأشاد بجهودها وحكمتها وحنكتها في التعامل مع المهددات الأمنية، وأسف المجلس للأحداث التي صاحبت الحراك من فقدان أرواح عزيزة على الوطن، ووجه بالإسراع في استكمال إجراءات التحري والتحقق ومحاسبة المتورطين في الأحداث، وجدد ثقته في القوات النظامية.

حوار وتوافق

كما عقد مجلس السيادة السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان اجتماعاً ناقش الأوضاع الراهنة في البلاد، وفي مقدمها التفلتات الأمنية والأحداث التي وقعت أثناء تظاهرات 30 ديسمبر، إلى جانب التعديات على مقر البعثة الأممية بمدينة الفاشر، حيث أقر المجلس بضرورة كشف المرتكبين للمخالفات وحالات القتل من الأطراف كافة، ودان المجلس، الانتهاكات التي وقعت وسلوك بعض الجهات التي تسعى لإحداث الفتنة وزرع الخلافات بين مكونات الشعب السوداني، داعياً إلى معالجة الأزمة الراهنة بالحوار والتوافق وتجسير الرباط بين المبادرات المطروحة للخروج برؤية موحدة وتسريع تشكيل حكومة التكنوقراط لسد الفراغ في هياكل الحكم الانتقالي.

وأكد مجلس السيادة المضي قدماً في بسط الحريات وحرية التظاهر والتعبير السلمي والالتزام بما هو متعارف عليه دولياً من التظاهر مع الحفاظ على سلطة القانون وهيبة الدولة وتوضيح حدود الصلاحيات والأطر بين المواطنين وسلطات الأجهزة الشرطية والأمنية، ونبه المجلس إلى إعلاء الروح الوطنية التي تحافظ على أمن واستقرار البلاد الذي يفتح آفاق الجذب الاستثماري واستمرار المشاريع التنموية والحد من هجرة رؤوس الأموال الوطنية، وتطرق المجلس إلى الجهود التي تقوم بها اللجنة العليا لمراجعة عمل وقرارات لجنة تفكيك نظام الـ30 من يونيو (حزيران)، وعكس ذلك للمواطنين حتى يطلعوا على ما تم من عمل خلال الفترة المنصرمة، بحسب ما نشره إعلام مجلس السيادة.

اجتماع ثلاثي

وكان رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان حميدتي ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، عقدوا اجتماعاً، مساء الجمعة، في منزل الأخير بضاحية كافوري، لبحث دواعي استقالة الأخير التي ظل يلوح بتقديمها خلال الأيام المقبلة، ووفقاً لوسائل إعلام سودانية، فإن حمدوك أبلغ البرهان وحميدتي خلال الاجتماع، بصعوبة استمراره في منصبه، وبأنه يتعرض لضغوط كبيرة من الشارع والقوى السياسية، ولديه مطالب لم تتم الاستجابة لها، وأشارت إلى أن حمدوك أراد أن يعلن للشعب السوداني، استقالته من منصب رئاسة الوزراء عبر خطاب يبث عبر الإذاعة والتلفزيون، الجمعة، مشيرة إلى أن مهندسي البث والمصورين حضروا إلى منزله، مساء ذلك اليوم لتسجيل خطاب الاستقالة، لكن تم إبلاغهم بتأجيل تسجيل الخطاب إلى وقت يحدد لاحقاً.

كذلك ذكرت تلك الوسائل أن حمدوك اجتمع مع أطراف عملية السلام، والتقى أيضاً سفراء دول غربية، لإثنائه عن تقديم استقالته، طالبين منه ضرورة إجراء حوار مع القوى السياسية للخروج من الأزمة الحالية، مؤكدة أن حمدوك، سيعقد اجتماعاً، الإثنين، ويتوقع إذاعته بياناً في اليوم ذاته، يحدد بقاءه أو مغادرته منصبه، ولفتت وسائل الإعلام السودانية إلى أن حمدوك أبلغ البرهان ونائبه، بأنه مصمم على استقالته، إن لم يحدث تقدم في الأيام المقبلة.

أمر طوارئ

وعزا سياسيون وقانونيون الإفراط في العنف الذي استخدمته الأجهزة الأمنية لقمع المتظاهرين إلى الصلاحيات والسلطات التي منحت لهذه الأجهزة بموجب أمر الطوارئ الذي أصدره رئيس مجلس السيادة، الأسبوع الماضي، للتصدي للمتظاهرين بكل وسائل البطش المتاحة من دون أدنى مساءلة قانونية بحق أي فرد من القوات النظامية في حال قيامه بعمليات اعتقال أو تفتيش أو غيره من الأعمال ذات الطابع الأمني.

واشتمل أمر الطوارئ على عدم اتخاذ أي إجراءات في مواجهة أفراد القوات النظامية التي تتولى تنفيذ قانون الطوارئ وحماية السلامة العامة لسنة 1997 المعلن في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 وفق المرسوم الدستوري رقم 18، على أن تنتهي مدة صلاحية هذا الأمر بانتهاء حالة الطوارئ المعلنة في البلاد حالياً، وتأتي إعادة هذا الأمر من جديد بعد أن تم إلغاؤه عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، حيث جرى آنذاك تجريد جهاز المخابرات العامة من سلطات الاعتقال والتوقيف، وتم النص في الوثيقة الدستورية التي وقعت بين المكونين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019 لإدارة شؤون الحكم في البلاد، على حصر صلاحياته في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها لجهات الاختصاص لتقوم باللازم.

مسيرات يناير

ومع بداية العام الجديد، أعلن المكتب الميداني لتنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم الجدول التصعيدي لمسيرات شهر يناير والتي تشمل أيام السادس، و12، و17، و24، و30 من هذا الشهر، تحت شعار “لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية مع العسكر”، مؤكداً في بيان له أن التصعيد سيتواصل ولن يتوقف إلا برحيل المكون العسكري من المشهد السياسي وتسليم السلطة للمدنيين.

وسير الشارع السوداني حتى الآن 12 مسيرة احتجاجية منذ إعلان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر حالة الطوارئ في البلاد وفض الشراكة مع المكون المدني، اعتراضاً على تلك القرارات التي اعتبرتها قوى سياسية ومدنية انقلاباً عسكرياً، مقابل نفي من الجيش، وفي 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقع البرهان ورئيس الحكومة عبد الله حمدوك اتفاقاً سياسياً يتضمن عودة الأخير لمنصبه، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتعهد الطرفان بالعمل معاً لاستكمال المسار الديمقراطي، ورحبت دول ومنظمات إقليمية ودولية، بينها الأمم المتحدة، بهذا الاتفاق، بينما رفضته قوى سياسية ومدنية سودانية، معتبرة إياه “محاولة لشرعنة الانقلاب”.

 

المصدر: اندبندنت عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى