السوريّة ريم صابوني تهزم الحرب بـ”نادي الأمّهات العرب” في مصر

إيناس كمال

من دون أن تخطط لإقامة طويلة في القاهرة، تركت ريم صابوني دمشق عام 2012 بعدما تزايد الخوف الذي كانت تعيشه يومياً بسبب الحرب ومصائبها. حملت طفلها وغادرت بصحبة عائلتها إلى مصر، وأصبحت بعد سنوات مؤسسة لأول تجمع سوري للأمهات العرب في القاهرة وهو “نادي الأمهات العربيات” أو Arab moms club.

“تصورنا أننا سنمكث شهرين، إلى حين تستقر الأوضاع. حملت طفلي ابن العامين ونصف العام، وحقائب خفيفة تكفينا لهذه المدة فقط، وتركنا أشياءنا الثمينة بالبيت”، تقول صابوني.

بداية الطريق

بعد فترة أدركت أنه يستحيل العودة إلى سوريا مرة أخرى، فأخذت تتأقلم مع المجتمع المصري، بعكس طفلها الذي صعب عليه ذلك: “بدأت في دراسة منهج “منتسوري” لأتخصص بشكل أكبر في الطفولة المبكرة، وكان هدفي التعامل مع ابني وتطوير نفسي تربوياً” تقول صابوني.

دراسة دبلوم “منتسوري”، وهو منهج تعليمي يعتمد على فلسفة تربوية تهتم بتنمية شخصية الطفل نفسياً وعقلياً وروحياً وجسدياً، ساعدتها في التعرف إلى مصريات والتأقلم والاندماج مع المجتمع المصري، وتولد لديها شغف للتعلم والاكتشاف.

عقب تخرجها من الدبلوم، توظفت في مدرسة بالقاهرة، وكان ابنها أحد طلابها، وإلى ذلك كانت متطوعة في رابطة للسوريات في القاهرة.

عملت ريم في تدريس منهج “منتسوري” بشكل مجاني للأمهات السوريات، لتعلمهن كيف يتصرفن مع أطفالهن وتسربهم من التعليم. مهد ذلك لفكرة إنشاء Arab Moms Club ليكون نادياً يجمع الأمهات السوريات في القاهرة لتبادل الأفكار والمناقشات، والذي بدأ من تطبيق المحادثة “واتساب” ثم “تلغرام” ثم أخيراً “فايسبوك” و”يوتيوب”.

تضيف مؤسسة النادي: “7 سنوات من حياتي هي التي مهدت لي فكرة النادي. الفكرة لم تخرج بين يوم وليلة، كانت نتيجة خبرات وتراكمات وأفكار ومعاناة وصعوبات ونجاحات. استطعت أن أنجح، وأن أحقق نفسي وذاتي من خلال أمومتي”.

وتشير صابوني إلى أنها وجدت “أن كل أمّ لا بد لها من أن تقرأ وتتثقف وتطّلع على المناهج التربوية لتتعامل مع أطفالها، بخاصة أنه لا أحد يعرف الظروف التي قد تتعرض لها في الغربة، أو عند الانفصال. ولا ننكر أن هناك مشاكل عديدة بالتربية لدى كل الجنسيات العربية، فما بالك لو كانت أمّاً مغتربة ولاجئة”.

تحظى صفحتها الشخصية بالآلاف من المتابعين، بخلاف المتابعين النشيطين عبر المجموعة الخاصة بـ”فايسبوك”، والتي تنقل داخلها نصائح للأمهات حول التربية الإيجابية والاهتمام بالصحة النفسية والجسدية لهن، وخصوصاً أن عدداً لا بأس به منهن قد يكنّ لاجئات غير مقتدرات مادياً أو مطلقات وهن يُعلنَ أطفالهن.

بارقة أمل

افتتح نادي الأمهات يوم عيد الأم عام 2018 في شقة صغيرة في منطقة القاهرة الجديدة، وكانت الفكرة بالأساس لدعم السوريات وخلق حالة دعم لبعضهن، ثم انضمت إليهن جنسيات عربية مختلفة: مصريات، وليبيات، وتونسيات، وجزائريات، وعربيات مغتربات في تركيا والسويد والإمارات. وتحظى مجموعة “فايسبوك” المغلقة الآن بأكثر من 4 آلاف عضو، بينما وصل متابعو الصفحة العامة لأكثر من 25 ألفاً وعلى “يوتيوب” لحوالي 500.

كما أن لقاءاتها مع الأمهات ليست عبر الواقع الافتراضي فقط، وإنما تلتقي معهن في محاضرات ودورات وتدريبات مجانية لهن على منهج “منتسوري”، وكذلك الصحة النفسية والجسدية لهن.

وتعليقاً على عمل النادي والكورس، قالت دينا سيد، وهي إحدى المشاركات: “في رحلة هذا الكورس الرائع والنادي، تعلمت كيف أبحث داخلي عن مشاعر منسية، تعلمت كيف أفهمها وأعرف ما وراءها ولا أزال أتعلم. ومع كل محاضرة، أشعر بالأمل في أنه يمكنني التغيير، وأيقنت أنه أمر غير سهل، ولكن لا شيء يستحق العناء، والمجهود أكثر من ذاتي”.

تقول صابوني إن “الغرض هو أن ننشئ مجتمعاً للأمهات العرب، يتناقلن معلومات عن تربية الأطفال، ليس على طريقة جدتي، وإنما بطرق علمية وتربوية مدروسة. وبمجرد أن طرحت الفكرة للمجتمع القريب مني والأصدقاء، تفاعل معي وشاركت 1000 أمّ بشكل تطوعي، ولدينا فريق يضم حوالي 10 متطوعات في تصميم المحتوى والغرافيك والتسويق الإلكتروني والعلاقات العامة”.

ليس في مصر وحدها، وإنما هناك فروع لنادي الأمهات العرب تم افتتاحها، أخيراً، في الجزائر، وثمة سفراء وممثلات للأمهات العرب في الإمارات وتركيا وسوريا.

لم تكتفِ السيدة السورية بذلك، بل عادت إلى صفوف الدراسة، من خلال ماجستير في “سيكولوجية الأطفال” من جامعة “سيفورد” الأميركية، وحصلت على شهادة تدريب مدربين من الأمم المتحدة.

بداية التغيير

تؤمن ريم صابوني أن التربية الإيجابية والتي حازت شهادة بها، هي الطريق لتغيير الشعوب والأمم، وتقول: “التغيير في المجتمع السوري صعب، رغم أني أرى أن الاختلاف ميزة إيجابية تضاف للإنسان، لذلك يصعب على البعض من السوريين الاندماج في المجتمعات المختلفة”.

العديد من الأطفال السوريين يواجهون مشكلات في المجتمع المصري، فبسبب الاكتظاظ السكاني لمصر، والتي تخطى عدد سكانها الآن 106 ملايين نسمة، لم يجد البعض أماكن له في المدارس. فالبعض تسرب من التعليم، وآخرون كانوا في مدارس سورية دعت الحاجة إلى تأسيسها لذلك الغرض، كما يواجهون مشكلات أخرى من صعوبة الاندماج وعدم الإحساس بالأمان، لكن حالياً، صار هناك اندماج كبير في المجتمع المصري.

نالت ريم وناديها جوائز عدة، منها جائزة للريادة المجتمعية على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2019، كما كرمتها وزارة الشباب والرياضة المصرية.

وتطمح مؤسّسة “نادي الأمهات العرب” إلى أن تجمع كل الأمهات العرب تحت مظلة النادي، وأن يكون لهن فرع في كل دولة من دول العالم العربي، وأن يكون النادي مصدراً للمعلومة التربوية الصحيحة لهنّ.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى