إيمان محمد روائية سورية متميزة، تنتمي للثورة السورية، هذا أول عمل روائي أقرأه لها.
العديّة؛ رواية ترمز الى مدينة حمص السورية الملقبة بالعديّة، والرواية تتناول واقع الثورة السورية في حمص بدء من انطلاق الثورة اوائل عام ٢٠١١م وتنتهي أحداث الرواية في أواخر عام ٢٠١٣م.
تعتمد الرواية أسلوب السرد بصيغة المتكلم رصدا لما تعيشه شخصياتها وما يحيط بهم عبر التسلسل الزمني المتتابع. كما تعتمد أسلوب الأصوات المتحدثة المتعددة، حيث يتناوب على التحدث ثلاث شخصيات أساسية هم : رامي وغياث ومؤمنة. ثلاثتهم أبناء حمص، رامي مستقر في حمص احد الناشطين الذين اندفعوا مع غيرهم من الشباب السوري في التظاهر لإسقاط النظام و تعبيرا عن مطالبهم بالحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل، كان واحدا من الناشطين الميدانيين الذين يقودون التظاهر. اما غياث فهو شاب حمصي مغترب في امريكا منذ سنوات بعيدة، عاد عند بدء الثورة السورية ليشارك فيها، زاهدا في كل شيء. أما مؤمنة فهي ايضا احدى الناشطات في الثورة السورية في حمص، تعمل بالتعاون مع الثوار ومع ناشطات أخريات في جميع مناشط الثورة.
تضعنا الرواية على لسان أبطالها مباشرة مع مواجهات الثوار الناشطين مع قوى أمن وجيش النظام، الذين قرروا أن ينهوا الحراك الثوري بأي ثمن، حيث بدأت دوريات الامن تداهم مناطق الحراك، تعتقل الشباب الناشطين، تنتهك البيوت، تفرّق المتظاهرين بالعنف واطلاق الرصاص، تقتل البعض وتجرح البعض وتعتقل البعض. كان قرار النظام أن ينهي الثورة بأي ثمن، وقرار الثوار الاستمرار بالثورة حتى النصر او الشهادة، كل القمع والبطش والعنف من النظام المتوحش لم يزدهم الا اصرارا على الاستمرار بالثورة. أحياء حمص كلها ثائرة، كانت ردة فعل الثوار على عنف النظام ، البدء بتشكيل مجموعات صغيرة من الخلايا الثورية المسلحة، لحماية المتظاهرين والأحياء، والتي عرفت فيما بعد بإسم الجيش الحر. لم يكن الشباب على دراية بالعمل المسلح بالبدء، حاجتهم للدفاع عن أنفسهم واحيائهم واهلهم، جعلتهم يتدبروا أثمان أسلحة فردية و تدربوا عليها. منهم من باع سيارته أو مصاغ زوجته او المهر الذي كان يعده لزواجه. الشباب ربطوا مصيرهم بالثورة، وبدؤوا في مواجهة النظام، ووصلوا إلى مرحلة تحرير احيائهم من النظام وقواته الأمنية وجيشه. كان ذلك إيذانا ببدء حملة عسكرية واسعة تواجه احياء حمص متتابعة، بدء من حي بابا عمرو إلى القرابيص الى الخالدية والوعر والغوطة.. الخ ، حمص وأحيائها التي تعد بالعشرات، أصبحت مركزا لحرب غير متكافئة بين قوات النظام المدججة بجميع انواع الاسلحة ومضافا لها قصف الطيران والصواريخ وآخرها كانت البراميل المتفجرة التي لا ترحم صغيرا ولا كبيرا. صمد الشباب الثوار، كانوا مؤمنين بشرعية مطالبهم، وأنهم مشاريع شهادة، وانهم لن يتخاذلوا أو يتنازلوا. كانت المواجهات تبدأ في حي وتدفع الشباب للمواجهة، كان اكثر مايؤلم الثوار هو التدمير والقتل واخيرا الحصار والتجويع الذي يصيب الأهالي والمدنيين، وكانوا يضطرون الى فتح ممرات عبور من الأحياء المحاصرة و المعرضة للقصف والضرب، ليغادر أهلها بكثير من المخاطر التي قد تؤدي لاستشهاد البعض، ينتقلون من بيوتهم واحيائهم الى احياء هادئة نسبيا. لقد تجرع الناس طعم النزوح واللجوء وتدمير البيوت، واستشهاد النساء والاطفال والشيوخ هذا غير الثوار انفسهم الذين تجرعوا الاصابة والاعاقة والمرض وانعدام شروط الحياة الانسانية. كانت الاحياء المحاصرة تفتقد للمراكز الطبية النموذجية، هناك مراكز اسعافية ميدانية بسيطة وامكاناتها متواضعة. هذا غير معاناة الذين غادروا بيوتهم واستقروا ضيوفا عند العائلات الحمصية في الاحياء الاخرى، او في المدارس والحدائق العامة. لقد أصبح على الثوار الشباب مسؤولية تأمين الدعم الإغاثي والإنساني داخل مناطق الحصار او في الاحياء التي آوت المهجرين. زادت المعاناة اكثر والمهمات كبرت وظهر عجز في الإمكانات وفي القدرات واصبح الناس داخل مناطق الحصار في حالة انسانية مزرية. لقد شاركت النساء والصبايا بالعمل الإغاثي والصحي والإعلامي بكثافة. كانت معاناة اهل الثوار موزعة بين مصير ابنائهم وواقع حال تشردهم، كذلك حال الزوجات الهاربات مع الأطفال والمنتظرات خبر سار عن الأزواج المستمرين بالثورة وتحت الحصار، او الفتيات المخطوبات اللواتي تردْنّ الاطمئنان دوما عن أحبابهم. اما الاسر التي رفضت أن تخرج من الأحياء المحاصرة فقد كانت عبئا على الثوار وواقعهم يزداد صعوبة ومأساوية. لكن عدالة القضية جعلت الكل يصبر. تمر الأيام والشهور والسنوات، تزداد حمص حصارا، تسقط بعض الأحياء بعد أن يهجر أهلها ويدمر اغلبها، وينسحب ثوارها، تاركة ندبة في النفس وكثيرا كثيرا من الشهداء والمصابين والمعاقين. وينتقل الثوار الى أحياء أخرى ليقاتلوا النظام، إن عدم تكافؤ قوة النظام الطاغية مع تواضع قوة الثوار إضافة لشح الموارد مع الحصار القاسي ونتائجه الكارثية على الناس والثوار، جعلهم يخسرون الارض تحت اقدامهم أول بأول. وبدأت تدب بينهم الخلافات حول ما يجب فعله كمخارج مما هم فيه. البعض يفضل المفاوضة مع النظام والانسحاب الى خارج حمص او الشمال السوري المحرر، والبعض يصرّ على المواجهة والصمود حتى النصر أو الشهادة. كانوا ضحية قلّة الإمكانيات، وعدم توحد الرؤية وضياع البوصلة، كل ذلك في الوقت الذي تُرك الثوار واهلهم لمصيرهم من القتل والتجويع والحصار. لقد صمت العالم كله عن ما يحصل في حمص المحاصرة، وفي سوريا كلها. لقد أخذ النظام مؤشرا دوليا أن يفعل ما يشاء لإجهاض الثورة، استعان بحزب الله اللبناني وإيران الذين شاركوا النظام في حربه ضد الشعب السوري، كانت لديهم مبررات طائفية مزيفة وكاذبة، بأنهم شيعة جاؤوا للدفاع عن المراقد المقدسة، السيدة زينب ورقية وغيرها. كان الثوار داخل أحياء حمص المحاصرة يعانون من شح الإمكانات العسكرية واختلافاتهم حول الطريق الأفضل الواجب اتباعه، كانوا ضحية الحصار الذي جعلهم مع الوقت يفتقدون الغذاء والمأكل، صاروا يقتاتون على الأعشاب، فقدوا الكثير من اوزانهم، لكنهم استمروا على تمسكهم بشرعية ثورتهم، وأن الله معهم طالما هم على حق. لكن امتداد الحصار ومزيد من الشهداء وقلة الإمكانات، دفعت البعض لأن يتعب وييأس ويغادر ساحة الثورة، فقد صالح البعض منهم النظام وخرج من المواجهة، وعمل البعض على تأمين خروج الأهالي والمصابين والجرحى من مناطق الحصار. لم يستسلم الثوار، حاولوا القيام بعمليات نوعية ضد النظام الذي يحاصرهم لعلهم ينهوا الحصار و يستعيدوا بعض الأحياء ويؤمنوا الغذاء والمؤن. نجحوا بالقليل من العمليات وفشلوا في البعض وكانت بعض العمليات ذات أثمان كبيرة من الشهداء. حاولوا حل مشكلة الحصار عبر حفر الأنفاق، التي حلت الأمر جزئيا لكنها لم تستطع ان تمنع فاعلية الحصار والقصف والتدمير والقتل والتجويع عن جميع من بقي في أحياء حمص المحاصرة. وبعد مضي ما يزيد عن سنتين من الحصار والمواجهة والصراع مع النظام. ومع انعدام اي منفذ لدعم من الثوار خارج حمص، أو دعم دولي، مع شح السلاح وانعدام المؤن والغذاء، والخلاف بين الثوار على المخرج مما هم فيه إلى درجة التخوين في بعض الأحيان. كان الحل أخيرا أن يفاوضوا النظام وكأنهم يتجرعون السم لكنهم مضطرون لذلك. حيث تم إخراج بقايا الناس المحاصرين مع المصابين والجرحى واخيرا المقاتلين الثوار بتعداد يصل ١٩٠٠ ثائر متجهين الى الشمال السوري، لتبدأ مرحلة ثورية جديدة. ويعيد النظام السوري احتلال حمص التي غادرها اغلب اهلها وثوارها، وتدمر أغلب أحيائها.
تنتهي الرواية لحظة خروج الثوار والناس المحاصرين من حمص، حيث يتوجهون للشمال السوري، البعض يتعالج والبعض يكمل مسيرة الثورة. خرجوا تاركين وراءهم الكثير حوالي ١٧٠٠ من الشهداء من المدنيين والثوار، تركوا وراءهم روحهم في حمص مع وعد بالعودة فاتحين لها ، و تحريرها من النظام المجرم وأعوانه.
هنا تنتهي الرواية:
في تحليل الرواية اقول:
٠ نحن أمام رواية أقرب إلى شهادة ميدانية لما حصل في حمص في سنتي الثورة الاولى. شهادة تطال الجانب المعلوماتي لتطور الأوضاع داخلها أول بأول من داخل الثوار وواقعهم اليومي. لم تكن الرواية سجلا معلوماتيا فقط، بل الأهم أنها كانت متابعة انسانية لما عاشه الثوار والناشطين والناس، الشباب في مواقعهم ثوار وإغاثييين وصحفيين شباب وصبايا في زهرة شبابهم، يعيشون الثورة في وجدانهم الحي، منعكسة على حياتهم، متحولة في وقت قصير واستثنائي لتكون الثورة وشؤونها هي لب حياتهم وعملهم. منهم من استشهد ومنهم المصاب والمعاق، والثائر المتابع للثورة رغم التهجير والإخراج القسري. مازالت الثورة مشروعة ومستمرة.
٠ لا تمر الرواية على الوجه الآخر للحدث السوري، لا تتحدث عن النظام الّا بنتائج عمله الميداني، قتله للمتظاهرين، دورياته الأمنية مداهمة البيوت، الاعتقالات، ومن ثم القصف والتدمير والحصار والبعد الطائفي واستدعاء القوى الطائفية من حزب الله وإيران. النظام لا يبرز الّا بصفته العدو الذي يتصرف باسوأ صورة. عدو لا يتورع عن فعل أي شيء ليفني الثوار و حاضنتهم الشعبية ومدنهم. لم تتطرق الرواية للحديث عن النظام ومشروعيته وادعاءاته…الخ، انه الأخر العدو الذي تتحدث أفعاله عن حقيقته ولا يحتاج بعد القتل والتدمير والحصار والتهجير اي شرح عنه أو تفسير. نظام وحشي استبدادي يستغل الشعب و يقتله.
أخيرا: الرواية ممتلئة شحنة وجدانية عالية، مهمة في رواية تريد ان تعيد إحياء ما عاشه أهل حمص وثوارها شهادة للتاريخ. كنموذج عن الثورة والثوار في كل سورية. لكي لا ننسى. ولكي تستمر مشروعية الثورة وحتمية العمل لانتصارها. حتى تسقط النظام المستبد القاتل، وتحاسبه، وتبني الدولة الديمقراطية وتحقق أهداف الشعب وثواره بالحرية والكرامة والعدالة والحياة الأفضل.