على الرغم من أن مدينة إدلب شمال غربي سورية، تخضع لتفاهمات هشة، نقلتها إلى ضفة الهدوء والاستقرار النسبي، تتويجاً لاتفاق بين الأطراف الدولية المعنية، يقضي بوقف العمليات القتالية، إلا أن الخلافات التي كانت قد اتسعت في الآونة الأخيرة، بين تركيا وروسيا، لا يبدو أنها قد حلت نهائياً، فقد يشي الهدوء الحذر، وسط مواصلة الأطراف تحشيد قواتها، بانزلاق جديد إلى تصعيد غير مسبوق، أو ربما أن هذه الحشود هي رسائل تهديد يتبادلها الفاعلون الدوليون.
وضمن أجواء الهدوء المتقطع في إدلب ومحيطها، بحث نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال، امس، مع نظيره الروسي سيرغي فيرشينين، الأوضاع في محافظة ادلب الحدودية، وأفاد بيان صادر عن وزارة الخارجية الروسية، أن مباحثات الجانبين جاءت في اتصال هاتفي، حيث قال أونال وفيرشينين، «بحثنا تنفيذ الاتفاق المبرم بين تركيا وروسيا حول إرساء الاستقرار في إدلب، بما فيها جهود حل الأزمة السورية، لافتاً إلى أن الجانبين ناقشا أيضاً العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة من أجل إرساء السلام في سوريا.
أسباب الحشود
ورصد المرصد السوري لحقوق الانسان ليلة أمس، دخول رتل تركي من معبر خربة الجوز في اتجاه نقاط المراقبة العسكرية غرب إدلب، ويتألف الرتل من 30 آلية عسكرية، في حين ارتفع عدد الآليات التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد إلى 2460 آلية، بالإضافة لآلاف الجنود كما اكد المصدر دخول رتل عسكري لفصائل المعارضة من منطقة عفرين، يتألف من 55 آلية، حيث اتجه الرتل نحو ريف إدلـب بالـقرب من الـنقاط التركية، لافتاً إلى أن القوات التركية عززت نقاطها في ريف حلب الغربي، بكتل إسمـنتية، وعـملت الآليات الهندسـية والـحفارات على رفع سواتر ترابية على المحاور الشرقية لبلدة آفس بالقرب من مدينة سـراقب.
وتهدد موسكو آخر منطقة للمعارضة شمال غربي سوريا، مواصلة – رغم المعاهدات المبرمة – دعمها لقوات النظام السوري، التي شنت هجماتها على المنطقة، وأدت حسب وكالة الاناضول التركية، إلى مقتل أكثر من 1800 مدني، ونزوح أكثر من مليون و942 ألف آخرين، إلى مناطق هادئة نسبياً أو قريبة من الحدود التركية، في الوقت الذي تعزز فيه أنقرة مواقع انتشارها وتدعم فصائل المعارضة، شمالاً، وذلك من أجل الوصول إلى مقايضة أو نوع من تسوية من أجل رسم خارطة نفوذ جديدة في هذه المنطقة، ما يضع أكثر من علامة استفهام حول مستقبل شمال غربي سوريا الذي سيبقى مجهولاً لحين بلورة تفاهم دولي إقليمي جديد.
المرصد السوري لحقوق الانسان، قال إن طائرات الاستطلاع الروسية واصلت تحليقها الأحد، بكثافة في أجواء محافظة إدلب ومحيطها، وذلك مع سريان اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل يومه الـ 38 على التوالي، في حين استهدفت قوات النظام بعد منتصف ليل السبت – الأحد بقذائف المدفعية مناطق في الفطيرة بجبل الزاوية.
وأوعزت روسيا للنظام والميليشيات الإيرانية بمحاولة التقدم وقضم المساحات المحررة تدريجياً حسب ما يقول خبراء ومراقبون لـ»القدس العربي»، وذلك بعدما عجزت أنقرة عن تنفيذ تعهداتها في المنطقة.
فلا شك أن اتفاق سوتشي الذي وقع بين روسيا وتركيا بتاريخ 18/9/2018 والذي كان ينص على فتح الطرق الدولية، بنهاية العام لم تستطع تركيا تنفيذه لسبب وصفه المعارض السوري سمير نشار بالجوهري حيث عزا المتحدث السبب إلى أن الفصائل وليس فقط المتشددة رفضت فتح تلك الطرق التي وجدت أن ذلك يخدم مصلحة النظام الاقتصادية والسياسية ويؤدي إلى تحجيم المساحة المحررة التي تسيطر عليها الفصائل.
وأضاف نشار لـ»القدس العربي»، أن روسيا بعد أن انتظرت لمدة تزيد على العام، وجدت أن تركيا لم تستطع تنفيذ الاتفاق، ولم توفق في ذلك رغم المحاولات المتكررة التي بذلتها في هذا الاتجاه، لذلك أوعزت روسيا للنظام والمليشيات الإيرانية بمحاولة التقدم وقضم المساحات المحررة تدريجياً، لافتاً إلى أن روسيا أمنت لتلك القوات الغطاء الجوي كما جرت العادة في كل الإنجازات التي حققها النظام منذ التدخل الروسي. وجرت معارك عنيفة استمرت لأشهر إلى حين تمكن النظام من استعادة الريف الشمالي لحماه ومن ثم الوصول والسيطرة على مدينة خان شيخون، واستمر تقدم النظام وبدأت تتهاوى البلدات المحررة وبما فيها معرة النعمان وسراقب البلدتان اللتان تشرفان على الطريق الدولي الواصل بين مدينتي دمشق – حلب، وتمت السيطرة عليه تماماً، وبدأت الجهود العسكرية تتجه نحو مدينة إدلب.
وبطبيعة الحال، كثرت التساؤلات حسب نشار عن جدوى تواجد النقاط التركية في ظل نزوح ما يقارب مليون مواطن سوري جديد من تلك المناطق والبلدات في اتجاه الحدود التركية وبدأت الأصوات تتعالى داخلياً وخارجياً حول مصير ملايين السوريين المتواجدين في مدينة إدلب ومحيطها والكارثة الانسانية المتوقعة، وتهديدات تركية بفتح الحدود مع اليونان أمام اللاجئين في اتجاه أوروبا لإثارة مخاوفها من موجة لجوء جديدة، وبدأت تحدث اشتباكات بين قوات النظام والقوات التركية التي ازداد عددها بشكل مطرد، كما بدأت تصدر تصريحات تركية بضرورة انسحاب قوات النظام إلى ما قبل حدود اتفاق سوتشي وإلا فإنها سوف تستخدم القوة العسكرية لإجبار قوات النظام على الانسحاب إذا لم يتم ذلك قبل نهاية شهر شباط/فبراير.
«رسالة خشنة جداً»
وحسب وصف المعارض السوري، فإن السوريين قد حبسوا أنفاسهم نتيجة التهديد التركي، وأضاف «حصل أمر في غاية الأهمية وكانت رسالة عسكرية خشنة جداً عندما قصفت طائرات روسية (وليست طائرات سورية كما زعم) قصفت قوات تركية وقتل بنتيجتها 33 عسكرياً تركياً، مؤدى الرسالة أن الروس جاهزون للرد على أي تصعيد تركي».
من هنا أتى اتفاق الأخير، لتثبيت الوضع الراهن وتثبيت سيطرة النظام على المناطق التي وصلت إليها بما فيها الطريق الدولي حلب – دمشق. وإعادة التعهد التركي بفتح الطريق الدولي حلب – اللاذقية وتسيير دوريات مشتركة تركية روسية وهو يواجه تحديات برفض السكان وبعض الفصائل.
تركيا تتجنب فتح معركة مع الفصائل الرافضة لما له من تداعيات على صورة وموقف تركيا، فيما تبدو الأخيرة مضطرة لتنفيذ التزامها تجاه الروس بموجب الاتفاق الأخير، ومن هذا المنطلق اعتقد المتحدث لـ»القدس العربي»، أن تركيا وضعت نفسها بموقف لا تحسد عليه، خاصة أنها بمفردها بمواجهة التحدي الروسي لأنها إذا فشلت بتنفيذ الاتفاق سيعاود الروس قضم المناطق المحررة المتبقية والولايات المتحدة أبدت استعدادها لدعم تركيا مقابل تجميد صفقة صواريخ اس 400 مع روسيا وهذا سيضعها بمواجهة جديدة مع روسيا.
وقال نشار أن تركيا تأمل بتجميد الوضع الحالي دون تصعيد مع استمرار محاولاتها بإقناع السكان والفصائل بالمساعدة على فتح الطريق الدولي والقبول بالدوريات الروسية التركية المشتركة لكن السكان والفصائل يدركون أن القبول بذلك يعني سيطرة النظام على المناطق جنوب الطريق من جبل الزاوية إلى مدينتي أريحا وجسر الشغور ونزوح مئات الآلاف من السكان، معتبراً أن الحشود العسكرية شمال غربي سوريا، ربما هي رسائل تهديد أكثر منها تهديداً حقيقياً في ظل تفشي جائحة كورونا التي تهدد الجميع.
المصدر: «القدس العربي»